أغفل صنّاع العمل بعضاً من الأفكار التي طرحتها الرواية، ومنها زواج المأمور من سيدة إيرلندية تدعى كاثرين فلم يجر الالتفات إلى استهجان المأذون الذي عقد قرانهما، في إطار نظرته إلى آخر مختلف دينياً وثقافياً وعرقياً، وكذلك في استياء أكبر عبّرت عنه السلطة التي يديرها الإنكليز تجاه ارتباطهما.
اكتفت المخرجة بالتركيز على الاختلافات بين الزوجين في نظرتهما إلى الحياة والموت والحب، في محاولة لتظهير انكسار محمود عبد الظاهر وتنكّره من انتمائه إلى الثورة العرابية حفاظاً على حياته وعمله، وما عكسه ذلك من حالة إحباط وإحساس بالعجز والهزيمة، مقابل تعلّق زوجته بمصر وآثارها وأهلها وهو ما حمل رؤية استشراقية في كثير من الأحيان، لم تقدّمها الرواية بهذه الصورة.
اختزل العمل التلفزيوني كثيراً من الآراء والنقاشات ذات الصلة بالسياسة وتاريخ مصر في تلك الحقبة، فربما لم يشأ صنّاع هذه الدراما الخوض في بعض القضايا التي تعرضها الرواية، فلم تُذكر أي صلة لبطل العمل بجمال الدين الأفغاني وإعجابه بآرائه وعلاقة الشيخ بالماسونية وتنصله منها لاحقاً، وهي الفترة التي شهدت مصر فيها سجالات واسعة بين تيارات إصلاحية دينية وأخرى تقليدية، واختلافات حول أولوية التحديث على مقاومة الاستعمار أو العكس.
في المقابل، أسهب المسلسل في انتقاد الاحتلال البريطاني والصراع بين أفراد العائلة الحاكمة (أسرة محمد علي) والباشوات وخضوعهم للمحتل، والاستفاضة في تقديم حالة العداء تجاه الضباط الأتراك والشركس بسبب ولائهم التام للخديوي والمستعمر، وعدم اندماجهم في نسيج المجتمع المصري بل وتبرير كثير منهم للسياسات الظالمة والجائرة في جمع الضرائب.
لكن النقطة الأبرز التي تجاهلها بهاء طاهر نفسه، هو انتماء معظم أهل واحة سيوة (قرب الحدود المصرية الليبية) إلى الأمازيغ، حيث جرى التهرّب من تقديم صورة واضحة عن لغتهم غير العربية وعلاقتهم الوطيدة بالقبائل الليبية المجاورة، وطقوس الزواج وأغانيهم وخرافاتهم الشعبية، أو مشاعرهم السلبية نحو المصريين، في إصرار متعمد على تفريقهم عن البدو المحيطين بهم أو عن الفلاحين في أرياف مصر من دون الخوض في تفاصيل هجرتهم من المغرب العربي وتأسيسهم مدينتهم سيوة قبل ألف سنة وأكثر.
التعامل الرسمي مع النوبيين والأمازيغ لم يختلف منذ أن وحّد محمد علي باشا دولة مصر الحديثة (التي ضمّت أجزاء من السودان أيضاً) إلى اليوم، باعتبار أن كلا الثقافتين تختلف في جذورها عن المكوّن السائد الذي يحقّب مصر: فرعونية ثم قبطية بطلمية ثم عربية إسلامية، ولا يميل إلى الاعتراف بوجود مكوّنات أخرى قاومت في فترات ماضية جميع السلطات الحاكمة بل وأسّست ممالكها المستقلة في وقت مضى، وتحتفظ باليوم بخصوصيتها الاجتماعية.
استندت الرواية إلى افتراض وجود قبر الإسكندر المقدوني في الواحة –ذلك القبر الذي لم يستدلّ عليه أحد حتى يومنا هذا- والروح المصرية التي اجتذبت اليونان وتلبّستهم حين حكموا "أم الدنيا"، لكنها لم تستطع أن تقترب من سيوة أكثر من تصويرها جمال طبيعتها ومعابدها بعين المركز في القاهرة ورؤيته للأطراف.