أعمال الريحاني كلها من الزيت على القماش، وتأخذ مقاساً متماثلاً ويعتمد لها الفنان شكل المربع، إنها أقرب إلى صورة عائلية، تتضمّن كل لوحة عدة أشخاص، وكلهم نيام، أو ربما يغمضون أعينهم فقط لتحاشي التقاء أعينهم بأعيننا كمتلقين. بعض اللوحات توحي بأن من يجري تصوريهم عائلة، بعضها يوحي بأننا أمام عشاق أو أصدقاء.
يميل الريحاني إلى حالة من التشويش في الشكل والتشويه المتعمّد في التقاطيع والملامح، ليس بشكل جذري أو عنيف، لكن بما يكفي لكي نحس وننظر إلى الشخصيات بأنهم غارقين تحت الماء وأن هذه الملامح المتورّمة أو المتعرجة هي بفعل الحاجز الشفاف بيننا وبينهم.
في حديث إلى "العربي الجديد"، يقول الفنان: "أعرض مجموعة من الأعمال عن فكرة الاحتواء سواء كان هذا الاحتواء من فرد لآخر أو داخل نطاق أسري. أما بالنسبة إلى التشويه فهي محاولة لعجن وإعادة تشكيل للشكل الإنساني بطريقة تعبيرية خاصة تؤثر في المشاهد".
يكمل: "من وجهة نظري الفنية فإن التعبير هو الشيء الذي يستمر بقاؤه في نفس المشاهد. من الممكن أن نشاهد عملاً فنياً جميلاً بكل مقاييس العمل التقليدية من رسم ولون وتكوين، ولوحة أخرى أقل حبكة ولكن ذات قيمة تعبيرية أعلى تؤثر في عاطفة المشاهد. أتوقع أن الثانية هي التي ستبقى في ذاكرة ووجدان المتلقي. الشكل الطبيعي لا يتيح الفرصة للمشاهد في التفكير ومحاولة التوصل إلى ما بداخل العمل الفني بقدر ما يتعامل مع جمال الشكل والتقنية".
يخسر الفنان التشكيلي اليوم فرصة العرض أمام الجمهور مباشرة. المعارض تقام وتنتهي من دون حفل افتتاح من دون تفاعل بين الفنان ومرتادي معرضه، أما المتلقي نفسه فلم يعد يستطيع الاقتراب بجسده من اللوحة أو الابتعاد عنها قليلاً أو النظر من زوايا مختلفة إليها وتأمل النتوءات الصغيرة التي تتركها الفرشاة.
يعلّق الريحاني: "الفنان طول الوقت في معرض افتراضي بعد انتشار الانترنت من خلال الأعمال التي يعرضها الفنانين على صفحاتهم من مختلف أنحاء العالم. لقد عاصرت ما قبل انتشار الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي". ويضيف: "أتذكر أني كنت أذهب إلى المكتبة باستمرار لأبحث عن فنان وأحاول البحث عن مفرداته وأسلوبه أو شراء كتاب كامل من أجل لوحة واحدة موجودة بداخلة أو صفحة تتحدث في تاريخ الفن".
يتابع محدثنا: "الواقع أن استخدام الإنترنت أوجد فرصاً كثيرة للتعرّف على الفنانين ومنهم المعاصرين على المستوى الدولي. وقصر العديد من المسافات حيث جعل الفنانين يحدثون تقدماً دولياً عن طريق معرفة الكثير لهم من دول مختلفة في وقت قصير ما لم يكن يحدث في أي وقت آخر".
ويضيف: "هناك تطور تكنولوجي في طريقة العرض فمن الممكن أن تقوم قاعة العرض بعرض الأعمال وتصويرها بطريقة متحركة مما يتيح للمشاهد الدخول الافتراضي داخل قاعة العرض والتجول بين الأعمال المعروضة ومشاهدة التفاصيل كما يحدث في المتاحف الكبرى والمعابد في مصر".
بالنسبة إلى الريحاني نفسه كفنان عارض، يقول: "أفتقد الاحتكاك المباشر بالجمهور وهذه مشكلة يواجهها الفن التشكيلي بصفة عامة مع الوضع في الاعتبار جمهور الفن التشكيلي المحدود. في ظل العرض الافتراضي ينقص الفنان رد فعل الجمهور الذي يحتاج في بعض الأوقات بعض التوضيح لاستيعاب العمل".
يختم الريحاني حديثه إلى "العربي الجديد": "من الوارد التفكير في عمل معرض افتراضي مختلف في الشكل والتقنية يتيح للمشاهد الدخول الافتراضي داخل العمل. ولكن هذا لا يضاهي إحساس وجود الفنان داخل المعرض ووسط الجمهور".