أكان قدر وليم شكسبير الانتظار أزيد من قرن لينتبه الإنجليز إلى عبقريته في منتصف القرن الثامن عشر حينما أقام الكاتب الإنجليزي دافيد گاريك احتفالًا كبيرًا بأعماله في ستراتفورد عام 1769.
ما كان لفولتير أن يخون ذكاءه بالهجوم على الشاعر المسرحي الإنجليزي بسخرية لاذعة: "ما الذي يثيركم في هذا المهرج؟ يقينًا أنكم تجازفون في منحه أفضلية على كل ما أنجزناه من قبل في هذا المجال". ولولا المحاججة الضارية التي صده بها ديدرو الوفي لروح فكر التنوير، قائلًا: "كلا سيدي، رغم عيوبه، فإن هذا العملاقَ القوطيَ له ما له من السطوة والجلال ما يفرض الاحترام". وإمعانًا في إثراء فصول المواجهة، خص فولتير شكسبير بحيز مهم من "رسائل فلسفية"عام 1734 معززًا إياها بترجمة لمونولوغ "هاملت" في أبيات شعرية موزونة، وهي المسرحية نفسها التي لم يتردد فولتير بوصفها بالمسرحية الخشنة والشرسة، التي لن يستحملها أحقرُ رعاع فرنسا وإيطاليا. ذلك هو السجال الحاد الذي استبد بالنخبة في فرنسا الأنوار، وهي ترفض كاتبًا مسرحيًا أجنبيًا على لسان فولتير وتبجله تبجيلًا استثنائيًا على لسان ديدرو الذي ظل يبشر به كأنموذج للعبقرية الإنسانية.
اقــرأ أيضاً
ما شأن العالم والاحتفاء بشكسبير إن لم يكن من أجل الانتصار للقيم التي رسخها شعره؟ التي من أجلها انتصب فكره قامة شامخة لا تنال منها أعتى الحروب؟ ما شأن عالم يسبح في دماء الهمجية والتطرف والاحتفاء بشكسبير؟
أمن أجل انتصار فكر شكسبير نحتفي بشكسبير؟ أم باختصار - كما اعتبره خورخي لويس بورخيس - لأن شكسبير "كان ولا يزال قدري" أي قدرنا. شكسبير هذا الكاتب الذي لم يكن هناك في بيته، كما تظهر وصيته، كتاب واحد، حتى الكتاب المقدس، لكن ليس بوسع أحد أن ينكر الأعمال التي قرأها: تشوسر Chaucer، غاورGower، سبنسرSpenser، كريستوفر مارلوChristopher Marlowe، وغيرها. ولعل إعادة قراءة تلك المجلدات القديمة قد تكون الحافز الذي نبحث عنه من خلال قراءة خورخي لويس بورخيس وأمثاله من كتاب وشعراء معاصرين تمثلوا ذاكرة شكسبير.
تعرض شكسبير للتشكيك بوضعه الأدبي والرمزي، كما تمّ التشكيك بما كتبه، إذ ادعى مغرضون أن كل ما كتبه شكسبير يعود في الأصل إلى مترجم ولغوي إيطالي يدعى جون فلوريو.
اقــرأ أيضاً
وإذ كان المسرح الإنجليزي في عصر شكسبير مسرحًا إسبانيًا بامتياز، فقد انبرى العديد من النقاد لإشاعة أن شكسبير كتب مسرحية "هاملت" متأثرًا بسيرفانتيس، وما شخصية هاملت إلا ملمحًا مقتطعًا من دون كيشوت. صحيح أن شكسبير كان شاعرًا إنجليزيًا يكتب مسرحه بفكر إنساني تتنفس رئتاه رياحَ الاتجاهات الأربعة، لكن السؤال الذي ظل مستأثرًا بالأذهان إلى أن أضحى لغزًا: أسبق لوليام شكسبير أن التقى بميغيل دي سيرفانتيس حتى يتأثر به؟ ما من باحث أو مؤرخ أثبت هذا اللقاء، بالرغم من وجود وثائق تتحدث عن عروض مسرحية قدمتها فرقة شكسبير في بلد الوليد التي حلت بها البعثة الديبلوماسية الإنجليزية لزيارة الملك فيليبي الثالث سنة 1605 لحضور مراسيم تأدية القسم بخصوص اتفاقية السلام التي وقعتها إنجلترا وإسبانيا سنة من قبل.
وما من شك أن هاملت ليس هو دون كيشوت، لأن هاملت حسب البورتريه المختزل الذي وضعه له الكاتب الإسباني خافير سيركاس، أمير من عصر النهضة سجين بلاط قروسطي، وهنا مصدر مأساته، بينما دون كيشوت فارس قروسطي سجين عصر النهضة ومن هنا أيضًا، ينبع جزء مهم من تراجيديته.
شكسبير كتب تراجيدياته بروح ساخرة من القدر والكون، من جبروت القصور والكنائس، من الملوك وعطشهم للدماء. كتب ليمجد الفرد وليحرره من قداسة الفوقي والإرادات الغيبية التي تكبل حريته. "في هاملت يتعملق الفرد في مشكلاته إزاء السلطة وإزاء الكون" يخلص جبرا إبراهيم جبرا الذي يضيف "وفي الملك لير تتعملق السلطة و يتعملق الكون إزاء الفرد. لكن الفرد هو المحك الأخير لكل معنى".
اقــرأ أيضاً
لشكسبير مطلق الحداثة، تبدو السخرية لديه في منتهى جديتها، وليس هناك في الحياة جديةٌ أكثر جديةً من السخرية. نحتفي بشكسبير لأن عالمنا اليوم يحتفي بوحشيته، يحتفي بهمجية البشر على الإنسان وعلى الطبيعة. نحتفي بشكسبير لأن العالم يحتفي بمآسيه. ولعل خورخي لويس بورخيس الوريث الشرعي لذاكرة شكسبير أعلم بأن "أكثر اللحظات مأساوية لا تكفي لكي أصبح شكسبير".
نحتفي بشكسبير لأن "القرن العشرين - كما كتب ميلان كونديرا - لا يعفينا من ديوننا تجاه شكسبير".
ما شأن العالم والاحتفاء بشكسبير إن لم يكن من أجل الانتصار للقيم التي رسخها شعره؟ التي من أجلها انتصب فكره قامة شامخة لا تنال منها أعتى الحروب؟ ما شأن عالم يسبح في دماء الهمجية والتطرف والاحتفاء بشكسبير؟
أمن أجل انتصار فكر شكسبير نحتفي بشكسبير؟ أم باختصار - كما اعتبره خورخي لويس بورخيس - لأن شكسبير "كان ولا يزال قدري" أي قدرنا. شكسبير هذا الكاتب الذي لم يكن هناك في بيته، كما تظهر وصيته، كتاب واحد، حتى الكتاب المقدس، لكن ليس بوسع أحد أن ينكر الأعمال التي قرأها: تشوسر Chaucer، غاورGower، سبنسرSpenser، كريستوفر مارلوChristopher Marlowe، وغيرها. ولعل إعادة قراءة تلك المجلدات القديمة قد تكون الحافز الذي نبحث عنه من خلال قراءة خورخي لويس بورخيس وأمثاله من كتاب وشعراء معاصرين تمثلوا ذاكرة شكسبير.
تعرض شكسبير للتشكيك بوضعه الأدبي والرمزي، كما تمّ التشكيك بما كتبه، إذ ادعى مغرضون أن كل ما كتبه شكسبير يعود في الأصل إلى مترجم ولغوي إيطالي يدعى جون فلوريو.
وإذ كان المسرح الإنجليزي في عصر شكسبير مسرحًا إسبانيًا بامتياز، فقد انبرى العديد من النقاد لإشاعة أن شكسبير كتب مسرحية "هاملت" متأثرًا بسيرفانتيس، وما شخصية هاملت إلا ملمحًا مقتطعًا من دون كيشوت. صحيح أن شكسبير كان شاعرًا إنجليزيًا يكتب مسرحه بفكر إنساني تتنفس رئتاه رياحَ الاتجاهات الأربعة، لكن السؤال الذي ظل مستأثرًا بالأذهان إلى أن أضحى لغزًا: أسبق لوليام شكسبير أن التقى بميغيل دي سيرفانتيس حتى يتأثر به؟ ما من باحث أو مؤرخ أثبت هذا اللقاء، بالرغم من وجود وثائق تتحدث عن عروض مسرحية قدمتها فرقة شكسبير في بلد الوليد التي حلت بها البعثة الديبلوماسية الإنجليزية لزيارة الملك فيليبي الثالث سنة 1605 لحضور مراسيم تأدية القسم بخصوص اتفاقية السلام التي وقعتها إنجلترا وإسبانيا سنة من قبل.
وما من شك أن هاملت ليس هو دون كيشوت، لأن هاملت حسب البورتريه المختزل الذي وضعه له الكاتب الإسباني خافير سيركاس، أمير من عصر النهضة سجين بلاط قروسطي، وهنا مصدر مأساته، بينما دون كيشوت فارس قروسطي سجين عصر النهضة ومن هنا أيضًا، ينبع جزء مهم من تراجيديته.
شكسبير كتب تراجيدياته بروح ساخرة من القدر والكون، من جبروت القصور والكنائس، من الملوك وعطشهم للدماء. كتب ليمجد الفرد وليحرره من قداسة الفوقي والإرادات الغيبية التي تكبل حريته. "في هاملت يتعملق الفرد في مشكلاته إزاء السلطة وإزاء الكون" يخلص جبرا إبراهيم جبرا الذي يضيف "وفي الملك لير تتعملق السلطة و يتعملق الكون إزاء الفرد. لكن الفرد هو المحك الأخير لكل معنى".
لشكسبير مطلق الحداثة، تبدو السخرية لديه في منتهى جديتها، وليس هناك في الحياة جديةٌ أكثر جديةً من السخرية. نحتفي بشكسبير لأن عالمنا اليوم يحتفي بوحشيته، يحتفي بهمجية البشر على الإنسان وعلى الطبيعة. نحتفي بشكسبير لأن العالم يحتفي بمآسيه. ولعل خورخي لويس بورخيس الوريث الشرعي لذاكرة شكسبير أعلم بأن "أكثر اللحظات مأساوية لا تكفي لكي أصبح شكسبير".
نحتفي بشكسبير لأن "القرن العشرين - كما كتب ميلان كونديرا - لا يعفينا من ديوننا تجاه شكسبير".