تقول المعلمة "غداً جيبوا معاكم الكتاب تع القراءة".. بصعوبة يفهم الطفل السوري أكرم ما تقوله المعلمة في مدرسة البشير الإبراهيمي بحي الشراقة في العاصمة الجزائرية، فاللهجة الجزائرية خليط بين العربية والفرنسية والدارجة.
يحتاج أكرم، كما عديد الأطفال السوريين، إلى بعض الوقت للتعود على اللهجة الجزائرية ومسايرة البرنامج التربوي في المدارس، بعدما سمحت الحكومة الجزائرية لأطفال اللاجئين السوريين بالتسجيل في المدارس الحكومية، وخصصت لهم مكتباً خاصاً للإشراف على تسهيل التحاقهم بالمدارس الوطنية الجزائرية، بعد أن أصدر الرئيس، عبد العزيز بوتفليقة، تعليمات إلى الحكومة لتسهيل إقامة اللاجئين السوريين، وإدخال أطفالهم المدارس.
شيئاً فشيئاً، بدأ أكرم ورفاقه من الأطفال السوريين بالتأقلم مع الوضع المعيشي والمدرسي في الجزائر، اعتادت معلمتهم على التعامل معهم بشكل خاص لتسهيل اندماجهم مع زملائهم من الجزائريين، الذين يسألونهم عن باب الحارة والعقيد أبو شهاب ومعتز وغيرهم من أبطال مسلسل باب الحارة الذي علقت أسماء أبطاله بأذهان الجزائريين.
وفقاً لإحصاءات وزارة الداخلية الجزائرية يوجد 12 ألف لاجئ سوري في البلاد، وبالنسبة للحكومة الجزائرية - ورغم بعض المخاوف الأمنية - فإن احتضان اللاجئين السوريين هو أكثر من واجب لرد جميل سورية التي احتضنت الأمير عبد القادر الجزائري، بعد نفيه من قبل الاستعمار الفرنسي، وكذلك من أجل رد جميل السوريين في دعم ثورة التحرير الجزائرية، واحتضان الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، في منفاه السياسي الاختياري بعد وفاة الرئيس هواري بومدين، كما يقول مسؤول جزائري لـ"العربي الجديد".
وبحسب فاروق قسنطيني، رئيس اللجنة الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان (هيئة تابعة للرئاسة الجزائرية)، فإن الجزائر مددت الفترة القانونية لتواجد السوريين في الجزائر لتصبح أكثر من ثلاثة أشهر، وهو ما مكنهم من الاستقرار في البلاد.
إمكانية الاستقرار في الجزائر دون خوف أو مساءلة من الجهات الأمنية كانت الدافع الرئيس لدى عائلة نافع، التي جاءت إلى الجزائر وسكنت في بلدية بوزريعة بأعالي العاصمة، مع عدد من العائلات السورية التي لجأت للجزائر هرباً من الحرب، واحتضن أبناء البلدية العائلات السورية وأسكنوهم معهم. قاسموهم أفراحهم، حتى أنهم أهدوهم أضحية أنستهم ألم الغربة وصنعت لدى أطفالهم السعادة، في العيد الماضي .
الوجه الآخر
"وضعنا المعيشي ليس كما يجب، نعاني الفقر والبطالة " تقول الشابة فاطمة لـ"العربي الجديد". اعتادت فاطمة التسوّل في محطة وقود على الطريق السيار بمدينة العلمة شرقي الجزائر، مع ابنها الصغير، تطلب من المحسنين مساعدتها بما يمكن، لدفع إيجار البيت الذي استأجرته في مدينة العلمة التجارية.
تقول فاطمة "زوجي أصيب في الحرب الدائرة بسورية، اضطُررنا إلى العبور إلى لبنان والوصول إلى العاصمة بيروت، وهناك تكرم محسن بشراء تذاكر سفر إلى الجزائر، التي لا تفرض التأشيرة على السوريين. لكن فاطمة لم تجد في الجزائر -مع مشكلات البلد المتفاقمة في مجالات السكن والبطالة- ما يروق لها في الحياة هناك.
دفعت ظروف كهذه بعدد من اللاجئين السوريين إلى السعي لعبور الحدود الجزائرية في اتجاهين، أحدهما باتجاه الحدود البرية المغلقة مع المغرب لدخول الأراضي المغربية، والوصول إلى سواحل المملكة، والإنطلاق منها إلى السواحل الإسبانية القريبة، لكن حرس الحدود الجزائري كثيراً ما رد اللاجئين السوريين ومنعهم من العبور إلى داخل المغرب. وفي شهر يونيو/حزيران الماضي، علقت عائلات سورية على الحدود بين الجزائر والمغرب، بعدما نجحت في التسلل من التراب الجزائري، لكن حرس الحدود المغربية ردّها، ومنعها من الدخول إلى المغرب، لتجد نفسها عالقة على الشريط الحدودي العازل، غير أن موجة هجرة أخرى للاجئين السوريين من الجزائر، بدأت في الفترة الأخيرة تتجه إلى الحدود الليبية المتوترة، إذ يسعى اللاجئون السوريون في الجزائر للوصول إلى مدن الساحل الليبي، للإبحار منها في قوارب الهجرة السرية إلى السواحل الإيطالية، وخلال الشهر الماضي أوقفت السلطات الجزائرية 200 لاجئ سوري كانوا يحاولون عبور الحدود البرية الجزائرية إلى ليبيا، كما أكد مصدر في حرس الحدود لـ"العربي الجديد".
لاجئون ميسورون
الوضع كله ليس مأساوياً، ففي الجزائر لاجئون من فئة "في آي بي"، جلهم ممن نجحوا في نقل مبالغ مالية معهم إلى الجزائر. حالة محمد الحلبي، والذي ترك مدينته حلب، قبل سنة من قدوم هؤلاء، إذ افتتح الحلبي ورشة خياطة بالعاصمة، لتبدأ قصة نجاح سورية في الجزائر، بعد إنشاء الحلبي ورشة لخياطة العباءات السورية، باسم "قرص الأمراء" في حي باش جراح في الضاحية الشرقية للعاصمة الجزائرية.
يقول محمد لـ"العربي الجديد": "استقطبت عدداً من الشباب السوريين الذين وصلوا إلى الجزائر ممن يتقنون فن الخياطة، حتى صرت من أهم الممولين لأسواق العاصمة الجزائرية وحاجياتها من الجبب والعباءات السورية والحجاب".
يبدو محمد فرحاً بنجاحه، وممتناً للجزائر شعباً وحكومة على استقبالهم وتعاونهم وعدم مضايقتهم، رغم عدم استيفائه لكافة الشروط القانونية المطلوبة في فتح وتشغيل ورشات الخياطة، لكن فرحته محبوسة في عيونه التي تخفي الكثير من الحزن عما آلت إليه الأوضاع في سورية، والألم من مشاهد الموت والدمار في حمص وحلب ودرعا وغيرها، يقول محمد "لا يمكن لأي سوري أن يشعر بالفرحة وفي كل بيت قتيل وجريح".
غير بعيد عن منطقة باش جراح، في منطقة بئر خادم في الضاحية الجنوبية للعاصمة الجزائرية، فتح رامي مطعماً للأكلات السورية، قدم رامي من مدينة حمص منذ سنتين، وتعود على اللهجة الجزائرية، يقول رامي "أحب الجزائريون الأكلات السورية، نجحنا هنا ولا نشعر بغربة مثلما حدث في بلاد عربية أخرى".