الرجبي كان على احتكاك مع إسرائيليين خلال عمله، في منطقة "كريات جات" جنوبي تل أبيب، وهي واحدة من المناطق التي تبيّن وجود مصابين بفيروس كورونا فيها كما يقول لـ"العربي الجديد"، ورغم ذلك فإنه مرّ عبر الحاجز يوم الخميس الماضي مع آلاف العمال، ولم يجد أي إجراء وقائي أو اهتمام من الطرف الفلسطيني أو الإسرائيلي، على أي مستوى.
الثغرة الأخطر
انتقل فيروس كورونا المستجد إلى الضفة الغربية عبر مسارين: الأول، السياحة وتحديدا من خلال وفد الحجاج اليوناني، الذي زار مدينة بيت لحم. والثاني، وهو الأخطر، عبر الحركة بين دولة الاحتلال والضفة الغربية، خاصة أن آلاف العمال يتنقلون عبر الحواجز الإسرائيلية، وعمليا فإن دولة الاحتلال هي الساحة الأخطر في المعادلة في ظل تفشي الفيروس بين سكانها بشكل متسارع وكبير، وفق ما يؤكده الدكتور عدوان البرغوثي، نائب رئيس اتحاد المستشفيات الخاصة والأهلية.
"هذه الثغرة يجب أن تغلق بالكامل" كما يشدد البرغوثي في إفادته لـ"العربي الجديد"، نظرا لأن حماية العمال وعائلاتهم والمجتمع الفلسطيني ككل من انتشار فيروس كورونا تعتمد على هذا الأمر.
ويتفق الناطق باسم الحكومة الفلسطينية إبراهيم ملحم مع الدكتور البرغوثي على أن حركة العمال الفلسطينيين تشكل ثغرة في إجراءات منع انتشار فيروس كورونا، "لكنه يؤكد في المقابل على أن السلطة الفلسطينية تقوم بالتنسيق الكامل مع دولة الاحتلال الإسرائيلي لسد هذه الثغرة، من منطلق إدراكها للثغرات الموجودة في جدار الوقاية الوطنية في مواجهة انتشار فيروس كورونا".
وفي حين يرى ملحم في مقابلة مع "العربي الجديد" أن دولة الاحتلال يجب أن تتكفل بهذه العمالة بصفتها المستفيد الأكبر منها، يعتقد الدكتور البرغوثي أن "ملف العمال الفلسطينيين بالأساس سياسي وليس طبيا بحتا، وهو أحد الملفات الكبيرة والحساسة، ويجب أن تكون الإجراءات من طرف الحكومة الفلسطينية، وأن تتخذ إجراءات سياسية للحفاظ على حياة العمال الفلسطينيين من جهة، وألا يكونوا مصدرا لنقل الوباء للمجتمع الفلسطيني من جهة أخرى، ولكن من المهم تعويضهم لكي يتمكنوا من توفير احتياجاتهم واحتياجات عائلاتهم الأساسية".
عائدون من مناطق موبوءة
أعلنت شرطة الاحتلال الإسرائيلي في 18 مارس/آذار، عن منع التجول في موديعين، التي تعد ثالث أكثر مدينة يوجد فيها محجورون من دولة الاحتلال إذ وصل العدد حتى 22 مارس، إلى 3392 شخصاً وفق إحصائيات وزارة الصحة الإسرائيلية.
ولا يزال مئات العمال الفلسطينيين من قرى جنوب غرب رام الله يعملون في المدينة، ويؤكد ثلاثة منهم فضلوا عدم الكشف عن أسمائهم، وعادوا من هناك يوم الخميس 19 مارس، أنه رغم انتشار خبر تحويل آلاف الإسرائيليين إلى الحجر في موديعين، إلا أن أحدا لم يتواصل معهم عند عودتهم إلى قراهم. كما أن مشغليهم الإسرائيليين غير مكترثين لوضعهم الصحي، فمعظمهم يبيت في منطقة جبلية بدون أدنى مقومات الحياة.
ويخالط الفلسطينيون ممن يحملون تصاريح عمل أو ممن دخلوا عبر مسارات التهريب، إسرائيليين خلال وجودهم في موديعين، ولدى عودتهم يخالطون آلافاً آخرين من العائدين، الذين يعملون في مناطق مختلفة في الداخل المحتل، وخاصة من يعودون عبر حاجز بيت سيرا، المخصص لدخول العمال ممن يحملون تصاريح عمل، وفق ما يقوله إسلام أبو الأمير الذي يعمل في مجال البناء ويقطن في قرية بيت سيرا قضاء رام الله لـ"العربي الجديد".
ومع ذلك، فإنه لا يوجد أي إرشادات صحية خاصة بالعمال، كما أن إمكانية الحفاظ على نظافتهم الشخصية خلال العمل مستحيلة، بحسب أبو الأمير، والذي أشار إلى أن نسبة قليلة اختارت التوقف عن العمل خوفا من الإصابة بفيروس كورونا، رغم الوضع المادي الصعب، الذي يمرون به، فيما يضطر آخرون للعمل لأنه لا يوجد لديهم أي بديل حقيقي يوفر احتياجاتهم الأساسية.
وأوضح أبو الأمير، الذي يعمل في شركة "زلبرمان" للبناء، أن أحد مشغليه خضع للفحص الطبي للاشتباه بإصابته بفيروس كورونا وحاليا في الحجر الصحي، وأن بعض العمال كان يعمل في منطقة "كايزر" في موديعين، وهي المنطقة، التي أدى ظهور كورونا فيها إلى حظر شرطة الاحتلال الإسرائيلي التجول في المدينة، وقد عاد هؤلاء إلى بيوتهم ولم يخضعوا لفحوصات من قبل الطواقم الطبية الإسرائيلية أو الفلسطينية.
عجز الحكومة الفلسطينية
يرى المدير العام للتخطيط الاستراتيجي في المجلس التشريعي الفلسطيني هيثم دراغمة أن الحكومة الفلسطينية غير قادرة على تعويض العمال أو توفير الحد الأدنى من البدائل لهم، وبالتالي فإنها تجاهلت المخاطر الناجمة عن استمرار وجودهم في دولة الاحتلال في ظل تفشي فيروس كورونا. مؤكدا أن العامل الفلسطيني هو الحلقة الأضعف في المعادلة.
"الموضوع بالنسبة للسلطة الفلسطينية اقتصادي مالي، فهي باتت محرجة أمام العامل، كونها لا تستطيع توفير أي بديل معيشي له، وبالتالي فإنه يجب أن تكون هناك استراتيجية وخطة سريعة من أجل سد هذه الثغرة، وقد يكون من خلال الدول العربية والمؤسسات الدولية لتعويض العمال، خاصة أننا نتحدث عن وباء عالمي" كما يقول الخبير الاقتصادي دراغمة، موضحا أن "قلة الإمكانيات والموارد المالية لدى السلطة الفلسطينية هو ما جعلها تتأخر في علاج هذه الثغرة. في المقابل، فإن دولة الاحتلال تريد تحقيق مصلحتها من خلال العامل الفلسطيني، دون أي اهتمام بتوفير مقومات الحياة له خلال عمله أو مبيته".
مبيت على الأرصفة
تسلمت الأجهزة الأمنية والصحية الفلسطينية من قوات الاحتلال في 22 مارس، عاملا على حاجز بيت سيرا جنوب غربي رام الله، بعد الاشتباه بإصابته بفيروس كورونا وفق ما كشفه لــ"العربي الجديد" مصدر أمني فلسطيني، فضل عدم الكشف عن اسمه.
واتخذت الحكومة الفلسطينية جملة من القرارات في مواجهة تفشي فيروس كورونا، كان آخرها الإعلان عن منع التجول في المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية الصادر في 21 مارس. أما في ما يتعلق بالعمال في ظل أزمة فيروس كورونا، فقد أعلن رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية في 17 مارس، بأن على العمال "ترتيب أمورهم للمبيت في أماكن عملهم بالتنسيق مع مشغليهم" لأنه سيتم منع التنقل بين الأراضي الفلسطينية والداخل بعد انتهاء المهلة الممنوحة وهي ثلاثة أيام من صدور التصريح.
ولكن هذا القرار، بحاجة لمتابعة من قبل الحكومة، لأن بعض العمال أصبح مضطرا للمبيت في الشوارع، وفق ما يقوله الرجبي، الذي أكد أنه صادف عمالا اضطروا للنوم على الأرصفة في منطقة كريات جات. وهو الأمر ذاته الذي أشار إليه كذلك العامل في مجال البناء معروف بكر، والذي يعمل في مدينة حيفا، قائلا لـ"العربي الجديد": "هناك مئات العمال ينامون على أرصفة الشوارع، لأنهم مضطرون للبقاء في الداخل بسبب إغلاق الحواجز، وفي نفس الوقت لم يتم توفير مسكن لهم، وترفض شرطة الاحتلال التعامل معهم، حتى لا يكونوا مصدرا لانتقال فيروس كورونا".
وبينما رفض مدير صحة جنوب الخليل الدكتور عفيف العطاونة والذي يعد أحد المرشحين من قبل وزارة الصحة للحديث عن "الأمور الصحية المتعلقة بفيروس كورونا"، الرد على سؤال حول الإجراءات التي تتخذها وزارة الصحة بخصوص حركة العمال عبر الحواجز الإسرائيلية، مؤكدا أن التصريح في قضية الإجراءات الصحية الخاصة بالعمال والحركة على الحواجز من اختصاص المتحدث باسم الحكومة الفلسطينية فقط، أكد الناطق باسم الحكومة الفلسطينية ملحم أن هناك متابعة من قبل الحكومة لهذا الأمر، وأن لجنة إسرائيلية فلسطينية شكلت لمتابعة أوضاع العمال، بعد القرار، الذي صدر بضرورة مبيتهم في الداخل المحتل لمدة شهر أو شهرين حسب الضرورة. مضيفا: "من مهام اللجنة أيضا متابعة توفير أماكن مناسبة لمبيت العمال".
وتكشف مقاطع مصورة حصل عليها "العربي الجديد" دخول عمال فلسطينيين من ممرات ترابية تقع جنوب محافظة الخليل ولا تخضع للرقابة من قبل جيش الاحتلال، وهو يعني أن حركة العمال من وإلى دولة الاحتلال ممكنة في أي وقت من خلال هذه الممرات، وبالتالي فإن قرار الإغلاق الكامل عاجز نسبيا عن وقف هذه الحركة.
ويرى الدكتور البرغوثي أنه يجب التفكير في قرار منح العمال الفلسطينيين إمكانية المبيت لشهرين في الداخل المحتل، لأن هؤلاء العمال سيعودون بعد شهرين، من دولة موبوءة بالفيروس، ويجب أن يخضع هؤلاء للفحوصات والحجر المنزلي، لأنه لا يعلم أحد من سيعود مصابا بالفيروس، والحديث هنا عن آلاف العمال".
ووصل عدد المصابين بفيروس كورونا في دولة الاحتلال، إلى 1238 إصابة حتى تاريخ 23 مارس، وتعد تل أبيب والقدس وموديعين من أكثر المدن، التي سجلت فيها إصابات، وفق البيانات التي نشرتها وزارة الصحة الإسرائيلية
الحاجة لحل جذري
تجمع قطاعات من الشعب الفلسطيني على فعالية الإجراءات، التي اتخذتها السلطة الفلسطينية في ما يتعلق بمحاولة منع انتشار فيروس كورونا. لكن قضية العمال الفلسطينيين، الذين يصل عددهم إلى 150 ألف عامل، وينظر إليهم في زمن كورونا كـ"قنبلة فيروسية موقوتة"، تظل الثغرة الأهم في هذه الإجراءات. و"يبقى استمرارهم في العمل مصلحة مزدوجة بالنسبة للسلطة الفلسطينية ودولة الاحتلال، فمن جهة ينقذ هؤلاء قطاعات مهمة من الانهيار، كالبناء والزراعة، ومن جهة أخرى يدخل من خلالهم للاقتصاد الفلسطيني مئات ملايين الدولارات شهريا". كما يوضح الخبير دراغمة.
وتكشف تحذيرات الجهات الأمنية الإسرائيلية من العواقب الأمنية لمبيت العمال الفلسطينيين، عن إمكانية تراجع دولة الاحتلال عن السماح للعمال للمبيت في الداخل المحتل، وستجد الحكومة الفلسطينية نفسها في هذه الحالة، أمام خيارين أحلاهما مرّ، إما أن تسمح بحركة العمال عبر الحواجز بشكل يومي وما يترتب على ذلك من مخاطر صحية، أو أن تمنع دخول العمال في ظل عدم وجود خطة لتعويضهم، وهو ما يستوجب معالجة قضية العمال بشكل جذري في ظل أزمة كورونا، قبل أن تتفاقم الأزمة وتخرج الأمور عن السيطرة كما يؤكد الخبيران دراغمة والبرغوثي.