ويترأس يحزيقلي قسم الشؤون العربية في القناة العاشرة الإسرائيلية (تحول اسمها إلى القناة الرابعة عشرة) وولد لأبوين هاجرا من مدينة أربيل العراقية إلى كيان الاحتلال، والتحق بعد إنهائه الخدمة العسكرية الإلزامية بسنوات بـ "دورة" خاصة لتأهيل الضباط في جهاز المخابرات الإسرائيلية "الشاباك" تسمى دورة "الضابط المركز" كان من المفروض أن تؤهله لشغل وظيفة ضابط مسؤول عن جمع معلومات منطقة جغرافية محددة في الضفة الغربية أو غزة وتعد أدنى درجة في الهرم القيادي في الجهاز، معتمداً على معرفة باللغة العربية كونه لأبوين من أصول عراقية بالإضافة إلى معرفته بالدين الاسلامي وعلم الاجتماع، وفقاً لما وثقه معد المادة عبر مقطع مصور لـ يحزيقلي يعرف بنفسه في صفحته بالقناة.
وبعد عام من التدريب في دورة "الضابط المركز"، عجز يحزيقلي عن تخطي الامتحان النهائي بنجاح وجرى تحويله إلى وحدة حماية الشخصيات الهامة التابعة للجهاز ليقضي ستة أعوام من حياته في وظيفة حارس أمن في تلك الوحدة، الأمر الذي تسبب في عقدة عوضها يحزيقلي بتغيير مسيرته المهنية والعمل صحافياً بعدما تخصص بالدراسات الشرق أوسطية إثر تخرجه في قسم الدراسات الشرق أوسطية بالجامعة العبرية، بحسب مصدر في الجامعة العبرية زامل يحزيقلي.
شخصية منتحلة
يكرس تسفكيا يحزيقلي الجزء الأول من سلسلة أفلامه "شخصية منتحلة" للحديث عمّا سماه "خطة إقامة الخلافة العالمية في أوروبا التي ينفذها الإخوان المسلمون، جنود الشيخ يوسف القرضاوي"، ويعتمد يحزيقلي الذي بدأت القناة العاشرة العبرية في بث أفلامه في 30 يناير/كانون الثاني الماضي، على ما قاله، إنه تقرير استخباري فرنسي أعد لصالح الحكومة الفرنسية، غير أنه لم يوثق مصدر معلوماته ولم يقدم أية تفاصيل حول التقرير، ومتى صدر، كما لم يعرض أي اقتباس منه ضمن أول حلقتين من البرنامج الوثائقي.
واستخدم يحزيقلي تقنيات التصوير السري عبر كاميرا مخفية وأخرى على شكل نظارة تبث مباشرة وأجهزة تسجيل سرية، على الرغم من أنه لم يواجه أية مخاطر خلال المشاهد التي بثها من قبل المصادر العلنية التي قابلها، وهو ما يعد تناقضاً أساسياً لفكرة استخدام التصوير السري، والذي لجأ إليه حارس الأمن السابق للإيحاء بخطورة غير حقيقية وهو ما يعد نقيصة لمادته الفيلمية.
تناقض آخر يبدو في استعانة يحزيقلي بمن وصفه بـ"المصدر الاستخباري العربي" بعد وصوله إلى فرنسا من أجل أن يعرفه بالإخوان الذين "يتسمون بالشك والتحفظ وهو قادر على الاقتراب منهم"، وما أن يبدأ مصدر يحزيقلي الاستخباري العربي الحديث حتى يتبين أنه يجيد العبرية بمستوى اللغة الأم من حيث اللهجة، في مقابل جملتين قصيرتين بالعربية، تظهران أنه لا يجيدها بمستوى العبرية وبدلاً من أن يستمع يحزيقلي للشرح من مصدره يبدأ هو بتبيسط وشرح مصطلحات عربية لمن وصفه بمصدره الاستخباري العربي، مثل مصطلح الدعوة، الذي يضعف من مصداقية مصدره المزعوم وهو ما يمكن فهمه في سياق واقعة وثقها "العربي الجديد" عمد فيها يحزيقلي لإثبات ادعاءاته واستعراض قدراته الاستخبارية جرت في مارس/آذار من عام 2016، إذ طلب الصحافي الإسرائيلي من ناشط إعلامي فلسطيني تعرف عليه في نشاط تطبيعي، البحث عن شباب فلسطينين لإجراء مقابلة معهم لإثبات وجود جهات منظمة متخصصة بالتحريض على "إسرائيل" عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تعمل لإنتاج أجواء توتر تدفع الشبان لتنفيذ عمليات طعن بشكل منفرد ورشق بالحجارة، في مقابل المال، ورد الشاب الذي اكتفى بتعريف نفسه بـ"حسن" على العرض بأنه سيبحث، ولكن الخوف تملكه خشية أن يكون "يحزيقلي" يريد استغلاله لتنفيذ مهمة لصالح "الشاباك" (جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي)، وأخبر حـسن الصحافي يحزيقلي أنه يشك فيه وأنه لم يعثر على أحد وأن العثور على مثل هؤلاء مسألة يكتنفها الخطر وتتطلب وقتاً وجهداً، ما دعا يحزيقلي إلى مضاعفة المقابل المالي من 3 آلاف دولار لستة آلاف دولار أميركي، متنازلاً عن العثور على نشطاء حقيقيين عبر طرح فكرة إيجاد أي شخص يتم تلقينه نصاً أرسله الى حسن بـ"أنهم يعملون بشكل منظم ويتلقون دعماً مالياً من حماس".
حسن أكد لـ"العربي الجديد" أنه قرر أخذ نصف المبلغ مقدماً بحجة تأمين شقة لإجراء المقابلة فيها مع "اثنين من النشطاء الوهميين"، على أن يأخذ هو والشباب بقية أجرهم بعد التصوير مباشرة، واتخذت المحادثات بين الطرفين مسار الحديث دون مواربة حول أن الأمر عملية تمثيل تستغرق ساعة في إحدى الشقق داخل رام الله، تمهيداً للتصوير بعد أربعة أيام، وفي الموعد المحدد أبلغ حسن يحزيقلي أن القصة انتهت، فرد بالتهديد بالانتقام منه فأخبره أنه سجل المحادثات الهاتفية وأنه قد يبيعها لأي صحافي إسرائيلي، وانتهت القصة.
ووثق معد التحقيق حديث حسن عبر سماع محادثتين إحداهما يقول يحزيقلي فيها "إنه ليس ثمة مشكلة... أحضر أي شخص ونحفظه النص" بالإضافة إلى آخر مكالمة التي هدد فيها الطرفان بعضهما بعضاً.
تحريف الترجمة
يستهل يحزيقلي الجزء الأول والجزء الثاني من أفلامه، بنفس المشهد تصاحبه موسيقى تصويرية تثير التوتر، ويبدأ بمشهد مقطع فيديو للشيخ القرضاوي، أعاد تركيبه بحيث يظهر على شاشة عرض في الشارع بإحدى المدن الأوروبية المكتظة فيما تظهر على الناس ملامح الفزع بينما يقول الشيخ بالعربية "الإسلام سيعود الى أوروبا مرة أخرى، هل من الضرورة أن يكون الفتح بالحرب؟ ليس بالضرورة، هناك فتح سلمي، الإسلام سيفتح بدون حرب أو قتال عن طريق الدعوة والفكر"، ولكن الترجمة بالعبرية تأتي على نحو مختلف يصل درجة التحريف فيه إلى القول "الإسلام سيعود للسيطرة على أوروبا والغرب، هل من ضرورة الاحتلال أن يكون بالحرب؟ هناك احتلال هادئ، الإسلام سيحتل بدون حرب أو قتل"، ثم يعقب يحزيقلي على صور مسلمين ومسلمات يرتدين الحجاب في أحياء أوروبية بالقول "تحت السطح، في الغرب، عبر جهاد هادئ يجرى بناء الخلافة الدولية الإسلامية الهادفة لفرض قوانين الشريعة على العالم"، ويصاحب ذلك لقطات سريعة ومقطفات مأخذوة من مقابلات مع مسلمين عاديين يتوقعون انتشار الإسلام في أوروبا، فيما يستعرض الشريط صور محجبات وملتحين ويعلق يحزقلي على الصور بالقول "هولاء جنود القرضاوي ويسمون الإخوان المسلمين".
ويدلل يحزيقلي على صحة فرضيته الرئيسية التي يقيم عليها "تحقيقاته"، بأقوال حرف ترجمتها للشيخ يوسف القرضاوي، الذي يشبه اسمه اللزمة الموسيقية في "التحقيق"، إذ يصاحب كل المشاهد، مع أوصاف متجددة تصل ذروتها عندما يصفه بالشيخ الأكثر تأثيراً في الإسلام، وهو ما يصفه علاء الريماي الصحافي المتخصص بالشؤون الإسرائيلية، بمادة إعلانية دعائية موجهة بعيدة عن معايير العمل الصحافي المهنية، من أجل لصق الإرهاب بحركة الإخوان المسلمين.
وتابع الريماوي "الفيلم يهدف إلى شيطنة التواجد الإسلامي في القارة الأوروبية وخصوصاً فرنسا، بالزعم أن كل المؤسسات الإسلامية في أوروبا أنشأها "الإخوان المسلمون" ضمن مخطط سري للسيطرة على أوروبا بهدوء، وللبرهنة على صحة ادعاءاته لا يقدم يحزيقلي أي دليل من داخل الإخوان الذي يدعي أنه اخترقهم وإنما يستعين بـ يورم كوهين الرئيس السابق لجهاز "الشاباك" للتحذير من خطر الإخوان بحجة وجود علاقة فكرية تربطهم بتنظيم القاعدة وداعش، وهذا ينسجم مع المنهجية التي بنى عليها يحزيقلي تحقيقه الأمني أكثر منه صحافياً".
استعدادات خارقة
بعد مقدمة تشويقية تستغرق الدقيقة والنصف الأولى من فيلم يحزيقلي الأول، تمر الـ 14 دقيقة التالية من عمر الحلقة البالغ 42 دقيقة في استعراض قدراته وتصوير استعداداته "الخارقة" التي حصرها في تقمص شخصية مسلم وتعلم الوضوء والصلاة وطريقة الكلام، مقدماً نفسه باعتباره فلسطينياً يقيم في الأردن تمهيداً للوصول "الى أماكن لم يصلها أحد من قبله" كما قال، غير أن تلك الأماكن اقتصرت على الدخول الى مسجد لحضور صلاة الجمعة في أحد مساجد باريس ومقابلة إداريين في جمعية إسلامية مرخصة والذهاب الى مدرسة إسلامية لتسجيل أبنائه للدراسة فيها بعد انتحال صفة "شيخ" وترافقه "عميلة استخبارات فرنسية" بحسب زعمه وهناك يكتشف أن المدرسة الإسلامية تدرس تعاليم الإسلام وليس من بين طلبتها غير مسلمين، "وكأن المدارس اليهودية في باريس من بين طلبتها مسلمون أو غيرهم" بحسب تعليق الريماوي.
الحيز الزمني الطويل نسبياً الذي استغرقه عرض يحزيقلي، جرى تبريره بالقول "من أجل الكشف عن هذه القوة المستترة ليس بالإمكان العمل بوسائل صحافية عادية يتوجب عليّ تخطي الحدود، وانتحال شخصية شيخ مسلم"، ولكن ذلك التبرير يتهاوى بعد ذلك، فكل الأماكن التي دخلها بإمكان أي شخص عادي دخولها دون كل هذه المبالغات غير المبررة مهنياً، والأشخاص الذين التقاهم، بإمكان أي شخص عادي وليس حتى صحافياً إجراء مقابلات معهم، وهو ما يمكن فهمه عبر سيرة يحزقيلي المهنية كونه فشل في تحقيق حلمه بأن يعمل ضابطاً في الشاباك.
الجهاد الهادئ
في الجزء الثاني من "التحقيق، يزعم يحزيقلي أن الإخوان المسلمين يملكون ذراعاً تطارد كل من يكشف مخططاتهم في فرنسا مشيراً الى أن أكثر من خمسين صحافياً في فرنسا مطاردين من ذراع الإخوان، ويرافق يحزقلي صحافي فرنسي يدعى جان بو نيه، يدعي أنه هرب من بلاده، بعد أن طارده "الجهاد الهادئ" ثم يعود لينضم إلى يحزيقلي في جولات في شوارع باريس لا تسفر عن جديد، ولكنهما يتظاهران بالخوف من سيارة تسير خلفهما، وهنا يستدرك يحزيقلي على وقع موسيقى الخطر، قائلاً "لو لم نتخلص من السيارة التي تتعقبنا لكانت حياة بو نيه في خطر".
وأخفق يحزيقلي في الجزء الثاني بانتزاع أي معلومة في المقابلة الوحيدة التي لم تتجاوز عدة دقائق مع سامي دباح رئيس جمعية الائتلاف الفرنسي لمحاربة كراهية الإسلام (تعنى بمواجهة الإسلاموفوبيا) ويصل يحزيقلي لمنزل دباح ويستقلبه ولكن الحديث لا يسفر عن أي معلومة تدعم فرضية يحزيقلي بينما تقنيات الصوت والصورة والموسيقى توحي وكأن الصحافي اخترق معاقل تنظيم "القاعدة" في تورا بورا، وينتهز يحزيقلي، تلك المناسبة للقول "قطر تدعم حماس وكل التنظيمات التابعة للإخوان في أوروبا"، وبعدها يذهب يحزيقلي إلى مؤسسة اللجنة الخيرية لمناصرة فلسطين – فرنسا CBSP ،" ولكن نصيبه لا يتجاوز ما حققه من لقائه مع دباح، إذ قابل موظفاً في مكتبها في باريس لم يذكر اسمه وأصر يحزيقلي على ربط الجمعية بحماس خلال حديثه ولكن الموظف أكد أنها جمعية خيرية تساعد المحتاجين فقط في فلسطين والأردن ولبنان فيما زعم يحزيقلي أنها تساعد أسر "الانتحاريين" في قطاع غزة.
وعلى خلاف حملة الترويج الكبيرة التي سبقت بث الفيلم الأول، فإن الجزأين اللذين تم بثهما من السلسلة التي يبلغ عددها 5 حلقات من فرنسا وتركيا وألمانيا والولايات المتحدة الأميركية، لم تتضمن أي اختراق حقيقي للإسلاميين في فرنسا، بل إن إجمالي حديثه في الجزء الأول وهو يتقمص صفة شيخ يسمى "أبو حمزة"، يتحدث مع المدير التنفيذي لاتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا عبد الكبير قطبي، لم يتجاوز دقيقتين، ولم يتضمن حديث قطبي أي شيء يشير الى أنه من الإخوان، رغم أنه استخدم صورته في الإعلان الترويجي للإيحاء بأنه اخترق الإخوان وأنه سجل اجتماعاً سرياً وضمن سياق الفيلم اتهم يحزيقلي عبد الكبير بأنه من الإخوان وإن اتحاد المنظمات الإسلامية الذي يرأسه عمر الأصفر إمام وخطيب مسجد إيمان ورئيس مؤسسة ابن رشد أنشئ امتثالاً لتعليمات القرضاوي، ويعرض يحزيقلي فيديو قديماً يتحدث فيه الأصفر يقول يحزيقلي، إنه اجتماع لجلسة خاصة "يتحدثون فيها عن خطة السيطرة على فرنسا"، على الرغم من أن الفيديو تحدث فيه الأصفر عن وسائل التغيير داخل العالم العربي والإسلامي رافضاً أن يكون العنف من بينها"، ويمارس يحزيقلي الإيحاء بأنه حصل على "فيديو الجلسة الخاصة" بوسائل سرية ولكن تظهر لعدة ثوانٍ خلفية بيضاء غير مثيرة للانتباه توصل معد المادة بعد تحليل المشهد إلى أن مصدر الفيديو من يويتوب".
وبالرغم من رفض الأصفر للعنف، ينتزع يحزيقلي الحديث من سياقه ويفسره على أنه خطة للسيطرة على أوروبا، توصل إليها الصحافي يحزيقلي بالسير في شوارع الأحياء ذات الغالبية المسلمة في باريس ودخول مكتباتها لإثبات أن تلك المكتبات تبيع كتب القرضاوي وحسن البنا، كما يزور مدرسة بن باديس ليخلص الى أن الدولة الفرنسية تمولها والإخوان يسيطرون عليها، "وهو ما يعد ضعفاً مهنياً كبيراً إذ إن يحزيقلي عجز عن تقديم أي معلومة جديدة، أو التوصل لأي شيء محظور قد يدين الإخوان المسلمين أو يثبت انتماء الأشخاص الذين التقاهم إليها أو تبعية المؤسسات للحركة" بحسب الصحافي الريماوي والذي شاهد الحلقتين، متابعاً "لم يفلح يحزيقلي (أبو حمزة) في إثبات ادعاءاته، وما ظهر من التصوير هو أن المسلمين هناك في قمة الفهم لدورهم خاصة المسؤولين منهم ولم يقدم أي معلومة جديدة أو وثيقة حصرية وحتى المقابلات التي يجريها وهو متنكر تنفي صحة ادعاءاته، بينما حرف ترجمة مقاطع منشورة على يوتيوب وأوحى للمشاهد أنه حصل على بعضها بشكل حصري".