عندما خرج محمد العمري من حي هامشي وعشوائي في مدينة الدار البيضاء، العاصمة الاقتصادية للمغرب، قاصدا تفجير الأماكن التي يرتادها أجانب ويهود، في شهر مايو/أيار، من عام 2003، لم يكن يضع نصب عينيه سوى كونه يقوم بعمل يرضي الله ويدخله الجنة، بحسب اعتقاده.
يجسد العمري، والشباب الذين ارتكبوا أعمالا إرهابية ودامية، اهتزت لها المملكة قبل سنوات خلت، العلاقة المفترضة بين أحزمة الفقر بالأحياء المهمشة، وبين التطرف الديني، لكنهم قد لا يمثلون الحقيقة كلها، باعتبار أن هناك حالات لشباب من عائلات ثرية ولديهم وظائف مريحة وقعوا أيضا في براثن التشدد الديني.
اقرأ أيضا: صناعة النخب في المغرب: 6 طرق لدخول "المخزن"
قنابل موقوتة
أصبح حي سيدي مومن بالدار البيضاء أشهر من نار على علم، حتى أنه بات محط تصوير أفلام سينمائية، بالنظر إلى أن الشباب الذين هزوا المغرب في اليوم الدامي في 16 مايو/أيار 2003 انطلقوا من هذا الحي العشوائي والهامشي، والذي يتجاوز عدد سكانه 250 ألف شخص، أكثر من 80 في المائة منهم جاءوا نتيجة الهجرة من القرية إلى المدينة.
جل الانتحاريين الأربعة عشر، الذين توزعوا على 5 مجموعات، واستهدفوا بالتفجير فندق فرح، ومطعم دار اسبانيا، ومقبرة يهودية قديمة في الدار البيضاء، ما أسفر عن مقتل 45 شخصا، من بينهم 12 انتحاريا، ينحدرون من حي سيدي مومن الشهير، وتربطهم علاقات ألفة وجوار في هذا الحي العشوائي.
وفرخ هذا الحي المهمش عددا من الشباب المتطرف، من أشهرهم المدعو يوسف فكري الذي لم يُخْف تطرفه الفكري، واعترف بارتكابه جرائم إرهابية، كما أن هذا الحي العشوائي شهد انفجارا في مارس/آذار من عام 2007 في مقهى للإنترنت، و قُتل منفذ الهجوم خلال الانفجار.
وليس حي "سيدي مومن" وحده الذي ظهرت فيه وجوه متشددة دينيا، بل هناك أحياء أخرى تتسم بطابع التهميش، والافتقار إلى مرافق وفضاءات تتيح للشباب قضاء أوقات فراغه، ما يجعلهم أسهل استقطابا إلى الجماعات المتشددة التي تجد في أحزمة الفقر تربة خصبة لأفكارها ومعتقداتها.
مراد خلدوني (اسم مستعار)، شاب اعتقل بعد أحداث عام 2003، ينحدر من "دوار الحاجة" بضواحي الرباط، يقول لـ"العربي الجديد" إن هذا الحي يكاد يشبه سيدي مومن، من حيث زخم وكثرة الشباب المتشدد دينيا، مضيفا أنه عدل عن سابق أفكاره "الجهادية"، بعد مرحلة السجن التي قضاها، وهي أفكار يؤكد أنه نهلها من أصدقاء أظهروا له بأن الوصول إلى الجنة لا يكون إلا بالتخلص من المجتمعات الحديثة التي تناقض مجتمعه الفقير.
"دوار الحاجة"، والذي تم تغيير اسمه إلى حي الفرح، يعد أشهر الأحياء العشوائية في الرباط، وأيضا من أكثر الأحياء المنتجة للتطرف بشتى أنواعه، وساء تطرفا دينيا، أو تطرفا في السلوك والانحراف، من قبيل تفشي الجرائم والمخدرات، ومنه تم اعتقال العشرات من الشباب، بعضهم عرف طريق الحرية أخيرا، ومنهم من ينتظر دوره.
وفي مدينة سبتة المغربية، والتي تقع تحت السيادة الإسبانية، في شمال البلاد، يوجد حي شهير باسم "البرينسيبي"، وكان يدعى سابقا حي الأمير ألفونس، وهو حي عُرف بأنه ينتج متطرفين أغلبهم التحقوا بتنظيم الدولة "داعش"، كما يوجد في مدينة طنجة مثلا حي بني مكادة المهمش، والذي أفرز بدوره عددا من حالات التطرف الديني.
اقرأ أيضا: "التهمة كتاب 3".. أخطر 14 عنوانا في المغرب
تعويض نفسي
يحكي الشاب فريد أبو صهيب، لـ "العربي الجديد" كيف تشبع بالفكر الديني المتشدد انطلاقا من مخالطته لـ"إخوانه" الذين يقطنون جميعا أحد الأحياء الفقيرة بضاحية العاصمة الرباط، والمعروف بكونه يضم العديد من الشباب الذين ينسبون أنفسهم إلى ما يسميه البعض "السلفية الجهادية".
وأفاد أبو صهيب الذي ذاق العيش وراء جدران سجني مدينتي سلا والقنيطرة على خلفية قانون مكافحة الإرهاب، بأن البداية كانت في الحي القصديري "الصفيحي" الذي رأى النور فيه، قبل أن يترعرع ويشتد عوده وسط أجواء من الفقر والحرمان، مضيفا أنه كثيرا ما كان يكتم حقده على الطبقات الغنية التي تسرف في الفواحش" على حد قوله.
وتابع المتحدث بأنه كثيرا ما يبحث عن "تعويض نفسي" لما عاشه من فقر وحرمان، فضلا عن ظروف عيش غير لائقة وسط كوخ مبني من قصدير، حيث كانت الحياة أشبه بالجحيم وسط ثلاث من شقيقاته كان هو أكبرهم، فكان يبحث عن الخلاص الذي افتقده في الحياة، والذي لم يجده أيضا في الدراسة، باعتبار أنه انقطع عن التعليم في سنواته الأولى.
التعويض أو الخلاص وجده أبو صهيب، كما يلقب نفسه، في ثلة من "الإخوة" الذين ساندوه في محنته النفسية، والذين كانت تربطه بهم علاقات الجوار في نفس الحي الهامشي والعشوائي، حيث كان يجتمع بهم أكثر مما يجتمع بأفراد أسرته الصغيرة، وفق تعبيره، كما أنه منحهم كل ثقته، ويكمل المتحدث قصته مع "التطرف" بالتأكيد على أن هجمات 11 سبتمبر 2001 بصمت عقله وكيانه بطابع خاص، إذ كان يرى في أولئك الشباب الذين قيل إنهم فجروا مركز التجارة العالمي أبطالا قدموا أنفسهم قربانا لله بالتضحية من أجل إعلاء كلمته، مضيفا أنها أفكار غزته مع ثلة من الشباب حينها، قبل أن يعدل عن هذه المعتقدات، ويضرب صفحا عنها.
واستطرد بأن فكر الجهاد انبثق لديه داخل حيه الهامشي وهو يلتقي بإخوانه الذين كان يشاركهم الصلاة في بيت أحدهم، فتغلغلت لديه تلك الأفكار بشدة بعد هجمات 11 سبتمبر، إلى أن وجد نفسه يحضر دروسا دينية تقام في أحياء هامشية مجاورة، تدعو إلى الجهاد في سبيل الله، لكن سرعان ما تم اعتقاله رفقة زملائه في 2004، ليدخل غياهب السجن 7 سنوات، ثم تم الإفراج عنه بعد أن أكمل المدة.
اقرأ أيضا: المغرب.. 6 رجال يصنعون صورة "محمد السادس"
إنتاج التطرف
الشيخ أبو حفص رفيقي، أحد أشهر المعتقلين في ملف مكافحة الإرهاب إذ أدين بحكم بعشرين عاما، بتهمة "تشجيع التطرف الديني"، قبل أن ينال عفو الملك محمد السادس قبل سنوات قليلة، أكد في تصريحات لـ"العربي الجديد" أنه ليس ممن يحصر أسباب التطرف في العوامل الاجتماعية والاقتصادية، من قبيل انتشار الأحياء العشوائية والفقيرة، وذلك لأن هناك كثيرا من المرتاحين ماديا التحقوا بالتنظيمات المتطرفة".
وأفاد أبو حفص بأنه رغم ذلك لا يمكن أيضا إغفال عامل الفقر والحرمان الاجتماعي، والتقوقع في أحزمة الفقر المنتشرة بالمدن وضواحيها، واعتباره أحد الأسباب الرئيسة لإنتاج التطرف، فقلة ذات اليد وما يرافق ذلك من يأس، وإحباط، وانغلاق في الآفاق تجعل ذلك الشاب يمني نفسه بما وعد في الآخرة بعد أن رأى أنه قد ضيع دنياه".
وأضاف الناشط الإسلامي عاملا آخر هو الوعي المتدني الذي يمس كثيرا هذه الفئات، والذي يجعل بنيتها هشة قابلة للاستقطاب من أي جهة متطرفة، فضلا عن الإغراءات المادية التي تستقطب بها هذه التنظيمات هؤلاء الشباب، مما يجعلهم يرون في الالتحاق خلاصا دنيويا وأخرويا معا، وقد دلت التجارب أن المدمجين اجتماعيا من أقل الناس التحاقا بالتطرف، خاصة في الدول الإسلامية.
اقرأ أيضا: بالفيديو.. 10 نهايات تراجيدية لسياسيين وجنرالات في المغرب
قلاع خلفية
ومن جهته عزا محمد بوشيخي، الباحث الحاصل على الدكتوراه من مدرسة الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية بالعاصمة الفرنسية باريس، في حديث لـ"العربي الجديد"، دوافع التطرف الديني إلى ثلاثة عوامل أساسية: العامل الإيديولوجي حيث يسعى المعني بالأمر تحت سطوة الخطاب الديني المتشدد إلى السعي نحو إقامة المجتمع الإسلامي الذي يجسد معاني التوحيد والدولة الإسلامية التي تطبق الشريعة.
العامل الثاني مادي، يضيف بوشيخي، متمثلا في صعوبة الظروف المعيشية، واليأس والإحباط، ما يغذي التطرف والميول العنيفة، ثم العامل الأخير الذي أخذ يلتفت إليه بعض علماء الاجتماع في المجتمعات الغربية، ويتمثل في الهوس الشبابي الذي يقوم على روح المغامرة، حيث يكون الدافع للتطرف هو "التأكيد على الشخصية".
وأكد الخبير أن الفقر ومشاعر الحرمان التي تتواجد غالبا في الأحياء الهامشية والمناطق الفقيرة، تولد لدى الشخص الرغبة في الانتقام وتهيئه في الوقت نفسه لتقبل التعبيرات الدينية المبشرة بالخلاص، فتكون النتيجة ارتهانه لأنماط من السلوك مندفعة للعنف وحساسة لتوظيف التبريرات الشرعية له.
وأردف المتخصص في علم الاجتماع السياسي أن هذه التبريرات يوفرها الخطاب السلفي الجهادي، الذي يتخذ من أحزمة الفقر بالمدن وضواحيها خاصة، قلاعا خلفية له بخلاف الحركات الإسلامية التقليدية التي كانت تنتعش أساسا في أوساط الطبقة الوسطى في المغرب" على حد تعبيره.
وسجل المحلل ذاته أن السلطة في المغرب تأخذ بعين الاعتبار العاملين الإيديولوجي والمادي في مقاربتها لظاهرة التطرف؛ الأيديولوجي من خلال إطلاق عملية إصلاح الحقل الديني، وفتح نوافذ فكرية مع التيار السلفي، والعامل المادي من خلال إطلاق "المبادرة الملكية للتنمية البشرية" منذ 2005.
ولاحظ بوشيخي أن مردودية المبادرة الملكية للتنمية البشرية، ومؤشرات التنمية المعلن عنها رسميا لا تنعكس على مستوى المناطق المهمشة بالبلاد، وهو ما أكده الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش لهذه السنة، وإعلانه إطلاق "المخطط الاستراتيجي" بتدبير من وزارة الداخلية لمعالجة الاختلالات الحاصلة في المناطق المتضررة.
يجسد العمري، والشباب الذين ارتكبوا أعمالا إرهابية ودامية، اهتزت لها المملكة قبل سنوات خلت، العلاقة المفترضة بين أحزمة الفقر بالأحياء المهمشة، وبين التطرف الديني، لكنهم قد لا يمثلون الحقيقة كلها، باعتبار أن هناك حالات لشباب من عائلات ثرية ولديهم وظائف مريحة وقعوا أيضا في براثن التشدد الديني.
اقرأ أيضا: صناعة النخب في المغرب: 6 طرق لدخول "المخزن"
قنابل موقوتة
أصبح حي سيدي مومن بالدار البيضاء أشهر من نار على علم، حتى أنه بات محط تصوير أفلام سينمائية، بالنظر إلى أن الشباب الذين هزوا المغرب في اليوم الدامي في 16 مايو/أيار 2003 انطلقوا من هذا الحي العشوائي والهامشي، والذي يتجاوز عدد سكانه 250 ألف شخص، أكثر من 80 في المائة منهم جاءوا نتيجة الهجرة من القرية إلى المدينة.
جل الانتحاريين الأربعة عشر، الذين توزعوا على 5 مجموعات، واستهدفوا بالتفجير فندق فرح، ومطعم دار اسبانيا، ومقبرة يهودية قديمة في الدار البيضاء، ما أسفر عن مقتل 45 شخصا، من بينهم 12 انتحاريا، ينحدرون من حي سيدي مومن الشهير، وتربطهم علاقات ألفة وجوار في هذا الحي العشوائي.
وفرخ هذا الحي المهمش عددا من الشباب المتطرف، من أشهرهم المدعو يوسف فكري الذي لم يُخْف تطرفه الفكري، واعترف بارتكابه جرائم إرهابية، كما أن هذا الحي العشوائي شهد انفجارا في مارس/آذار من عام 2007 في مقهى للإنترنت، و قُتل منفذ الهجوم خلال الانفجار.
وليس حي "سيدي مومن" وحده الذي ظهرت فيه وجوه متشددة دينيا، بل هناك أحياء أخرى تتسم بطابع التهميش، والافتقار إلى مرافق وفضاءات تتيح للشباب قضاء أوقات فراغه، ما يجعلهم أسهل استقطابا إلى الجماعات المتشددة التي تجد في أحزمة الفقر تربة خصبة لأفكارها ومعتقداتها.
مراد خلدوني (اسم مستعار)، شاب اعتقل بعد أحداث عام 2003، ينحدر من "دوار الحاجة" بضواحي الرباط، يقول لـ"العربي الجديد" إن هذا الحي يكاد يشبه سيدي مومن، من حيث زخم وكثرة الشباب المتشدد دينيا، مضيفا أنه عدل عن سابق أفكاره "الجهادية"، بعد مرحلة السجن التي قضاها، وهي أفكار يؤكد أنه نهلها من أصدقاء أظهروا له بأن الوصول إلى الجنة لا يكون إلا بالتخلص من المجتمعات الحديثة التي تناقض مجتمعه الفقير.
"دوار الحاجة"، والذي تم تغيير اسمه إلى حي الفرح، يعد أشهر الأحياء العشوائية في الرباط، وأيضا من أكثر الأحياء المنتجة للتطرف بشتى أنواعه، وساء تطرفا دينيا، أو تطرفا في السلوك والانحراف، من قبيل تفشي الجرائم والمخدرات، ومنه تم اعتقال العشرات من الشباب، بعضهم عرف طريق الحرية أخيرا، ومنهم من ينتظر دوره.
وفي مدينة سبتة المغربية، والتي تقع تحت السيادة الإسبانية، في شمال البلاد، يوجد حي شهير باسم "البرينسيبي"، وكان يدعى سابقا حي الأمير ألفونس، وهو حي عُرف بأنه ينتج متطرفين أغلبهم التحقوا بتنظيم الدولة "داعش"، كما يوجد في مدينة طنجة مثلا حي بني مكادة المهمش، والذي أفرز بدوره عددا من حالات التطرف الديني.
اقرأ أيضا: "التهمة كتاب 3".. أخطر 14 عنوانا في المغرب
تعويض نفسي
يحكي الشاب فريد أبو صهيب، لـ "العربي الجديد" كيف تشبع بالفكر الديني المتشدد انطلاقا من مخالطته لـ"إخوانه" الذين يقطنون جميعا أحد الأحياء الفقيرة بضاحية العاصمة الرباط، والمعروف بكونه يضم العديد من الشباب الذين ينسبون أنفسهم إلى ما يسميه البعض "السلفية الجهادية".
وتابع المتحدث بأنه كثيرا ما يبحث عن "تعويض نفسي" لما عاشه من فقر وحرمان، فضلا عن ظروف عيش غير لائقة وسط كوخ مبني من قصدير، حيث كانت الحياة أشبه بالجحيم وسط ثلاث من شقيقاته كان هو أكبرهم، فكان يبحث عن الخلاص الذي افتقده في الحياة، والذي لم يجده أيضا في الدراسة، باعتبار أنه انقطع عن التعليم في سنواته الأولى.
التعويض أو الخلاص وجده أبو صهيب، كما يلقب نفسه، في ثلة من "الإخوة" الذين ساندوه في محنته النفسية، والذين كانت تربطه بهم علاقات الجوار في نفس الحي الهامشي والعشوائي، حيث كان يجتمع بهم أكثر مما يجتمع بأفراد أسرته الصغيرة، وفق تعبيره، كما أنه منحهم كل ثقته، ويكمل المتحدث قصته مع "التطرف" بالتأكيد على أن هجمات 11 سبتمبر 2001 بصمت عقله وكيانه بطابع خاص، إذ كان يرى في أولئك الشباب الذين قيل إنهم فجروا مركز التجارة العالمي أبطالا قدموا أنفسهم قربانا لله بالتضحية من أجل إعلاء كلمته، مضيفا أنها أفكار غزته مع ثلة من الشباب حينها، قبل أن يعدل عن هذه المعتقدات، ويضرب صفحا عنها.
واستطرد بأن فكر الجهاد انبثق لديه داخل حيه الهامشي وهو يلتقي بإخوانه الذين كان يشاركهم الصلاة في بيت أحدهم، فتغلغلت لديه تلك الأفكار بشدة بعد هجمات 11 سبتمبر، إلى أن وجد نفسه يحضر دروسا دينية تقام في أحياء هامشية مجاورة، تدعو إلى الجهاد في سبيل الله، لكن سرعان ما تم اعتقاله رفقة زملائه في 2004، ليدخل غياهب السجن 7 سنوات، ثم تم الإفراج عنه بعد أن أكمل المدة.
اقرأ أيضا: المغرب.. 6 رجال يصنعون صورة "محمد السادس"
إنتاج التطرف
الشيخ أبو حفص رفيقي، أحد أشهر المعتقلين في ملف مكافحة الإرهاب إذ أدين بحكم بعشرين عاما، بتهمة "تشجيع التطرف الديني"، قبل أن ينال عفو الملك محمد السادس قبل سنوات قليلة، أكد في تصريحات لـ"العربي الجديد" أنه ليس ممن يحصر أسباب التطرف في العوامل الاجتماعية والاقتصادية، من قبيل انتشار الأحياء العشوائية والفقيرة، وذلك لأن هناك كثيرا من المرتاحين ماديا التحقوا بالتنظيمات المتطرفة".
وأفاد أبو حفص بأنه رغم ذلك لا يمكن أيضا إغفال عامل الفقر والحرمان الاجتماعي، والتقوقع في أحزمة الفقر المنتشرة بالمدن وضواحيها، واعتباره أحد الأسباب الرئيسة لإنتاج التطرف، فقلة ذات اليد وما يرافق ذلك من يأس، وإحباط، وانغلاق في الآفاق تجعل ذلك الشاب يمني نفسه بما وعد في الآخرة بعد أن رأى أنه قد ضيع دنياه".
وأضاف الناشط الإسلامي عاملا آخر هو الوعي المتدني الذي يمس كثيرا هذه الفئات، والذي يجعل بنيتها هشة قابلة للاستقطاب من أي جهة متطرفة، فضلا عن الإغراءات المادية التي تستقطب بها هذه التنظيمات هؤلاء الشباب، مما يجعلهم يرون في الالتحاق خلاصا دنيويا وأخرويا معا، وقد دلت التجارب أن المدمجين اجتماعيا من أقل الناس التحاقا بالتطرف، خاصة في الدول الإسلامية.
اقرأ أيضا: بالفيديو.. 10 نهايات تراجيدية لسياسيين وجنرالات في المغرب
قلاع خلفية
ومن جهته عزا محمد بوشيخي، الباحث الحاصل على الدكتوراه من مدرسة الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية بالعاصمة الفرنسية باريس، في حديث لـ"العربي الجديد"، دوافع التطرف الديني إلى ثلاثة عوامل أساسية: العامل الإيديولوجي حيث يسعى المعني بالأمر تحت سطوة الخطاب الديني المتشدد إلى السعي نحو إقامة المجتمع الإسلامي الذي يجسد معاني التوحيد والدولة الإسلامية التي تطبق الشريعة.
العامل الثاني مادي، يضيف بوشيخي، متمثلا في صعوبة الظروف المعيشية، واليأس والإحباط، ما يغذي التطرف والميول العنيفة، ثم العامل الأخير الذي أخذ يلتفت إليه بعض علماء الاجتماع في المجتمعات الغربية، ويتمثل في الهوس الشبابي الذي يقوم على روح المغامرة، حيث يكون الدافع للتطرف هو "التأكيد على الشخصية".
وأكد الخبير أن الفقر ومشاعر الحرمان التي تتواجد غالبا في الأحياء الهامشية والمناطق الفقيرة، تولد لدى الشخص الرغبة في الانتقام وتهيئه في الوقت نفسه لتقبل التعبيرات الدينية المبشرة بالخلاص، فتكون النتيجة ارتهانه لأنماط من السلوك مندفعة للعنف وحساسة لتوظيف التبريرات الشرعية له.
وأردف المتخصص في علم الاجتماع السياسي أن هذه التبريرات يوفرها الخطاب السلفي الجهادي، الذي يتخذ من أحزمة الفقر بالمدن وضواحيها خاصة، قلاعا خلفية له بخلاف الحركات الإسلامية التقليدية التي كانت تنتعش أساسا في أوساط الطبقة الوسطى في المغرب" على حد تعبيره.
وسجل المحلل ذاته أن السلطة في المغرب تأخذ بعين الاعتبار العاملين الإيديولوجي والمادي في مقاربتها لظاهرة التطرف؛ الأيديولوجي من خلال إطلاق عملية إصلاح الحقل الديني، وفتح نوافذ فكرية مع التيار السلفي، والعامل المادي من خلال إطلاق "المبادرة الملكية للتنمية البشرية" منذ 2005.
ولاحظ بوشيخي أن مردودية المبادرة الملكية للتنمية البشرية، ومؤشرات التنمية المعلن عنها رسميا لا تنعكس على مستوى المناطق المهمشة بالبلاد، وهو ما أكده الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش لهذه السنة، وإعلانه إطلاق "المخطط الاستراتيجي" بتدبير من وزارة الداخلية لمعالجة الاختلالات الحاصلة في المناطق المتضررة.