عَقَدَ الستيني السوري أبو ياسر، ذراعيه وشدهما إلى صدره، بينما كان يراقب في أحد شوارع حي المزة الدمشقي، مرور سيارتي "بيك آب" تحملان أثاث منازل لأسرٍ أجبرت على المغادرة، "كل يومٍ تُجبرُ عائلات جديدة على الرحيل"، يقول أبو ياسر. متابعا "نحن أيضا سنطرد، النظام لم يتوقف عن تغيير ديمغرافية المدينة منذ أيام الأسد الأب".
تغيير ديمغرافي
تعود جذور قصة تهجير أهالي حي المزة (يقع جنوب غرب دمشق)، إلى سبتمبر/أيلول من العام 2012، إذ صدر مرسوم رئاسي يحمل رقم 66، ويقضي بهدم المنطقة، بحجة إنشاء منطقة تنظيمية حديثة.
ويعتبر المِزة أهم أحياء دمشق، لجهة موقعه الاستراتيجي الهام كمدخلٍ للعاصمة من الجهة الجنوبية الغربية، كما يحوي عشرات الوزارات والجامعات والأفرع الأمنية والسفارات الدبلوماسية وبعض القصور الرئاسية، وكان النظام قد استهدفه بحسب نشطاء، من أهالي المنطقة، بعدة "مراسيم استملاك أراض منذ سبعينيات القرن الماضي" ما أدى إلى انحسار سكانه المحليين، إلى ما يقارب ثُمن مساحته الأصلية فقط التي تتجاوز خمسة عشر كيلومتراً مربعاً، وجاء المرسوم 66 سنة 2012 ليقضي على آخر مكانٍ يتواجد به السكان الأصليون.
ويُعد الحي من المناطق المناهضة للنظام السوري، إذ شهد كما يقول الناشط الإعلامي الدمشقي علاء الزيبق، "عشرات التظاهرات الاحتجاجية المطالبة بإسقاط الأسد، منذ مارس/آذار من العام 2011، كما "خرجت فيه يوم الثامن عشر من فبراير/شباط من العام 2012، أكبر مظاهرة سُجلت داخل العاصمة دمشق، شارك فيها نحو خمسين ألف متظاهر، ونتيجة لذلك، وقعت في بساتين المزة (المنطقة المستهدفة بالتهجير) أكبر مجزرة في يومٍ واحد داخل دمشق، إذ اقتحم الجيش والأمن السوري المنطقة في الثاني والعشرين من يوليو/تموز 2012، وأعدموا ميدانيا نحو 25 شاباً من السكان".
يتابع الناشط حديثه لـ "العربي الجديد" قائلا:" يدّعي النظام أن بساتين المزة منطقة عشوائية، غير منظمة، لكنها في الحقيقة تحوي نسيجا اجتماعيا متماسكا، كون سكانها جميعهم أقرباء لبعض، ومعظمهم معارضون للنظام، وهي منطقة حيوية للغاية لتداخل أراضيها مع بساتين داريا شرقاً، ومع أوتوستراد المزة غرباً، وتبعد أقل من كيلومترين عن ساحة الأمويين وسط دمشق شمالاً، وبأقل من ذلك عن مطار المزة العسكري جنوباً".
كل هذه الأسباب بحسب الناشط الإعلامي "تدفع النظام لتهجير الأهالي"، ويضيف قائلاً: "لو كان النظام صادقاً في اعتزامه إنشاء منطقة إسكانية حضارية، لكان الأولى به هدم منطقة (المزة 86) التي تعتبر أسوأ عشوائيات دمشق، لكنه لا يفعل لأن سكانها الغرباء عن دمشق، موالون للنظام ويحملون السلاح دفاعاً عنه".
وتقع عشوائيات "المزة 86" على سفوح جبلٍ كان يسمى "أبو غنيم"، يطل على أجزاء كبيرة من العاصمة السورية، وكان يوجد فيه، ورشاتٌ تسمى محلياً بـ "المَكاسِر"(تقوم بتكسير صخور الجبل لتصبح مواد إسمنتية تستخدم للبناء) لكن رفعت الأسد (شقيق الرئيس السوري السابق)، والذي كان قائداً لما يُعرف بـ "سرايا الدفاع" (تم حلها لاحقا) طرد أصحاب تلك الأراضي نهاية السبعينيات، ووضع في المكان المرتفع لواءً عسكرياً يحمل رقم"86" ثم انسحب هذا التشكيل من المنطقة، فأنشأ ضباطه وصف ضباطه بتسهيلات من الحكومة حينها، منازل سكنية عشوائية تضخمت مئات المرات في السنوات التالية، حتى بات عدد سكانها يقارب "ربع مليون نسمة" (ينحدر معظمهم من ريفي اللاذقية وحمص)، بحسب ما ذكر مختارُ المنطقة العشوائية، في تصريحٍ صحافي لشبكة "دويتشه فيله" الألمانية.
وبهذا يكون النظام السوري، قد استطاع من خلال تشجيع البناء في عشوائيات "المزة 86"، ومن ثم هدم بيوت "شرقي المزة" هذه الأيام، القضاء تماماً على أي نسيج اجتماعي معارض له في الحي، فيما أوجد نسيجاً بديلاً مؤيداً لسياساته، وأصبح المكون الجديد خزاناً بشرياً للمليشيات التي تُعرف بمليشيا "الدفاع الوطني".
اقرأ أيضا: إمبراطورية آل مخلوف المالية..أسرار علاقة خال بشار الأسد بإسرائيل
خارطة عشوائيات الأسد
إذا كان حي المزة الذي يتم تغيير ديمغرافيته حالياً، هو أحدث قصص تهشيم المكون الاجتماعي في دمشق، فإن النظام الحاكم لسورية منذ 45 سنة، عَمِلَ على تغيير البنية السكانية بهذه المدينة منذ عقود، تحت حجج مختلفة.
وكمثال آخر على ذلك (فضلاً عن حي المِزة) استغل النظام في عام 1975، جريمة قتلٍ وقعت في حي برزة (شمالي دمشق) عندما "أقدم ضابط في الجيش على قتل أربعة أشخاص من برزة نتيجة خلافٍ وقع في مقهى، فاحتج الأهالي وقاموا بإغلاق مداخل الحي، وفي حين تم حل القضية بعد تطويق الجيش للمنطقة، فإن النظام شعر بضرورة وجود جسم اجتماعي مؤيد له في برزة"، بحسب أبو العز الدمشقي الناشط الإعلامي بـ "تنسيقية حي برزة".
ويضيف الدمشقي لـ "العربي الجديد" أنه: "من حينها بدأ توافد عائلات مقربة من النظام تنحدر من الساحل، حيث منحهم حافظ الأسد منطقة مرتفعة كانت تسمى إبراهيم الخيل (نسبة إلى الضريح الموجود هناك)، فقاموا بإنشاء عشوائيات أصبحت لاحقاً تُدعى عش الورور، وتحولت مع بدء الثورة لتجمعات بشرية مسلحة، تأتي لمناطقنا وتطلق النار على المظاهرات المعارضة للأسد"؛ وبهذا زرع النظام جسماً اجتماعياً غريباً داخل برزة التي تحوي مجتمعاً محلياً متماسكاً إلى حد ما.
في محيط دمشق أيضاً ما يُعرف بـ "جبل الرز"، وهي عشوائيات كانت تحوي أقلية كُردية (هاجر معظمهم الآن لخارج البلاد أو لمناطقهم الأصلية)، إلى جانب أغلبية من الأسر التي قدمت من الساحل السوري في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.
كما يُذكر في هذا الصدد الحي الشرقي لمعضمية الشام، وهي عشوائيات أنشئت منذ نحو 40 سنة، وتضخمت بشكل كبير لاحقاً، لتصبح فاصلاً بشرياً يحمي الجهة الشرقية لمطار المزة العسكري، في حين تحمي واجهته الغربية مساكن مشابهة تسمى "السومرية"، ويسكن كلا التجمعين عائلات من مؤيدي النظام، بعد أن استملكت الحكومة في السابق هذه الأراضي ونزعتها ملكيتها من أصحابها الأصليين.
اقرأ أيضا: الهروب من الحلم الأميركي.. سوريون يتمنّون رفض طلبات لجوئهم
ثكنات عسكرية
تُعتبر العشوائيات التي مهد لها النظام بقوانين الاستملاك، ومن ثم هيأ كل السُبل لمؤيديه كي يستوطنوا بها، ثكنات عسكرية. ويقول المحلل الاستراتيجي أحمد رحال لـ "العربي الجديد" إن "النظام ومنذ السبعينيات خطط لتغيير ديمغرافية المدن، وخاصة اللاذقية وحمص ودمشق" فـ "اللاذقية منذ العام 1979 لم يكن فيها سوى حي واحد من الموالين لحافظ الأسد؛ وهو الرمل الشمالي، لكنه عمل بشكل منظم منذ بداية الثمانينيات على إنشاء كانتونات مؤيدة له على أطراف المدينة التي بات أهلها الأصليون غرباء فيها الآن".
ويضيف رحال، أن "سياسية التغيير الديمغرافي طاولت كذلك مدينة حمص بشكل كبير، سوى أن التغيير الأخطر والأكبر كان في دمشق، حيث خلق النظام مساكن وعشوائيات، ووزعها بشكل محكم على مداخل المدينة الرئيسية وفي المناطق المرتفعة، وكل عشوائيات دمشق الموالية للنظام تتوزع في مناطق استراتيجية من الناحية العسكرية والأمنية".
اقرأ أيضا: بالصور سوريون خارج القيد..آلاف العائلات بلا وثائق في تركيا
تركيبة دمشق
لفتت ما عرفت بـ "أحداث الثمانينيات" (تمرد الطليعة المقاتلة على حُكم حافظ الأسد والذي تطور لصدامٍ مسلح بين النظام و "الطليعة" في مدينة حماه خصوصاً) أنظار النظام لأهمية إحداث تغييرات ديمغرافية داخل المدن، وهو مخطط عُمل عليه منذ وقت سابق لذلك، لكن تنفيذه آخذ بالتسارع نتيجة لتطورات الثورة السورية، ما غيّر ديمغرافية العاصمة السورية.
وفي حين تقول "الموسوعة العربية العالمية" (تتألف من ثلاثين مجلداً شارك بوضعها عشرات الباحثين والمحررين وصدرت نسختها المنقحة عن مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع سنة 1999 بالرياض) إن الغالبية العُظمى من سكان دمشق تاريخياً هي من المسلمين الذي يشكلون 93% من السكان، كما أن فيها أعداداً من المسيحيِّين أغلبهم من الروم الأرثوذكس الإنطاكيين والروم الملكيين الكاثوليك، وأعدادا ضئيلة من اليهود (هاجروا لاحقاً)، فإن فيليب الخوري يفند نِسبَ هذه المكونات في كتابه "سوريا والانتداب الفرنسي - سياسة القومية العربية" الصادر سنة 1997، حيث يذكر أن المسلمين السُنة كانوا يشكلون سنة 1945 نحو 83% من سكان دمشق، والمسيحيين نحو 11% والدروز 2.5 واليهود 2.2، بينما لم يكن مجموع الشيعة والعلويين يتجاوز 0.8% من مجموع عدد السكان.
لكن الوضع الحالي لدمشق وبدءاً منذ منتصف السبعينيات، شهد تغيراً كبيراً وممنهجاً لتلك التركيبة، بفعل إحداث عشوائيات ومساكن، أدخلت مئات الآلاف من الطائفة العلوية (التي ينتمي لها الرئيس السوري)، على المكون الأصلي للسكان.
وفي حين لا يمكن تقدير أعداد المكون الاجتماعي الجديد حالياً بشكل دقيق في دمشق، فإن عشوائيات "المزة 86" وحدها قد يصل سكانها لنحو ربع مليون نسمة، وأقل من ذلك في منطقة "عش الورور"، فضلاً عن عشرات الآلاف في ضاحية حرستا(تسمى كذلك بضاحية الأسد) ومناطق جبل الرز ومساكن العرين والسومرية وغيرها، ما زاد من هذه الأعداد التي كانت نسبتها أقل من 0.5% تاريخياً، لتصبح نسبتها الآن نحو 10% من مجموع السكان الكلي، الذين يبلغ نحو خمسة ملايين نسمة، وفق إحصاءٍ تم إجراؤه عام 2010.
تغيير ديمغرافي
تعود جذور قصة تهجير أهالي حي المزة (يقع جنوب غرب دمشق)، إلى سبتمبر/أيلول من العام 2012، إذ صدر مرسوم رئاسي يحمل رقم 66، ويقضي بهدم المنطقة، بحجة إنشاء منطقة تنظيمية حديثة.
ويعتبر المِزة أهم أحياء دمشق، لجهة موقعه الاستراتيجي الهام كمدخلٍ للعاصمة من الجهة الجنوبية الغربية، كما يحوي عشرات الوزارات والجامعات والأفرع الأمنية والسفارات الدبلوماسية وبعض القصور الرئاسية، وكان النظام قد استهدفه بحسب نشطاء، من أهالي المنطقة، بعدة "مراسيم استملاك أراض منذ سبعينيات القرن الماضي" ما أدى إلى انحسار سكانه المحليين، إلى ما يقارب ثُمن مساحته الأصلية فقط التي تتجاوز خمسة عشر كيلومتراً مربعاً، وجاء المرسوم 66 سنة 2012 ليقضي على آخر مكانٍ يتواجد به السكان الأصليون.
يتابع الناشط حديثه لـ "العربي الجديد" قائلا:" يدّعي النظام أن بساتين المزة منطقة عشوائية، غير منظمة، لكنها في الحقيقة تحوي نسيجا اجتماعيا متماسكا، كون سكانها جميعهم أقرباء لبعض، ومعظمهم معارضون للنظام، وهي منطقة حيوية للغاية لتداخل أراضيها مع بساتين داريا شرقاً، ومع أوتوستراد المزة غرباً، وتبعد أقل من كيلومترين عن ساحة الأمويين وسط دمشق شمالاً، وبأقل من ذلك عن مطار المزة العسكري جنوباً".
كل هذه الأسباب بحسب الناشط الإعلامي "تدفع النظام لتهجير الأهالي"، ويضيف قائلاً: "لو كان النظام صادقاً في اعتزامه إنشاء منطقة إسكانية حضارية، لكان الأولى به هدم منطقة (المزة 86) التي تعتبر أسوأ عشوائيات دمشق، لكنه لا يفعل لأن سكانها الغرباء عن دمشق، موالون للنظام ويحملون السلاح دفاعاً عنه".
وتقع عشوائيات "المزة 86" على سفوح جبلٍ كان يسمى "أبو غنيم"، يطل على أجزاء كبيرة من العاصمة السورية، وكان يوجد فيه، ورشاتٌ تسمى محلياً بـ "المَكاسِر"(تقوم بتكسير صخور الجبل لتصبح مواد إسمنتية تستخدم للبناء) لكن رفعت الأسد (شقيق الرئيس السوري السابق)، والذي كان قائداً لما يُعرف بـ "سرايا الدفاع" (تم حلها لاحقا) طرد أصحاب تلك الأراضي نهاية السبعينيات، ووضع في المكان المرتفع لواءً عسكرياً يحمل رقم"86" ثم انسحب هذا التشكيل من المنطقة، فأنشأ ضباطه وصف ضباطه بتسهيلات من الحكومة حينها، منازل سكنية عشوائية تضخمت مئات المرات في السنوات التالية، حتى بات عدد سكانها يقارب "ربع مليون نسمة" (ينحدر معظمهم من ريفي اللاذقية وحمص)، بحسب ما ذكر مختارُ المنطقة العشوائية، في تصريحٍ صحافي لشبكة "دويتشه فيله" الألمانية.
وبهذا يكون النظام السوري، قد استطاع من خلال تشجيع البناء في عشوائيات "المزة 86"، ومن ثم هدم بيوت "شرقي المزة" هذه الأيام، القضاء تماماً على أي نسيج اجتماعي معارض له في الحي، فيما أوجد نسيجاً بديلاً مؤيداً لسياساته، وأصبح المكون الجديد خزاناً بشرياً للمليشيات التي تُعرف بمليشيا "الدفاع الوطني".
اقرأ أيضا: إمبراطورية آل مخلوف المالية..أسرار علاقة خال بشار الأسد بإسرائيل
خارطة عشوائيات الأسد
إذا كان حي المزة الذي يتم تغيير ديمغرافيته حالياً، هو أحدث قصص تهشيم المكون الاجتماعي في دمشق، فإن النظام الحاكم لسورية منذ 45 سنة، عَمِلَ على تغيير البنية السكانية بهذه المدينة منذ عقود، تحت حجج مختلفة.
وكمثال آخر على ذلك (فضلاً عن حي المِزة) استغل النظام في عام 1975، جريمة قتلٍ وقعت في حي برزة (شمالي دمشق) عندما "أقدم ضابط في الجيش على قتل أربعة أشخاص من برزة نتيجة خلافٍ وقع في مقهى، فاحتج الأهالي وقاموا بإغلاق مداخل الحي، وفي حين تم حل القضية بعد تطويق الجيش للمنطقة، فإن النظام شعر بضرورة وجود جسم اجتماعي مؤيد له في برزة"، بحسب أبو العز الدمشقي الناشط الإعلامي بـ "تنسيقية حي برزة".
في محيط دمشق أيضاً ما يُعرف بـ "جبل الرز"، وهي عشوائيات كانت تحوي أقلية كُردية (هاجر معظمهم الآن لخارج البلاد أو لمناطقهم الأصلية)، إلى جانب أغلبية من الأسر التي قدمت من الساحل السوري في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.
كما يُذكر في هذا الصدد الحي الشرقي لمعضمية الشام، وهي عشوائيات أنشئت منذ نحو 40 سنة، وتضخمت بشكل كبير لاحقاً، لتصبح فاصلاً بشرياً يحمي الجهة الشرقية لمطار المزة العسكري، في حين تحمي واجهته الغربية مساكن مشابهة تسمى "السومرية"، ويسكن كلا التجمعين عائلات من مؤيدي النظام، بعد أن استملكت الحكومة في السابق هذه الأراضي ونزعتها ملكيتها من أصحابها الأصليين.
اقرأ أيضا: الهروب من الحلم الأميركي.. سوريون يتمنّون رفض طلبات لجوئهم
ثكنات عسكرية
تُعتبر العشوائيات التي مهد لها النظام بقوانين الاستملاك، ومن ثم هيأ كل السُبل لمؤيديه كي يستوطنوا بها، ثكنات عسكرية. ويقول المحلل الاستراتيجي أحمد رحال لـ "العربي الجديد" إن "النظام ومنذ السبعينيات خطط لتغيير ديمغرافية المدن، وخاصة اللاذقية وحمص ودمشق" فـ "اللاذقية منذ العام 1979 لم يكن فيها سوى حي واحد من الموالين لحافظ الأسد؛ وهو الرمل الشمالي، لكنه عمل بشكل منظم منذ بداية الثمانينيات على إنشاء كانتونات مؤيدة له على أطراف المدينة التي بات أهلها الأصليون غرباء فيها الآن".
ويضيف رحال، أن "سياسية التغيير الديمغرافي طاولت كذلك مدينة حمص بشكل كبير، سوى أن التغيير الأخطر والأكبر كان في دمشق، حيث خلق النظام مساكن وعشوائيات، ووزعها بشكل محكم على مداخل المدينة الرئيسية وفي المناطق المرتفعة، وكل عشوائيات دمشق الموالية للنظام تتوزع في مناطق استراتيجية من الناحية العسكرية والأمنية".
اقرأ أيضا: بالصور سوريون خارج القيد..آلاف العائلات بلا وثائق في تركيا
تركيبة دمشق
لفتت ما عرفت بـ "أحداث الثمانينيات" (تمرد الطليعة المقاتلة على حُكم حافظ الأسد والذي تطور لصدامٍ مسلح بين النظام و "الطليعة" في مدينة حماه خصوصاً) أنظار النظام لأهمية إحداث تغييرات ديمغرافية داخل المدن، وهو مخطط عُمل عليه منذ وقت سابق لذلك، لكن تنفيذه آخذ بالتسارع نتيجة لتطورات الثورة السورية، ما غيّر ديمغرافية العاصمة السورية.
وفي حين تقول "الموسوعة العربية العالمية" (تتألف من ثلاثين مجلداً شارك بوضعها عشرات الباحثين والمحررين وصدرت نسختها المنقحة عن مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع سنة 1999 بالرياض) إن الغالبية العُظمى من سكان دمشق تاريخياً هي من المسلمين الذي يشكلون 93% من السكان، كما أن فيها أعداداً من المسيحيِّين أغلبهم من الروم الأرثوذكس الإنطاكيين والروم الملكيين الكاثوليك، وأعدادا ضئيلة من اليهود (هاجروا لاحقاً)، فإن فيليب الخوري يفند نِسبَ هذه المكونات في كتابه "سوريا والانتداب الفرنسي - سياسة القومية العربية" الصادر سنة 1997، حيث يذكر أن المسلمين السُنة كانوا يشكلون سنة 1945 نحو 83% من سكان دمشق، والمسيحيين نحو 11% والدروز 2.5 واليهود 2.2، بينما لم يكن مجموع الشيعة والعلويين يتجاوز 0.8% من مجموع عدد السكان.
لكن الوضع الحالي لدمشق وبدءاً منذ منتصف السبعينيات، شهد تغيراً كبيراً وممنهجاً لتلك التركيبة، بفعل إحداث عشوائيات ومساكن، أدخلت مئات الآلاف من الطائفة العلوية (التي ينتمي لها الرئيس السوري)، على المكون الأصلي للسكان.
وفي حين لا يمكن تقدير أعداد المكون الاجتماعي الجديد حالياً بشكل دقيق في دمشق، فإن عشوائيات "المزة 86" وحدها قد يصل سكانها لنحو ربع مليون نسمة، وأقل من ذلك في منطقة "عش الورور"، فضلاً عن عشرات الآلاف في ضاحية حرستا(تسمى كذلك بضاحية الأسد) ومناطق جبل الرز ومساكن العرين والسومرية وغيرها، ما زاد من هذه الأعداد التي كانت نسبتها أقل من 0.5% تاريخياً، لتصبح نسبتها الآن نحو 10% من مجموع السكان الكلي، الذين يبلغ نحو خمسة ملايين نسمة، وفق إحصاءٍ تم إجراؤه عام 2010.