"كان نفسي لما أكبر أشتغل خبير استراتيجي، لكن أهلي ضغطوا عليا عشان أكمل تعليمي" مقولة ساخرة أطلقها الكاتب المصري جلال عامر، تصف بدقة الوضع القائم في مصر بعد تزايد ظاهرة إطلاق التصريحات الغريبة والمثيرة للدهشة على يد من يطلق عليهم الإعلام المصري "الخبير" الإستراتيجي العسكري.
رحل عامر بسخريته، لكن بقيت "مساخر" بعض الخبراء الذين يجمعهم لقب "لواء" جلهم من مؤيدي نظام 30 يونيو. "العربي الجديد" يرصد أغرب عشرة تصريحات للخبراء العسكريين والاستراتيجيين ويبحث الظاهرة ويحللها.
بخيت في المقدمة
في صدارة قائمة أغرب التصريحات يأتي اللواء حمدي بخيت الذي قال خلال لقائه في برنامج نظرة على قناة صدى البلد المملوكة لرجل الأعمال محمد أبو العنين:" لدي معلومات ومقاطع فيديو حول طائرات أجنبية تلقي غازاً ساماً على مصر". يضيف بخيت خلال الحلقة التي أذيعت الجمعة 14 نوفمبر أريد أن أنبه المسؤولين أن مصر مستهدفة من كل الجهات تشن عليها حرباً بيولوجية، وهناك طائرات تترك وراءها أثراً من الدخان اسمه غاز الكمتريل وده مدمر للبيئة وللجو وللتربة وللإنسان". بعدما قاطعة المذيع حمدي رزق بالقول:" لدينا سلاح جوي يمنع مرور نملة"، رد عليه بخيت"أنا بقول أهو نحن نحتاج لمراجعة المجال الجوي المصري من تلك الطائرات".
تصريحات بخيت تطرقت في فبراير/ شباط الماضي إلى جهاز علاج فيروس سي والمعروف إعلاميا بـ"جهاز عبد العاطي للكفته" إذ ادعى "أن شركات الأدوية تتآمر على الاكتشاف الطبي للقوات المسلحة".
ودافع بخيت أيضا في برنامج "نظرة" على قناة صدى البلد المؤيدة لـ" 30 يونيو" عن "الاكتشاف" قائلا :"هناك مؤامرة على جهاز القوات المسلحة داخليا وخارجيا من قبل شركات الأدوية المستغلة". ولم يكتفِ اللواء بخيت بالدفاع عن جهاز الذي لم يثبت فاعليته ولم يرَ النور لكنه تحدث في شهر إبريل/ نيسان الماضي في برنامج استديو التحرير على قناة التحرير المؤيدة لنظام 30 يونيو عن وجود اختراعات وأجهزة في طريقها إلى النور من بينها اختراع جديد اسمه "فري انرجي" يتم وضعة في المبنى لتصل له الكهرباء دون فاتورة بالإضافة إلى اختراع مادة تستخرج الخرسانة من الأشجار، رافضا الكشف عما تبقى في جعبته من اختراعات.
حسن البنا سيردم قناة السويس
التصريحات الغريبة للخبراء العسكريين المصريين لا تتوقف على لواءات او ضباط سابقين عاديين بل وصلت إلى قادة سابقين في الجيش المصري من بينهم الخبير العسكري اللواء عبد المنعم سعيد، قائد الجيش الثاني الميداني الأسبق، ومحافظ شمال سيناء الأسبق، إذ قال سعيد خلال ندوة نظمها حزب شباب بيحب مصر -تحت التأسيس- في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري إن حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين اقترح ردم قناة السويس. وكان ذلك وفقا لسعيد في مقر الإخوان المسلمين عندما سأل البنا أنصاره ما سبب وجود الإنجليز فى مصر؟ حماية قناة السويس فاقترح البنا ردم قناة السويس.
سويلم يدعو لقتل المصريين
تعد حالة اللواء سويلم علامة على تطور الخبراء العسكريين في مصر من تخوين معارضي النظام إلى المطالبة بقتل معارضي السيسي، وتعد تصريحات اللواء حسام سويلم الخبير العسكري والاستراتيجي -كما يسميه الإعلام المصري- على قناة النيل للأخبار دليلا على الأمر إذ قال:"حتى لو كان فيه ناس أبرياء وهيضروا مش مهم، المهم مواجهة الفتنه". ووجه سويلم أسئلة للسيسي قائلا:" خايف من إيه حقوق الإنسان؟ حرية الرأي؟ الديمقراطية؟ الكونجرس هيعملي إيه؟ ما ينحرقوا بجاز، هما بيأكلونا ولا بيشربونا".
"هنيمك" من المغرب يا حماس
يتوعد اللواء محمود خلف المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية والخبير العسكري والاستراتيجي قيادات حركة المقاومة الإسلامية حماس في تصريحات نقلها عنه موقع الكتروني بالقول "والله لننيمكم من المغرب ونجرجركم في المحاكم " تعليقا على مجزرة كرم القواديس التي اتهم خلف حماس بالوقوف وراءها.
أما اللواء سامح سيف اليزل والذي يعد أهم وأبرز الخبراء العسكريين والاستراتيجيين الذين يستدعيهم الإعلام المصري في عديد المناسبات فله العديد من التصريحات الغريبة منها على سبيل المثال اتهامه لجماعة الإخوان المسلمين بالوقوف وراء مذبحة ماسبيرو التي راح ضحيتها نحو 26 ناشطا قبطيا في أكتوبر/ تشرين الأول 2011 إثر مصادمات عنيفة بينهم وبين قوات الجيش.
اليزل قال خلال حواره مع الإعلامى جمال عنايت فى برنامج "أيام فارقة"، على قناة التحرير:" إن قائد السيارة المصفحة التى دهست شهداء ماسبيرو، عضو فى جماعة الإخوان، وكان يرتدي "تى شيرت أحمر، وشبشب، وبنطلون جينز". وهو ما يعد دليلا من وجهة نظره على صحة حديثه.
أفران هتلر وكاطو
بسبب تصريحاتهما الصحفية دخل كل من اللواء عبدالمنعم كاطو مستشار إدارة الشؤون المعنوية بالقوات المسلحة والعميد السابق بالمخابرات ثروت جودة في أزمات قانونية.
كان اللواء كاطو قد طالب في تصريحات لجريدة الشروق بحرق متظاهري أحداث مجلس الوزراء في ديسمبر/ كانون الأول 2011 في أفران كأفران هتلر وهو ما أدى إلى صدور حكم ضده بدفع غرامة قدرها 10 آلاف جنيه، والتعويض المدني المؤقت بقيمة 10 آلاف جنيه ، بسبب تصريحاته التي وصفت بـ"المحرضة على العنف والكراهية" ضد المتظاهرين حيث تم سبهم وقذفهم والتحريض على حرقهم.
أما العميد ثروت جودة والذي كان يعرف نفسه كلواء ووكيل سابق في المخابرات العامة فصدر ضده حكم من المحكمة العسكرية بمعاقبته بالحبس لمدة عام وغرامة 500 جنيه بناء على بلاغ من جهاز المخابرات العامة يتهمه بإفشاء أسرار تخص الأمن القومي وأخرى تخص نظام العمل بالجهاز بعد أن صرح لجريدة الوطن المصرية " أن جهاز المخابرات لم يعطِ الرئيس السابق محمد مرسي معلومة واحدة صحيحة عندما كان رئيساً للجمهورية".
لماذا؟!
يفسر اللواء محمد رشاد وكيل جهاز المخابرات الأسبق ظاهرة تصريحات العسكريين السابقين الغرائبية قائلا :" لا يوجد معرفة أو معلومات وهناك فرق كبير بين المعلومات الموثقة المعروفة التي يتبعها واقع ووقائع لتصل بالخبير للتحليل والفرضيات التي تدخل تحت إطار الرأي الشخصي".
يتابع الوكيل السابق للمخابرات في تصريحات لـ"العربي الجديد":" يجب أن يكون هناك سيطرة علي البعض ممن يظهرون في الإعلام للتحدث على اعتبار أنهم متحدثون باسم الجيش وعالمون ببواطن الأمر داخل القوات المسلحة وعلى المسؤولين منع ذلك خلال الفترة القادمة".
ويري رشاد أن وجود قنوات وجرائد كثيرة تسعى للمعلومات لا بد أن يقابل بمنح الصحافيين المعلومات قائلا "في حادث دمياط كان هناك العديد من المتحدثين والخبراء دون معلومات مما تسبب في حالة من التخبط فالقاعدة معروفة، المعلومات تعني الاستقرار وقلة المعلومات تسبب في الفوضى".
الإعلام صاحب مسؤولية
يحمل اللواء عادل سليمان، رئيس منتدى الحوار الاستراتيجي لدراسات الدفاع والعلاقات المدنية العسكرية، الإعلام "مرئياً ومسموعاً ومكتوباً" جزءاً كبيراً من إشكاليه ظهور شخصيات لا يعرف تاريخها وخبرتها والتي عادة ما تتسبب في الأزمات الكثيرة والتصريحات التي تكون عادة أقرب إلى سيناريوهات الخيال العلمي.
ويقول سليمان لـ"العربي الجديد":"هؤلاء لا يمثلون المؤسسة العسكرية لكنهم يعبرون عن وجهة نظر شخصية لهم"، ويفسر خروج تلك التصريحات من بعض المعروفين إعلاميا بالخبراء العسكريين ويقول :" السن والابتعاد عن الخدمة لفترات طويلة والمناصب التى كانوا يتقلدونها فترة خدمتهم فى القوات المسلحة سبب أزماتهم".