ببراءة طفولية، وخشية من دمعة تسقط سهواً تهزّ كبرياءها، لخصت فاطمة، الممسكة يافطة كتب عليها "سجون الظلم تحول بيني وبينك يا والدي"، معاناة العشرات من العائلات الأردنية التي تعاني فراق أحد أفرادها بسبب نشاطه السياسي.
جرحها يزداد يوماً بعد يوم، عندما تسترق السمع لحديث الكبار في عائلتها، بينما يتحدثون عما يعانيه أبوها داخل سجن الجويدة شرقي العاصمة عمان، من سوء معاملة وبرد قارس يجفف عظامه، على حد قول فاطمة.
التعذيب برداً
في عيني الحاجة أم حسام، يبدو القهر بارزاً، منذ أن اعتقل ابنها في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بتهمة الانضمام إلى تنظيم مسلح، تقول أم حسام لـ"العربي الجديد": "لم يكفهم اعتقاله في سجن الجويدة وحرماننا منه، بل تعدى الأمر إلى إساءة معاملته وتعذيبه في البرد، الذي لم يعد يرحم جسده".
وأضافت أن "حسام كاد يموت من البرد في سجن الجويدة، فقبيل أيام من العاصفة الثلجية الماضية، لم يسمحوا له سوى بلبس سروال داخلي وكنزة رقيقة، فما كان منه إلا التوسل، علّهم يقبلون بإعطائه ملابساً تدفئ جسده الذي يعاني من هجمة البرد الشديد، ليُقابل طلبه بالرفض".
ولفتت إلى معاناة حسام ورفاقه في الجويدة، من رائحة المهاجع النتنة، وشكواهم من تدفئةٍ يفيض ماؤها عليهم، هذا إن وجدتْ، إضافة إلى "طعام لا يصلح حتى للبهائم"، على حد تعبيرها.
وتكمل والدة حسام:"طلب حسام مني عدم إحضار ملابس وبطانيات مرةً أخرى إلى السجن، لأنهم أخبروه أن الفئران والرطوبة تملأ المكان المخصص للأمانات، وطلبت حينها من السجن إعطائي ما أحضرتُه لولدي سابقاً، رفضوا بحجة عدم وجود استدعاء مقدم من حسام، لتبقى البطانيات وملابس حسام في الغرفة تأكلها الفئران".
ختمت والدة حسام لقاءها مع "العربي الجديد" متسائلة: "هل هذا سجن أم زريبة حيوانات، وأين حقوق الإنسان في الأردن؟".
قصة معاناة أخرى تعيشها والدة المعتقلين أنس وأحمد، والتي لم تكتمل فرحتها بتحريرهما من المعتقلات الإسرائيلية، إذ كان سجن الجويدة بانتظار ولديها في الأردن. تقول أم أنس: "بعد خروجهما من زنازين المحتل، تم اعتقال ولديّ في الأردن بالجويدة، بتهمة مساعدة المقاومين". وأضافت: "لا أدري لمصلحة مَنْ أو لأجل من يسجن ولداي حتى اليوم؟".
وأوضحت قائلة "أتعجب من أن يُسجَن المصلحون، ويترك الفاسدون أحرارا، وأستغرب مما يلاقيه أنس وأحمد من معاملة، فقد نقلوهما من دائرة المخابرات إلى سجن الجويدة بالملابس الداخلية، بعد تجريدهما من ثيابهما، عدا عن اشتراط السجن ألواناً وتصاميم معينة للملابس التي أريد إدخالها، وشكواهما من الصقيع داخل زنزانتهما".
ضغوط على الناشطين
رامي سحويل، معتقل سابق في السجون الأردنية، أكد لـ"العربي الجديد"، أن حديث أمهات المعتقلين حقيقي، مشيراً إلى وجود تفرقة بين السجناء، وتشديد على الناشطين السياسيين تحديداً.
يروي سحويل، وقائع انتهاك حقوقه الأساسية كسجين، قائلاً: "أُجبرت في سجن الجويدة على ارتداء ثيابي الممزقة"، الأمر الذي اعتبره القيادي في "الحركة الإسلامية" حمزة منصور، في تصريح إلى "العربي الجديد"، جريمة تستحق العقاب على من يمارسها، لافتاً إلى وجود مخالفات لحقوق السجناء الأساسية يعلمها المحامون، مثل احتجاز الناشطين في زنازين باردة تهدد حياتهم.
منصور تابع: "بعض المسؤولين في الأردن لا يقرأون الواقع، ولا يتعظون بما يجري حولهم، وأنا أحمل الحكومة مسؤولية ما يترتب على أوضاع السجناء الصحية، نتيجة الإهمال والمعاملة السيئة".
ولفت منصور إلى أن اعتقال الناشطين غير مبرر، قائلاً: "نعيش الآن وسط إقليم ملتهب، ونحن بحاجة إلى مزيد من الحرية ومزيد من التوافق الوطني، ومن الاستيعاب والحوار، أما إحالة المعتقلين إلى أمن الدولة على أبسط القضايا، والاعتقال على خلفية الدفاع عن القضية الفلسطينية، أمرغيرمقبول".
من جهته، قال الأمين العام لحزب "الوحدة الشعبية" سعيد دياب: "الاعتقالات المباشرة لبعض الشباب من اتجاهات مختلفة، والتضييق عليهم حتى داخل السجون، يؤكد ضيق صدر الحكومة، وعدم استعدادها لسماع الرأي الآخر، مهما كانت التبريرات، والأدهى من ذلك، هو سعيها إلى محاكمة هؤلاء الشبان أمام محاكم عسكرية، تحت شعار قانون منع الإرهاب، الذي يحمل في طياته مساحة واسعة لإسقاط الرغبات والمزاجية الحكومية في التعامل مع القضايا".
انتهاك للاتفاقيات
يكشف رئيس لجنة السجون في "المنظمة العربية لحقوق الإنسان" عبد الكريم الشريدة، منعهم من زيارة السجون الأردنية، قائلاً لـ"العربي الجديد": "تم منعنا بسبب الشفافية التي تتحلى بها الجمعية عند طرح القضايا المختصة بالنزلاء".
وأكد الشريدة، على ضرورة الالتزام بمعاملة السجناء معاملة حسنة، وتوفير الرعاية الصحية والاجتماعية، موضحاً أن "تعريض السجناء للبرد يعد خرقاً كبيراً لحقوق الإنسان، لذا وجب على السلطات المسؤولة، توفير التدفئة والماء الساخن للنزلاء في مراكز التأهيل والإصلاح، ويجب على إدارة هذه المراكزالالتزام بالاتفاقيات الدولية والقوانين المحلية".
ويدعو الناشط الحقوقي كمال المشرقي، الحكومة الأردنية، إلى المحافظة على سجل احترام حقوق الإنسان في الأردن، والوفاء بالتزاماتها وتعهداتها أمام الهيئات الدولية، بصفتها عضواً في المنظومة الدولية العاملة في مجال حقوق الإنسان، خصوصاً بعد المصادقة على أهم الاتفاقيات الأساسية المتعلقة في هذا المجال.
وطالب المشرقي، بإخلاء سبيل جميع الموقوفين من قادة الرأي والسياسة، وتأمين سلامتهم والحفاظ عليها، ومعاملتهم بصورة إنسانية، وضمان عدم تعرضهم لأي من ضروب التعذيب أو التهديد أو التخويف، والعمل على إلغاء التشريعات المتعلقة بهذا الشأن، أو تعديلها بما يتناسب مع التزامات الأردن الدولية، وضمان المساواة والعدالة والكرامة الإنسانية والحرية التي تعتبر من أهم مبادئ حقوق الإنسان، وعلى وجه الخصوص قانون مكافحة الإرهاب وقانون محكمة أمن الدولة.
الأمن العام ينفي
وفي اتصال هاتفي لـ"العربي الجديد" مع المتحدث باسم مديرية الأمن العام الأردني عامر السرطاوي، نفى الأخير وجود تجاوزات وأي تفرقة بين النزلاء، وأكد التزام السجون بقانون مراكز الإصلاح والتأهيل الذي ينظّم للنزلاء ملبسهم ومأكلهم ومشربهم وزياراتهم، وطريقة التعامل معهم، مؤكداً "دفء السجون".
وأقر السرطاوي "بوجود انتهاكات فيما مضى قبل عشرة أعوام، ولكن لا يوجد تجاوزات حالية، والشكاوى من سوء الأوضاع في السجون، ليست دقيقة، لأن الخدمات جميعها متوافرة، ومراكز الإصلاح والتأهيل مطورة"، على حد قوله.
وفي عام 2002، أفرجت السلطات الأردنية عن ناشط حقوقي، بعد كشفه عن ظروف لاإنسانية يعيشها نزلاء سجن الجويدة.
وبحسب موقع "الديوان الملكي"، أصدر الملك الأردني عبد الله الثاني بن الحسين، عام 2006 قراراً بإغلاق سجن الجفر، وأصدر توجيهات لوضع استراتيجية تحسن الوضع في السجون، وصرح مدير الأمن العام محمد ماجد العيطان آنذاك، أنه يتم تجهيز سجن الموقر، وإغلاق قسم الرجال في الجويدة تمهيداً لإغلاقه نهائياً.
وبعد تسعة أعوام، وبناء سجن الموقر، لم يغلق سجن الجويدة حتى الآن، فيما يعاني نزلاء السجن من البرد القارس والرطوبة العالية وسوء المرافق فيه.
يذكر أن الدولة الأردنية ملزمة بالعديد من الاتفاقيات والمواثيق الدولية، التي تجرم المساس بحرية التعبير والتعذيب وإساءة المعاملة في السجون تحت أي ظرف كان، وتؤكد ضرورة تجهيز مراكز الإصلاح والتأهيل، ضمن معايير محددة لضمان حياة النزلاء فيها.
ويكفل الدستور الأردني، من خلال المادة الخامسة عشرة، حرية الرأي، وينص على الحق لكل أردني في الإعراب بحرية عن رأيه، بالقول والكتابة وكل وسائل التعبير، بشرط عدم تجاوز حدود القانون.