يوثق عبد الخالق أويغور، رئيس وقف ساتوق بوغراخان للعلم والحضارة، صنوف معاناة شعب الإيغور من سياسات الحكومة الصينية التي دأبت على محاربة هويتهم، وعمدت إلى تجريم استخدام اللغة الإيغورية، والتضييق عليهم في إقامة شعائرهم الدينية، ومحاصرة مساجدهم، ومنعهم من التواصل مع العالم الإسلامي، وهو ما يعد حملة قمعية منظمة وفق ما رصدته منظمة العفو الدولية في تقريرها الصادر في 24 سبتمبر/أيلول الماضي، إذ دعت الصين إلى إنهاء الحملة على الإيغور والكشف عن مصير ما يصل إلى مليون شخص غالبيتهم من المسلمين المحتجزين بشكل تعسفي في منطقة شينغيانغ أويغور ذات الحكم الذاتي.
وصعدت الصين من ضغطها على الإيغور بإنشائها معتقلات ضخمة يتجاوز عدد الموقوفين فيها مليون شخص من دون سند قانوني، فيما تسميه الصين: "معسكرات إعادة التثقيف السياسي"، بحسب ما يقوله فيليب لينتش، مدير منظمة الخدمة الدولية لحقوق الإنسان، الأمر الذي رصده تقرير "الصين - أين اختفوا؟" الصادر عن منظمة العفو الدولية والذي قال أن العام الماضي شهد حملة حكومية مكثفة للاعتقال الجماعي، والمراقبة التدخلية، وتلقين العقائد السياسية، والإدماج الثقافي القسري ضد الأويغور والكازاخيين، وغيرهم من الجماعات العرقية في المناطق التي تقطنها أغلبية مسلمة. وقد أُبقيت معظم العائلات دون معلومات بشأن مصير أحبائهم، وغالباً ما يكونون خائفين من التحدث بشأنهم.
وقال نيكولاس بيكيلين، مدير برنامج شرق آسيا بمنظمة العفو الدولية: "يجب عدم السماح للحكومة الصينية بمواصلة هذه الحملة الشرسة ضد الأقليات العرقية في شمال غربي الصين. ويجب على الحكومات في جميع أنحاء العالم أن تحاسب السلطات الصينية على الكابوس الذي يحدث في إقليم الإيغور".
فما هي قصة النزاع بين شعب الإيغور والحكومة الصينية؟ وما أسبابه العميقة وآثاره الحالية؟ وما مستقبل هذا الصراع؟
للإجابة عن هذه الأسئلة الثلاثة لا بد لنا أولاً من فهم المعطيات الجغرافية والتاريخية لإقليم تركستان الشرقية موطن شعب الإيغور.
يعيش مسلمو الإيغور في ما كان يسمى تاريخيا بجمهورية تركستان الشرقية التي أصبحت تسمى بمقاطعة شينغيانغ بعدما خضعت بالكامل لسيطرة الصين الشيوعية عام 1949 وتقرب مساحتها من 1.8 مليون كيلومتر مربع، ويحدها من الشمال روسيا وكازاخستان، ومن الغرب قرغيزستان وطاجكستان، ومن الشمال الشرقي منغوليا، ومن الجنوب الغربي أفغانستان وكشمير، ومن الجنوب الهند والتبت، ومن الشرق الصين. لذلك تعُد تركستان الشرقية بوابة الصين الكبرى على جمهوريات آسيا الوسطى، ويعيش فيها 25 مليون نسمة، ويشكل الإيغور نحو 45 في المائة من سكان تركستان، في حين تبلغ نسبة الصينيين من عرقية الهان نحو 40 في المائة، وينتمي الإيغور إلى المذهب السنّي حسب دراسة "تركستان الشرقية بين الاضطهاد الصيني وحق تقرير المصير" للدكتور نور صبحي عبد، الباحث بكلية الآداب في جامعة بغداد، والمنشورة في عام 2017.
اقــرأ أيضاً
وكان لتركستان الشرقية ارتباط تاريخي وثيق مع الإمبراطورية الصينية، لكنها ظلت رافضةً لمبدأ الخضوع السياسي للصين، وقد تجلى ذلك في إعلان تركستان الشرقية نفسها جمهورية مستقلة مرتين في الفترة بين (1933 و1944) ولكن لم يكتب لمحاولة استقلالها النجاح؛ إذ قام جيش الصين الشعبي باحتلالها في سبتمبر/ أيلول 1949، وفرض سيطرته عليها. ونتيجة لمقاومة الإيغوريين الحكومة الصينية وافقت الصين على منح الحكم الذاتي للإقليم في عام 1955 وفق دراسة الدكتور صبحي عبد.
جذور النزاع
نظراً لعدم قبول الإيغوريين الهيمنة الصينية، وتمسّكهم بهويتهم اللغوية والثقافية والدينية؛ سعت الصين بشتى الطرق لإخضاع الإيغور لسلطتها من خلال العمل على تغيير ديموغرافية الإقليم، وتوطين الصينيين من المقاطعات الأخرى داخل تركستان، وفرض اللغة الصينية كلغة تعليم وحيدة في المدارس، وقطع الصلات الثقافية والسياسية والاقتصادية بين الإيغور والعالم الخارجي والتنسيق مع العديد من الحكومات لتصنيف حركات التحرر الإيغورية كحركات إرهابية، بحسب ما ذكره عبد الخالق أويغور.
اقــرأ أيضاً
وبحسب تقرير منظمة العفو الدولية فإن عمليات الاحتجاز الجماعي للمجموعات العرقية ذات الأغلبية المسلمة في إقليم الإيغور ازدادت منذ مارس/ آذار 2017، عندما تم اعتماد "قانون إزالة التطرف" في المنطقة، إذ إن إبداء أي مظاهر، بصورة علنية أو حتى خاصة، للانتماء الديني والثقافي، بما في ذلك إطلاق لحية "بشكل غير طبيعي"، أو ارتداء الحجاب أو النقاب، والصلاة العادية، والصوم أو تجنب شرب الخمر، أو امتلاك كتب أو مقالات عن الإسلام أو ثقافة الإيغور يمكن اعتبارها "متطرفة" بموجب القانون. كما أن السفر إلى الخارج من أجل العمل أو التعليم، ولا سيما إلى البلدان ذات الأغلبية المسلمة، أو الاتصال بأشخاص خارج الصين، وهو أيضاً يعد أسباباً رئيسية للريبة. فالذكور والإناث والشباب والكبار، في المناطق الحضرية والريفية، كلهم عرضة لخطر الاحتجاز.
اقــرأ أيضاً
سيناريوهات حل النزاع
في ضوء الوضع الجيواستراتيجي المُعقد في منطقة آسيا الوسطي، والتي تعتبر منطقة صراع نفوذ بين الولايات المتحدة الأميركية من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى، وحساسية الصين العالية تجاه انفصال أي جزء منها؛ يصبح حصول شعب الإيغور على الانفصال أمر غير ممكن سياسيّا، وفق موازين القوة الحالية، خاصة في ظل صعود القوة الصينية، وتحالفها مع معظم الدول المحيطة بجمهورية تركستان؛ ولذلك يمكن وضع عدة سيناريوهات لمحاولة تقليل خسائر الإيغور في المدى الزمني القريب كما يلي:
أولًا: وقف النزيف
يرى العديد من الخبراء ومنهم الأكاديمي جاسم سلطان مدير مركز الوجدان الحضاري "أن تحويل النزاع من صراع صفري لصراع يفوز فيه الطرفان تبدو ضعيفة جدّا، وفي هذه الحالة ينبغي على الجانب السياسي الإيغوري رسم مسار متدرج لإدارة الأزمة، يتحركون فيه بأسلوب لاعب الغولف الذي لا يرى في أول المباراة سوى الحفرة الأولى التي يجب أن يصوب نحوها الكرة، ثم تنكشف له باقي الحفر (الفرص) كلما تقدم في اللعب، ويتطلب هذا السيناريو من قيادات الإيغور بناء استراتيجية قادرة على فتح قنوات اتصال مع الحكومة الصينية، بعيدا عن دعوات الانفصال والاستقلال من أجل وقف النزيف الإنساني في الإقليم، وضمان الحد الأدنى من الحقوق الحريات"، وهذا المسار وفق تصور سلطان يبدأ بإعداد ورقة استراتيجية للعمل والتوافق عليها، ومن بعدها إعداد فريق التفاوض على مستوى عالٍ، ثم إعداد أجندة التفاوض بشكل سُلَّم من الأعلى للأدنى من حيث قابلية التحقق، ثم اختيار قنوات التواصل المحتملة وترتيبها في سلم الأولويات، ثم البحث عن وسيط مناسب للقيام بالمهمة بين الطرفين.
ثانياً: بناء الجسور المشتركة
يتشارك الباحث بمركز الجزيرة للدراسات حوَّاس تقية مع الدكتور سلطان في ضرورة تواصل الإيغور مع الحكومة الصينية، ولكنه يرى أن مفتاح الحل سيمر عبر بوابة المصالح المُشتركة؛ لأن بكين بحاجة ماسَّة لتركستان في مشروع طريق الحرير الاقتصادي؛ لأنها تمثل بوابة الصين نحو آسيا الوسطي بحكم الجغرافية، وأيضًا تركستان بحاجة إلى التنمية والاستقرار، وهذا ربما يقود الطرفين إلى التعاون، فتقلل بكين من القمع، وتستعيض بالجزرة عن العصا، وتنشأ علاقات جديدة ومنافع ربما تقود في المستقبل إلى تسوية تاريخية للصراع.
ثالثاً: حقوق الإنسان
يعتمد هذا المسار على أن يقوم الإيغور بقطع صلاتهم بأي مجموعات محلية مسلحة أو مجموعات عابرة للحدود تسعى لانفصال تركستان عن الصين، ويتم التركيز على استراتيجية الحفاظ على حياة الإنسان الإيغوري من بوابة المطالبة بالحقوق والحريات التى كفلها الدستور الصيني، واتفاقية الحكم الذاتي المُوقعة بين الصين وتركستان في عام 1955، والمواثيق الدولية، عبر تفعيل وساطات دولية وإسلامية لها تأثير وصوت مسموع لدى الحكومة الصينية بهدف إنهاء معاناة الإيغور، وهذا السيناريو ينصح به مستشار منظمة قرطبة العاملة في مجال الوقاية من العنف وتعزيز السلم بجنيف الدكتور عبدالفتاح محمد، إذ يرى أن علاقة الصين بالإسلام قديمة والحاجة إلى تعزيز فرص الحوار بين الصين مع العالم الإسلامي أصبح ضرورة ملحة مع تعاظم دور الصين في العالم، ويمكن أن يترافق مع هذا الاتجاه ضرورة الاستفادة من درسين وتجربتين تاريخيتين، وهما التجربة المورسيكية إبان فترة محاكم التفتيش وما بعده ولعدة قرون في الأندلس، واجتهادهم العجيب في حفظ هويتهم الإسلامية من خلال ما عرف بفقه الاضطرار من أجل تجنب الملاحقة المتعصبة، والتجربة الثانية القريبة تتمثل في إمكانية الاستفادة من الآليات والاستراتيجيات التي مكنت شعوب آسيا الوسطى من الحفاظ على هويتها وثقافتها رغم قسوة القبضة الأمنية والسياسية التي مورست من قبل الحكم الشيوعي، ولا يبتعد الباحث المتخصص في تاريخ الأديان محمد عبد العاطي عن هذا المسار؛ غير أنه يقترح على النشطاء الإيغوريين توسيع جبهتهم النضالية لتشمل التيارات السياسية كافة وألا تكون قاصرة على توجه فكري معين، ويضيف قائلا: إن مثل هذا التحالف الموسع وحده غير كاف ما لم يتفقوا على رؤية لطبيعة الصراع وأدوات النضال ومجموعة من القيم التي تضمن عدم تنازعهم في أي مرحلة من مراحله.
وصعدت الصين من ضغطها على الإيغور بإنشائها معتقلات ضخمة يتجاوز عدد الموقوفين فيها مليون شخص من دون سند قانوني، فيما تسميه الصين: "معسكرات إعادة التثقيف السياسي"، بحسب ما يقوله فيليب لينتش، مدير منظمة الخدمة الدولية لحقوق الإنسان، الأمر الذي رصده تقرير "الصين - أين اختفوا؟" الصادر عن منظمة العفو الدولية والذي قال أن العام الماضي شهد حملة حكومية مكثفة للاعتقال الجماعي، والمراقبة التدخلية، وتلقين العقائد السياسية، والإدماج الثقافي القسري ضد الأويغور والكازاخيين، وغيرهم من الجماعات العرقية في المناطق التي تقطنها أغلبية مسلمة. وقد أُبقيت معظم العائلات دون معلومات بشأن مصير أحبائهم، وغالباً ما يكونون خائفين من التحدث بشأنهم.
وقال نيكولاس بيكيلين، مدير برنامج شرق آسيا بمنظمة العفو الدولية: "يجب عدم السماح للحكومة الصينية بمواصلة هذه الحملة الشرسة ضد الأقليات العرقية في شمال غربي الصين. ويجب على الحكومات في جميع أنحاء العالم أن تحاسب السلطات الصينية على الكابوس الذي يحدث في إقليم الإيغور".
فما هي قصة النزاع بين شعب الإيغور والحكومة الصينية؟ وما أسبابه العميقة وآثاره الحالية؟ وما مستقبل هذا الصراع؟
للإجابة عن هذه الأسئلة الثلاثة لا بد لنا أولاً من فهم المعطيات الجغرافية والتاريخية لإقليم تركستان الشرقية موطن شعب الإيغور.
يعيش مسلمو الإيغور في ما كان يسمى تاريخيا بجمهورية تركستان الشرقية التي أصبحت تسمى بمقاطعة شينغيانغ بعدما خضعت بالكامل لسيطرة الصين الشيوعية عام 1949 وتقرب مساحتها من 1.8 مليون كيلومتر مربع، ويحدها من الشمال روسيا وكازاخستان، ومن الغرب قرغيزستان وطاجكستان، ومن الشمال الشرقي منغوليا، ومن الجنوب الغربي أفغانستان وكشمير، ومن الجنوب الهند والتبت، ومن الشرق الصين. لذلك تعُد تركستان الشرقية بوابة الصين الكبرى على جمهوريات آسيا الوسطى، ويعيش فيها 25 مليون نسمة، ويشكل الإيغور نحو 45 في المائة من سكان تركستان، في حين تبلغ نسبة الصينيين من عرقية الهان نحو 40 في المائة، وينتمي الإيغور إلى المذهب السنّي حسب دراسة "تركستان الشرقية بين الاضطهاد الصيني وحق تقرير المصير" للدكتور نور صبحي عبد، الباحث بكلية الآداب في جامعة بغداد، والمنشورة في عام 2017.
وكان لتركستان الشرقية ارتباط تاريخي وثيق مع الإمبراطورية الصينية، لكنها ظلت رافضةً لمبدأ الخضوع السياسي للصين، وقد تجلى ذلك في إعلان تركستان الشرقية نفسها جمهورية مستقلة مرتين في الفترة بين (1933 و1944) ولكن لم يكتب لمحاولة استقلالها النجاح؛ إذ قام جيش الصين الشعبي باحتلالها في سبتمبر/ أيلول 1949، وفرض سيطرته عليها. ونتيجة لمقاومة الإيغوريين الحكومة الصينية وافقت الصين على منح الحكم الذاتي للإقليم في عام 1955 وفق دراسة الدكتور صبحي عبد.
جذور النزاع
نظراً لعدم قبول الإيغوريين الهيمنة الصينية، وتمسّكهم بهويتهم اللغوية والثقافية والدينية؛ سعت الصين بشتى الطرق لإخضاع الإيغور لسلطتها من خلال العمل على تغيير ديموغرافية الإقليم، وتوطين الصينيين من المقاطعات الأخرى داخل تركستان، وفرض اللغة الصينية كلغة تعليم وحيدة في المدارس، وقطع الصلات الثقافية والسياسية والاقتصادية بين الإيغور والعالم الخارجي والتنسيق مع العديد من الحكومات لتصنيف حركات التحرر الإيغورية كحركات إرهابية، بحسب ما ذكره عبد الخالق أويغور.
وبحسب تقرير منظمة العفو الدولية فإن عمليات الاحتجاز الجماعي للمجموعات العرقية ذات الأغلبية المسلمة في إقليم الإيغور ازدادت منذ مارس/ آذار 2017، عندما تم اعتماد "قانون إزالة التطرف" في المنطقة، إذ إن إبداء أي مظاهر، بصورة علنية أو حتى خاصة، للانتماء الديني والثقافي، بما في ذلك إطلاق لحية "بشكل غير طبيعي"، أو ارتداء الحجاب أو النقاب، والصلاة العادية، والصوم أو تجنب شرب الخمر، أو امتلاك كتب أو مقالات عن الإسلام أو ثقافة الإيغور يمكن اعتبارها "متطرفة" بموجب القانون. كما أن السفر إلى الخارج من أجل العمل أو التعليم، ولا سيما إلى البلدان ذات الأغلبية المسلمة، أو الاتصال بأشخاص خارج الصين، وهو أيضاً يعد أسباباً رئيسية للريبة. فالذكور والإناث والشباب والكبار، في المناطق الحضرية والريفية، كلهم عرضة لخطر الاحتجاز.
ووفر وجود التفتيش الأمني، المنتشر في كل مكان والذي أصبح الآن جزءاً معتاداً من الحياة اليومية للجميع في إقليم الإيغور، فرصة كبيرة للبحث عن الهواتف المحمولة بحثا عن محتوى مريب، أو التحقق من هويات الأشخاص باستخدام برنامج التعرف على الوجه. وقد يتم الشك في الأفراد من خلال المراقبة الاعتيادية للرسائل المرسلة على تطبيقات شبكات التواصل الاجتماعي مثل وي تشات، والتي لا تستخدم التشفير من طرف إلى طرف. كما يمكن أن يكون استخدام تطبيقات المراسلة البديلة مع التشفير، مثل واتساب، سبباً للاحتجاز بحسب ما رصدته منظمة العفو الدولية.
سيناريوهات حل النزاع
في ضوء الوضع الجيواستراتيجي المُعقد في منطقة آسيا الوسطي، والتي تعتبر منطقة صراع نفوذ بين الولايات المتحدة الأميركية من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى، وحساسية الصين العالية تجاه انفصال أي جزء منها؛ يصبح حصول شعب الإيغور على الانفصال أمر غير ممكن سياسيّا، وفق موازين القوة الحالية، خاصة في ظل صعود القوة الصينية، وتحالفها مع معظم الدول المحيطة بجمهورية تركستان؛ ولذلك يمكن وضع عدة سيناريوهات لمحاولة تقليل خسائر الإيغور في المدى الزمني القريب كما يلي:
أولًا: وقف النزيف
يرى العديد من الخبراء ومنهم الأكاديمي جاسم سلطان مدير مركز الوجدان الحضاري "أن تحويل النزاع من صراع صفري لصراع يفوز فيه الطرفان تبدو ضعيفة جدّا، وفي هذه الحالة ينبغي على الجانب السياسي الإيغوري رسم مسار متدرج لإدارة الأزمة، يتحركون فيه بأسلوب لاعب الغولف الذي لا يرى في أول المباراة سوى الحفرة الأولى التي يجب أن يصوب نحوها الكرة، ثم تنكشف له باقي الحفر (الفرص) كلما تقدم في اللعب، ويتطلب هذا السيناريو من قيادات الإيغور بناء استراتيجية قادرة على فتح قنوات اتصال مع الحكومة الصينية، بعيدا عن دعوات الانفصال والاستقلال من أجل وقف النزيف الإنساني في الإقليم، وضمان الحد الأدنى من الحقوق الحريات"، وهذا المسار وفق تصور سلطان يبدأ بإعداد ورقة استراتيجية للعمل والتوافق عليها، ومن بعدها إعداد فريق التفاوض على مستوى عالٍ، ثم إعداد أجندة التفاوض بشكل سُلَّم من الأعلى للأدنى من حيث قابلية التحقق، ثم اختيار قنوات التواصل المحتملة وترتيبها في سلم الأولويات، ثم البحث عن وسيط مناسب للقيام بالمهمة بين الطرفين.
ثانياً: بناء الجسور المشتركة
يتشارك الباحث بمركز الجزيرة للدراسات حوَّاس تقية مع الدكتور سلطان في ضرورة تواصل الإيغور مع الحكومة الصينية، ولكنه يرى أن مفتاح الحل سيمر عبر بوابة المصالح المُشتركة؛ لأن بكين بحاجة ماسَّة لتركستان في مشروع طريق الحرير الاقتصادي؛ لأنها تمثل بوابة الصين نحو آسيا الوسطي بحكم الجغرافية، وأيضًا تركستان بحاجة إلى التنمية والاستقرار، وهذا ربما يقود الطرفين إلى التعاون، فتقلل بكين من القمع، وتستعيض بالجزرة عن العصا، وتنشأ علاقات جديدة ومنافع ربما تقود في المستقبل إلى تسوية تاريخية للصراع.
ثالثاً: حقوق الإنسان
يعتمد هذا المسار على أن يقوم الإيغور بقطع صلاتهم بأي مجموعات محلية مسلحة أو مجموعات عابرة للحدود تسعى لانفصال تركستان عن الصين، ويتم التركيز على استراتيجية الحفاظ على حياة الإنسان الإيغوري من بوابة المطالبة بالحقوق والحريات التى كفلها الدستور الصيني، واتفاقية الحكم الذاتي المُوقعة بين الصين وتركستان في عام 1955، والمواثيق الدولية، عبر تفعيل وساطات دولية وإسلامية لها تأثير وصوت مسموع لدى الحكومة الصينية بهدف إنهاء معاناة الإيغور، وهذا السيناريو ينصح به مستشار منظمة قرطبة العاملة في مجال الوقاية من العنف وتعزيز السلم بجنيف الدكتور عبدالفتاح محمد، إذ يرى أن علاقة الصين بالإسلام قديمة والحاجة إلى تعزيز فرص الحوار بين الصين مع العالم الإسلامي أصبح ضرورة ملحة مع تعاظم دور الصين في العالم، ويمكن أن يترافق مع هذا الاتجاه ضرورة الاستفادة من درسين وتجربتين تاريخيتين، وهما التجربة المورسيكية إبان فترة محاكم التفتيش وما بعده ولعدة قرون في الأندلس، واجتهادهم العجيب في حفظ هويتهم الإسلامية من خلال ما عرف بفقه الاضطرار من أجل تجنب الملاحقة المتعصبة، والتجربة الثانية القريبة تتمثل في إمكانية الاستفادة من الآليات والاستراتيجيات التي مكنت شعوب آسيا الوسطى من الحفاظ على هويتها وثقافتها رغم قسوة القبضة الأمنية والسياسية التي مورست من قبل الحكم الشيوعي، ولا يبتعد الباحث المتخصص في تاريخ الأديان محمد عبد العاطي عن هذا المسار؛ غير أنه يقترح على النشطاء الإيغوريين توسيع جبهتهم النضالية لتشمل التيارات السياسية كافة وألا تكون قاصرة على توجه فكري معين، ويضيف قائلا: إن مثل هذا التحالف الموسع وحده غير كاف ما لم يتفقوا على رؤية لطبيعة الصراع وأدوات النضال ومجموعة من القيم التي تضمن عدم تنازعهم في أي مرحلة من مراحله.