لا تجد عائلة الطفل المغربي أحمد، تفسيراً لإقدامه على الانتحار، تاركاً رسالة لعائلته مكتوب فيها "أحبك أمي وأخي وأختي"، إذ لم يكن يبدو على أحمد، أي استياء أو حزن أثناء توجهه برفقة عائلته، المكونة من شقيق وشقيقة، إلى السوق لشراء اللوازم المدرسية التي طلبها منه معلمه، إلّا أن أحمد، وفي منتصف الطريق، أخبر شقيقه أنه يرغب بالعودة إلى البيت حتى يلعب مع أصدقائه، معطيًا ورقة اللوازم المدرسية إلى شقيقه إسماعيل حتى يجلبها له.
أثارت واقعة انتحار أحمد المقيم بمنطقة سوق أحد في واد افران، ضجة عارمة في المغرب، إذ لم يتجاوز عمره أحد عشر ربيعاً، وبينما فسر عدد من أقاربه سبب الانتحار على أنه راجع لفقر العائلة أو طلاق والديه، إلا أن والد الطفل المنتحر نفى في تصريح لـ"العربي الجديد" أن يكون الفقر سبب انتحار نجله، مرجعاً الأمر إلى وضعية نفسية لا يعرف حيثياتها، لأنه يقيم بالرباط بعيداً عن عائلته.
تابو إحصاء حالات انتحار الأطفال
قبل أن يشنق إسماعيل نفسه أقدم أطفال مغاربة، على إنهاء حياتهم بإرادتهم في مدن مختلفة، إذ انتحر طفل شنقاً في الرابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، في مدينة إنزكان بالجنوب المغربي، وقبل هاتين الواقعتين، وضعت فتاة صغيرة تبلغ من العمر 11 عاماً حداً لحياتها شنقاً أيضاً، عند شجرة زيتون قرب منزلها بضواحي الناظور شمال البلاد، وبحسب أسرة الطفلة فإنها لم تكن تتوقع انتحار ابنتهم التي لم تكن تعاني من أي مرض نفسي.
ويرجع عبدالإله الخضري، رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان عدم وجود أرقام رسمية بخصوص عدد الأطفال المنتحرين سنوياً بالمغرب، إلى أن أغلب حالات انتحار الأطفال لا يتم الاعتراف بها، بسبب التكتم الشديد والخوف من الفضيحة، ومن واقع تجربتها تؤكد مريم بوزيدي، مؤسسة جمعية "ابتسامة رضى" الحقوقية، التي عانت قبل 7 سنوات من انتحار ابنها رضى، الذي كان عمره حينها 13 عاماً، أن الإحصاء الرقمي في حالات انتحار الأطفال وحتى الكبار تدخل في إطار "التابو" أو المحرم المسكوت عنه، قائلة لـ"العربي الجديد": "لا توجد سوى إحصائيات مبتورة لا توضح واقع هذه الآفة".
وتسترسل الناشطة في القول: "إن عدد حالات انتحار الأطفال دون سن المراهقة المعلنة يصل 10 حالات في السنة الواحدة كمعدل متوسط، مشيرة إلى أنه في المقابل قد يكون الرقم أكثر من ذلك بكثير، بالنظر إلى احتواء الأسر خاصة في الأرياف لمثل هذه الحوادث، والتسليم برضا الله وقدره، ونسب الموت إلى أسباب أخرى غير الانتحار". وهو ما وافقها عليه عبد الإله الخضري.
اقــرأ أيضاً
عبر تتبع حالات انتحار الأطفال في العام 2016، وحتى شهر أكتوبر/تشرين، رصد معد التحقيق 5 حالات انتحار معلنة لأطفال تقل أعمارهم عن 15 عاماً، وذلك في مدن أزرو، وشيشاوة، والناظور، وبركان، والجديدة، وجميعهم انتحروا عن طريق الشنق، إما في سقف المنزل، أو على شجرة في محيط المسكن.
وتشير آخر الإحصائيات التي ترصد ظاهرة الانتحار بشكل عام في المغرب، تبعاً لمنظمة الصحة العالمية في تقرير لها يعود إلى نهاية 2014، إلى احتلال المملكة الرتبة الثانية عربياً وراء السودان، وذلك بنسبة 5.3 في كل 100 ألف مواطن، مشيرة إلى أن عدد المنتحرين المغاربة تضاعف بين سنتي 2000 و 2012.
ويؤكد مصدر أمني رفض الكشف عن هويته، أن عدد محاولات الانتحار الفاشلة لا يتم إحصاؤها، مشيراً إلى أن عدد الأطفال المنتحرين يصل إلى 12 حالة في كل عام، ووفقاً للمصدر فإن عدد حالات انتحار الأطفال التي بت فيها الأمن والدرك وصل 9 حالات في مختلف مناطق البلاد.
اقــرأ أيضاً
اختلال نفسي واجتماعي
يؤكد محمد قجدار، المعالج النفسي المغربي "أن تفكير الطفل الصغير الذي لم يعارك الحياة ولم تعاركه الهموم والمشاكل في وضع حد لحياته، يعد مؤشراً على خلل في شخصية الطفل المنتحر، أو حتى الذي حاول الانتحار، كما يعد مؤشراً على خلل عميق أيضاً، في بنية المجتمع المحيط بهذا الطفل"، ويشرح قجدار لـ"العربي الجديد" أن الخلل الرئيسي يكمن في المجتمع الذي يحيط بالطفل، وتحديداً الأسرة ثم الشارع والمدرسة"، موضحاً من واقع خبرته أن أسر من يحاولون الانتحار لا تستمتع لطفلها ولحاجياته النفسية والشخصية، بدعوى أنه مجرد طفل لا حضور فعلي له، ويمكن السيطرة عليه بالأوامر والتهديد، ما يحطم نفسيته، الأمر الذي قد يؤدي به إلى الانتحار إذا كان من ذوي الشخصيات المنهارة أو العصابية.
وبدوره يلفت رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، إلى ضرورة التفريق بين انتحار الأطفال ما بين الخامسة والثالثة عشرة، وبين الأطفال المراهقين ما بعد الرابعة عشرة وحتى الثامنة عشرة، قائلاً إذا كانت دواعي إقدام الأطفال المراهقين على الانتحار، ترجع لأسباب نفسية واجتماعية، فإن الانتحار بالنسبة للأطفال ما دون الثالثة عشرة يعد أمراً غريباً على المجتمعات الإنسانية".
وذهب عبدالإله الخضري، وهو عضو في مركز الوساطة الاجتماعية، إلى أن أسباب رغبة الطفل في الانتحار قد تكون باطنية، مرتبطة بما يحمله الطفل في تركيبته الجينية من نوازع نفسية حادة، تولد لديه رغبة جامحة في الانتحار، بسبب مشاكل اجتماعية ونفسية مركبة، إلا أن الدراسات العلمية للظاهرة لمعرفة خباياها، ما زالت غير كافية".
وفي الجانب الاجتماعي المفضي إلى انتحار الطفل، سجلت الأخصائية مريم العوفير، أن الطفل المنتحر أو الذي يحاول الانتحار ويفشل لخوفه أو عجزه عن تنفيذ خطته، أو لنجدته من طرف الآخرين، هو طفل يعلن صراحة رفضه للمجتمع الذي يؤويه.
وتورد العوفير في تصريح لـ"العربي الجديد" إنه حسب ملاحظاتها الاجتماعية فإن أغلب حالات انتحار الأطفال تعود إلى تشتت الأسرة، وطلاق الزوجين، مثل حالة الطفل أحمد، باعتبار أن الطلاق يثير لدى الطفل نوعاً من هواجس الفقدان الاجتماعي، وهشاشة نفسية قد يخفيها الطفل، ولا يعلمها غيره إلا بارتكابه فعل الانتحار للتخلص من آلامه.
وتضيف الخبيرة سبباً اجتماعياً آخر يتمثل أحياناً في رفض الطفل العيش في وسط وأسرة فقيرة، وهو ما حدث في واقعة انتحار طفل مدينة الجديدة، خاصة إن كان الطفل يرافق أطفالاً يتحدرون من أسر غنية أو أكثر راحة مادياً"، مشيرة إلى عامل آخر يتمثل في حالة الطفل الذي تخلى عنه والداه، أو الطفل الذي تم الاعتداء الجنسي عليه، حيث يسارع إلى التخلص من الآثام بحسب فهمه، بالإقدام على الانتحار.
وتثير المتحدثة مسألة أخرى تتعلق ليس بالأطفال المنتحرين، ولكن بظاهرة الأطفال الذين حاولوا الانتحار، فهؤلاء لا أحد يعلم عددهم لأنه من الطبيعي أن لا تعلن الأسرة خبر محاولة انتحار ابنها في الإعلام، ولا في مراكز الشرطة"، قائلة "عدد الأطفال الذين يفشلون في الانتحار أو حتى الذين فكروا فيه أكبر بكثير ممن ينهون حياتهم.
وفي هذا الصدد رفضت أسر حاول أطفالها الإقدام على الانتحار، الحديث لـ"العربي الجديد" عن الأسباب التي أفضت بهم إلى ذلك، واكتفت بالقول إن الأمر يتعلق بشغب أطفال أكثر من إرادة حقيقية في إنهاء حياتهم، بينما قال آخرون إن الأمر يتعلق بمحاولة الطفل إخافة عائلته من أجل تحقيق طلبات معينة".
اقــرأ أيضاً
المسؤول والحل
"المسؤولية تلقى على الدولة أساساً"، يقول الخضري، بالنظر إلى غياب الاهتمام بالطفل في السياسات العمومية المتبعة، إذ إن كثيراً من الأطفال هم ضحايا تعليم متردٍ، ودعم صحي ونفسي شبه منعدم، وضحية التشرد العائلي القسري".
وذهب الخضري إلى أنه على الرغم من اهتمام الدستور المغربي بحقوق الطفل، إلا أنه من جهة هناك إغفال لما هو معنوي لفائدة الطفل، ومن جهة أخرى، ثمة بون شاسع بين ما يقره الدستور من حقوق لفائدة الطفل، والممارسة على أرض الواقع"، مشدداً على أنه من أجل التصدي للظاهرة، ينبغي اعتبار الراحة النفسية حقاً أساسياً وحيوياً للطفل، وواجباً على كاهل الدولة ومؤسساتها صيانته، من أجل إبعاد الأطفال عن آثار الأزمات النفسية والاجتماعية التي قد تواجههم".
تحميل الدولة وحدها مسؤولية إقدام الأطفال على الانتحار لا يوافقه قجدار الذي بحسبه فإن المسؤولية تعود أساساً إلى المجتمع المحيط بالطفل، وخاصة مؤسسات التنشئة النفسية والاجتماعية، ممثلة في الأسرة والمدرسة، لما لهما من أدوار كبيرة وحاسمة في دفع هواجس الانتحار، والأمراض النفسية عن الأطفال".
ومن جانبها تؤكد نجية أديب رئيسة جمعية "ماتقيش ولدي" (لا تلمس أولادي)، التي تعنى بالدفاع عن الأطفال ضحايا الاعتداءات الجنسية، أن الأسرة لها قسط وافر في توجه أطفالها نحو الانتحار، ضاربة المثل بالأسر التي وفق العقلية الذكورية المستحكمة في المجتمع المغربي إلى تفضيل الولد على البنت.
واعتبرت أديب أن التربية المرتكزة على تفضيل الذكر على الأنثى، والتي وصفتها بالسلبية والخطيرة على توازن الأسرة والأطفال، تخلق كثيراً من نوازع العنف والإحباط داخل نفوس الفتيات، فيقدمن على الانتحار على الرغم من أن الفتاة تكون معروفة بخوفها من القيام بأفعال خطيرة مثل هذه".
ويتفق كل من قجدار والعوفير على أنه إن لم يتم التفكير بشأن القضاء على هذه الظاهرة في مهدها، فإنها قد تتطور وتتفاقم مستقبلاً، مشددين على ضرورة عناية الدولة بالأطفال، وخلق فرص وفضاءات لتفريغ شحناتهم النفسية وعلى دور الأسرة والمسجد والتلفاز في وقاية الأطفال من إنهاء حياتهم.
أثارت واقعة انتحار أحمد المقيم بمنطقة سوق أحد في واد افران، ضجة عارمة في المغرب، إذ لم يتجاوز عمره أحد عشر ربيعاً، وبينما فسر عدد من أقاربه سبب الانتحار على أنه راجع لفقر العائلة أو طلاق والديه، إلا أن والد الطفل المنتحر نفى في تصريح لـ"العربي الجديد" أن يكون الفقر سبب انتحار نجله، مرجعاً الأمر إلى وضعية نفسية لا يعرف حيثياتها، لأنه يقيم بالرباط بعيداً عن عائلته.
تابو إحصاء حالات انتحار الأطفال
قبل أن يشنق إسماعيل نفسه أقدم أطفال مغاربة، على إنهاء حياتهم بإرادتهم في مدن مختلفة، إذ انتحر طفل شنقاً في الرابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، في مدينة إنزكان بالجنوب المغربي، وقبل هاتين الواقعتين، وضعت فتاة صغيرة تبلغ من العمر 11 عاماً حداً لحياتها شنقاً أيضاً، عند شجرة زيتون قرب منزلها بضواحي الناظور شمال البلاد، وبحسب أسرة الطفلة فإنها لم تكن تتوقع انتحار ابنتهم التي لم تكن تعاني من أي مرض نفسي.
ويرجع عبدالإله الخضري، رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان عدم وجود أرقام رسمية بخصوص عدد الأطفال المنتحرين سنوياً بالمغرب، إلى أن أغلب حالات انتحار الأطفال لا يتم الاعتراف بها، بسبب التكتم الشديد والخوف من الفضيحة، ومن واقع تجربتها تؤكد مريم بوزيدي، مؤسسة جمعية "ابتسامة رضى" الحقوقية، التي عانت قبل 7 سنوات من انتحار ابنها رضى، الذي كان عمره حينها 13 عاماً، أن الإحصاء الرقمي في حالات انتحار الأطفال وحتى الكبار تدخل في إطار "التابو" أو المحرم المسكوت عنه، قائلة لـ"العربي الجديد": "لا توجد سوى إحصائيات مبتورة لا توضح واقع هذه الآفة".
وتسترسل الناشطة في القول: "إن عدد حالات انتحار الأطفال دون سن المراهقة المعلنة يصل 10 حالات في السنة الواحدة كمعدل متوسط، مشيرة إلى أنه في المقابل قد يكون الرقم أكثر من ذلك بكثير، بالنظر إلى احتواء الأسر خاصة في الأرياف لمثل هذه الحوادث، والتسليم برضا الله وقدره، ونسب الموت إلى أسباب أخرى غير الانتحار". وهو ما وافقها عليه عبد الإله الخضري.
عبر تتبع حالات انتحار الأطفال في العام 2016، وحتى شهر أكتوبر/تشرين، رصد معد التحقيق 5 حالات انتحار معلنة لأطفال تقل أعمارهم عن 15 عاماً، وذلك في مدن أزرو، وشيشاوة، والناظور، وبركان، والجديدة، وجميعهم انتحروا عن طريق الشنق، إما في سقف المنزل، أو على شجرة في محيط المسكن.
وتشير آخر الإحصائيات التي ترصد ظاهرة الانتحار بشكل عام في المغرب، تبعاً لمنظمة الصحة العالمية في تقرير لها يعود إلى نهاية 2014، إلى احتلال المملكة الرتبة الثانية عربياً وراء السودان، وذلك بنسبة 5.3 في كل 100 ألف مواطن، مشيرة إلى أن عدد المنتحرين المغاربة تضاعف بين سنتي 2000 و 2012.
ويؤكد مصدر أمني رفض الكشف عن هويته، أن عدد محاولات الانتحار الفاشلة لا يتم إحصاؤها، مشيراً إلى أن عدد الأطفال المنتحرين يصل إلى 12 حالة في كل عام، ووفقاً للمصدر فإن عدد حالات انتحار الأطفال التي بت فيها الأمن والدرك وصل 9 حالات في مختلف مناطق البلاد.
اختلال نفسي واجتماعي
يؤكد محمد قجدار، المعالج النفسي المغربي "أن تفكير الطفل الصغير الذي لم يعارك الحياة ولم تعاركه الهموم والمشاكل في وضع حد لحياته، يعد مؤشراً على خلل في شخصية الطفل المنتحر، أو حتى الذي حاول الانتحار، كما يعد مؤشراً على خلل عميق أيضاً، في بنية المجتمع المحيط بهذا الطفل"، ويشرح قجدار لـ"العربي الجديد" أن الخلل الرئيسي يكمن في المجتمع الذي يحيط بالطفل، وتحديداً الأسرة ثم الشارع والمدرسة"، موضحاً من واقع خبرته أن أسر من يحاولون الانتحار لا تستمتع لطفلها ولحاجياته النفسية والشخصية، بدعوى أنه مجرد طفل لا حضور فعلي له، ويمكن السيطرة عليه بالأوامر والتهديد، ما يحطم نفسيته، الأمر الذي قد يؤدي به إلى الانتحار إذا كان من ذوي الشخصيات المنهارة أو العصابية.
وبدوره يلفت رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، إلى ضرورة التفريق بين انتحار الأطفال ما بين الخامسة والثالثة عشرة، وبين الأطفال المراهقين ما بعد الرابعة عشرة وحتى الثامنة عشرة، قائلاً إذا كانت دواعي إقدام الأطفال المراهقين على الانتحار، ترجع لأسباب نفسية واجتماعية، فإن الانتحار بالنسبة للأطفال ما دون الثالثة عشرة يعد أمراً غريباً على المجتمعات الإنسانية".
وفي الجانب الاجتماعي المفضي إلى انتحار الطفل، سجلت الأخصائية مريم العوفير، أن الطفل المنتحر أو الذي يحاول الانتحار ويفشل لخوفه أو عجزه عن تنفيذ خطته، أو لنجدته من طرف الآخرين، هو طفل يعلن صراحة رفضه للمجتمع الذي يؤويه.
وتورد العوفير في تصريح لـ"العربي الجديد" إنه حسب ملاحظاتها الاجتماعية فإن أغلب حالات انتحار الأطفال تعود إلى تشتت الأسرة، وطلاق الزوجين، مثل حالة الطفل أحمد، باعتبار أن الطلاق يثير لدى الطفل نوعاً من هواجس الفقدان الاجتماعي، وهشاشة نفسية قد يخفيها الطفل، ولا يعلمها غيره إلا بارتكابه فعل الانتحار للتخلص من آلامه.
وتضيف الخبيرة سبباً اجتماعياً آخر يتمثل أحياناً في رفض الطفل العيش في وسط وأسرة فقيرة، وهو ما حدث في واقعة انتحار طفل مدينة الجديدة، خاصة إن كان الطفل يرافق أطفالاً يتحدرون من أسر غنية أو أكثر راحة مادياً"، مشيرة إلى عامل آخر يتمثل في حالة الطفل الذي تخلى عنه والداه، أو الطفل الذي تم الاعتداء الجنسي عليه، حيث يسارع إلى التخلص من الآثام بحسب فهمه، بالإقدام على الانتحار.
وتثير المتحدثة مسألة أخرى تتعلق ليس بالأطفال المنتحرين، ولكن بظاهرة الأطفال الذين حاولوا الانتحار، فهؤلاء لا أحد يعلم عددهم لأنه من الطبيعي أن لا تعلن الأسرة خبر محاولة انتحار ابنها في الإعلام، ولا في مراكز الشرطة"، قائلة "عدد الأطفال الذين يفشلون في الانتحار أو حتى الذين فكروا فيه أكبر بكثير ممن ينهون حياتهم.
وفي هذا الصدد رفضت أسر حاول أطفالها الإقدام على الانتحار، الحديث لـ"العربي الجديد" عن الأسباب التي أفضت بهم إلى ذلك، واكتفت بالقول إن الأمر يتعلق بشغب أطفال أكثر من إرادة حقيقية في إنهاء حياتهم، بينما قال آخرون إن الأمر يتعلق بمحاولة الطفل إخافة عائلته من أجل تحقيق طلبات معينة".
المسؤول والحل
"المسؤولية تلقى على الدولة أساساً"، يقول الخضري، بالنظر إلى غياب الاهتمام بالطفل في السياسات العمومية المتبعة، إذ إن كثيراً من الأطفال هم ضحايا تعليم متردٍ، ودعم صحي ونفسي شبه منعدم، وضحية التشرد العائلي القسري".
وذهب الخضري إلى أنه على الرغم من اهتمام الدستور المغربي بحقوق الطفل، إلا أنه من جهة هناك إغفال لما هو معنوي لفائدة الطفل، ومن جهة أخرى، ثمة بون شاسع بين ما يقره الدستور من حقوق لفائدة الطفل، والممارسة على أرض الواقع"، مشدداً على أنه من أجل التصدي للظاهرة، ينبغي اعتبار الراحة النفسية حقاً أساسياً وحيوياً للطفل، وواجباً على كاهل الدولة ومؤسساتها صيانته، من أجل إبعاد الأطفال عن آثار الأزمات النفسية والاجتماعية التي قد تواجههم".
تحميل الدولة وحدها مسؤولية إقدام الأطفال على الانتحار لا يوافقه قجدار الذي بحسبه فإن المسؤولية تعود أساساً إلى المجتمع المحيط بالطفل، وخاصة مؤسسات التنشئة النفسية والاجتماعية، ممثلة في الأسرة والمدرسة، لما لهما من أدوار كبيرة وحاسمة في دفع هواجس الانتحار، والأمراض النفسية عن الأطفال".
واعتبرت أديب أن التربية المرتكزة على تفضيل الذكر على الأنثى، والتي وصفتها بالسلبية والخطيرة على توازن الأسرة والأطفال، تخلق كثيراً من نوازع العنف والإحباط داخل نفوس الفتيات، فيقدمن على الانتحار على الرغم من أن الفتاة تكون معروفة بخوفها من القيام بأفعال خطيرة مثل هذه".
ويتفق كل من قجدار والعوفير على أنه إن لم يتم التفكير بشأن القضاء على هذه الظاهرة في مهدها، فإنها قد تتطور وتتفاقم مستقبلاً، مشددين على ضرورة عناية الدولة بالأطفال، وخلق فرص وفضاءات لتفريغ شحناتهم النفسية وعلى دور الأسرة والمسجد والتلفاز في وقاية الأطفال من إنهاء حياتهم.