داخل سجن إصلاح وتأهيل بيتونيا في رام الله بالضفة الغربية، يقضي س.م 23 عاماً عقوبته بالحبس 3 أعوام بعد ضبطه من قبل الشرطة الفلسطينية وهو يروج المخدرات، بدايته في عالم الإدمان جاءت خلال عمله في مجال المواسير في الأراضي المحتلة قبل 4 أعوام. بدأ بالحشيش وانتهى مع مخدر الكوكايين، حياته صارت مؤلمة، عائلته تبرأت منه، فقد كل شيء.
ص. ر 27 عاماً التقيناه هو الآخر في سجن بيتونيا، يقول لـ"العربي الجديد":" كنت أذهب إلى الرام وأشتري الحشيش عن طريق رقم اسرائيلي "سيليكوم"، ألقي القبض علي بينما كنت أحضر "حبوب الاكستازي" المنتشرة في مناطق C بوفرة (مناطق تشكل 61% من مساحة الضفة الغربية وتقع تحت سيطرة قوات الاحتلال).
ق.ن 21 عاماً دخن الحشيش خلال رحلة في أريحا مع وفد أجنبي، اعتاد الحصول على الحشيش عن طريق صديق له من القدس، بعد مدة قصيرة ذهب الى أحد ورش البناء في اسرائيل، حيث كان يحصل على الحشيش عن طريق "معلمه" اليهودي، تطور الأمر حتى تعاطى "مادة القنب المهجن "الهايدرو" (مادة مكونة من عشبة يتم تهجينها وخلطها بمواد كيميائية، تدخل متعاطيها حالة من الهلوسة).
كيف يتم تهريب المخدرات إلى الضفة
حالات متعددة من الشباب الفلسطيني تم القبض عليها، يقضون عقوبتهم داخل سجن إصلاح وتأهيل بيتونيا، لكن الفارق بينهم وبين س.ب 47 عاماً أنه كان من أكبر تجار المخدرات في القدس حتى وقت قريب، يروي س.ب كيف كان يهرب المخدرات قائلا: "كنت أستقل سيارة تاكسي كي لا أثير الانتباه، على الرغم من أن وضع هذه المواد بسيارتي لا يسبب لي أية مشاكل قانونية، كوني من حملة الهوية الزرقاء واسرائيل تقوم بنشر المخدرات لتوقع الشباب في شرك التخابر، ولكن لكون سيارتي معروفة في المنطقة كنت أضع المخدرات في شنطة سيارة التاكسي الخلفية، وأقوم بتسليمها إلى مجموعة من الشباب المتعاطين سواء من رام الله أو من العيزرية".
يتابع "الطلب على الحشيش ومادة الهايدرو والمارغوانا، كان كثيرا، في حالات قليلة كان يطلب بعض الأشخاص مادة الكريستال ويقدر غرامها ب 300 شيكل".
فتش عن الاحتلال
من أين تأتي المخدرات المباعة في الضفة؟ يجيب مدير شرطة محافظة رام الله والبيرة العقيد عمر البزور أن "فلسطين دولة غير منتجة للمخدرات وجميع هذه الآفات تأتينا عن طريق الاحتلال، وتدخل لمناطق الضفة عن طريق بعض المتعاطين لهذه المادة، ويقومون بترويجها داخل المناطق الفلسطينية رغم وجود الحواجز الاسرائيلية وجدار الفصل العنصري".
يتابع قائلا لـ"العربي الجديد":"المناطق القريبة من القدس كالرام وحزما والعيزرية وأبو ديس وكفر عقب، والتي تسمى مناطق C، لا يوجد لنا سيطرة كاملة عليها ومعظم سكانها من حملة الهوية الزرقاء "الاسرائيلية" وبالتالي لا نستطيع محاكمتهم في المحاكم الفلسطينية، ويتم تسليمهم حسب اتفاق أوسلو للارتباط الفلسطيني ليقوم بتسليمهم إلى الجانب الاسرائيلي الذي يقوم بإطلاق سراحهم على الفور".
دور المستوطنين
يؤكد الناشط الشبابي محمد الطويل لـ "العربي الجديد" أن المستوطنين أصبحوا أكثر جرأة في ترويج المخدرات من ذي قبل، إذ يشعرون بالأمان والحماية في الضفة، ويقول "المستوطنون دخلوا على خط ترويج المخدرات، يستغلون دخولهم مدن الضفة للتبضع، خاصة من المدن الواقعة على الطرق الالتفافية كحزما وعناتا والعيزرية، ويقومون بإدخال المخدرات معهم".
ويتفق مدير مكافحة المخدرات في الشرطة الفلسطينية المقدم عبد الله عيلوي مع ما ذهب إليه الطويل، ويقول إنه:" رصدنا نشاطاً منظماً لعدة جهات تابعة للمستوطنين في مستوطنات الضفة الغربية تقوم وبالتعاون مع الجهات الأمنية في جيش الاحتلال بترويج المخدرات في المناطق الفلسطينية، إذ قامت الجهات الأمنية قبل عدة أسابيع بضبط مجموعة من المستوطنين تقوم بتهريب المخدرات والترويج لها في منطقة قلقيلية شمال الضفة الغربية، واعترف هؤلاء المستوطنون حينها بوجود رابط وثيق بين نشاطهم ومخططات لدى جيش الاحتلال باستهداف الشباب الفلسطيني بهذه الآفة".
وكانت دائرة مكافحة المخدرات في شرطة محافظة نابلس قد اعتقلت مجموعة من المستوطنين من مستوطنة "تفوح" يروجون المخدرات في قرية بيتا جنوبي نابلس وسلمتهم للشرطة الاسرائيلية بعدما تبين أنهم متخصصون بتوزيع المخدرات في منطقتي نابلس وأريحا بالضفة الغربية.
زيادة ملحوظة
يحذر مدير فرع مكافحة مخدرات رام الله والبيرة المقدم شحادة عامر من آفة المخدرات الآخذة في الازدياد وأن اسرائيل "معنية بانتشار ظاهرة المخدرات بين شبابنا لإبعادهم عن قضاياهم الوطنية"، مشيراً الى أنه في النصف الأول من 2014 تم تسجيل 139 قضية ضبط مخدرات في محافظة رام الله، وخلال أقل من شهر ضبط في محافظة طولكرم (3) مصانع لتصنيع مخدرات عالية السمية مثل الهيروين، وكان آخر تلك المصانع والمكتشف بتاريخ 9 يناير/كانون الثاني 2014 إذ إنه يعتبر الأكثر تطورا من الناحية التقنية في المنطقة، والأكبر والأضخم من حيث التكلفة، وأقر المدانون السبعة في القضية بارتباطهم بالمافيا الإسرائيلية.
ووفق ما أظهرته الاحصائيات التفصيلية الصادرة عن الادارة العامة لمكافحة المخدرات للسنوات الـ 4 الماضية، بلغ عدد القضايا المبلغ عنها في عام 2010 528 وتم ضبط 628 حالة، أما في عام 2011 فبلغ عدد القضايا 587 قضية، ضبطت 667 حالة، فيما سجل عام 2012 أكثر من 582 قضية، وبلغ عدد المضبوطين 681، وشهد عام 2013 ازدياداً ملحوظاً حيث وصل عدد القضايا المسجلة إإلى 800 حالة، قبض على 980 شخصاً من متعاطي ومروجي المخدرات.
أنواع المخدرات
يحدد المقدم عامر أنواع المواد المخدرة التي يتم ضبطها في الضفة، قائلا "أبرزها الهيروين والكوكايين، ومادة الكريستال وهي مادة نقية وباهظة الثمن وتؤثر على الذاكره والجسم بشكل كبير وعند انقطاعها عن الشخص المدمن يفقد وعيه ويتصرف تصرفات غير طبيعية، والمارغوانا تزرع نبتة وتكون نسبة المخدر في عرانيسها، والقنب المهجن"الهايدرو" وهي مادة مسموحة في اسرائيل للأشخاص المدمنين وبوصفات طبية ويتم تهجينها وخلطها بمواد كيميائية، وتشبه من حيث الشكل ورقة الملوخية أو الشاي الأخضر، وحبوب الاكستازي وموجودة بكثرة في جميع المناطق، وحبوب يطلق عليها اسم "الرحلة" حيت تُفقد الانسان وعيه لمدة 6 شهور وأكثر، وهناك أوراق على شكل طابع تطبع على الجهاز العصبي وتفقد الانسان وعيه وتدخله بحالة هلوسة".
55 ألف مدمن في الضفة والقدس
يؤكد مدير صحة رام الله د.خالد القادري لـ "العربي الجديد" أنه وبحسب آخر إحصائية صادرة عن وزارة الصحة والمتعلقة بمتعاطي المخدرات، فإن هنا ما يزيد عن 55 ألف متعاطٍ للمخدرات في الضفة الغربية والقدس، وأن العدد آخذ في الازدياد".
يضيف القادري: "خلال السنوات الـ 4 الماضية سجلت 120 حالة وفاة نتيجة قيام أشخاص بأخذ جرعات زائدة من المخدرات".
راتب المتعاطين في إسرائيل
يكشف ممثل مؤسسات المجتمع المدني في اللجنة الوطنية العليا لمكافحة المخدرات د.عصام جويحان أن القوانين الاسرائيلية تشجع بطريقة غير مباشرة على تعاطي المخدرات، من خلال القانون الذي يسمح بمنح مخصصات شهرية لمدمني المخدرات، قائلا لـ"العربي الجديد" القانون وإن كان يطبق على الاسرائيليين، فانه في ما يتعلق بالمقدسيين يختلف، وهو أكثر قسوة ومكراً، فوفقاً للقانون الاسرائيلي هناك لجنة فحص واذا ما ثبت لهذه اللجنة أن الشخص تناول الهيروين لمدة 3 أيام متواصلة فانها تقرر صرف راتب شهري بمعدل 2000 شيكل (507 دولارات أميركية) للأعزب، و4000 شيكل (1000 دولار أميركي) للمتزوج".
ويوضح جويحان أن الفارق بين تطبيق هذا القانون على الاسرائيليين وبين تطبيقه على المقدسيين، أن في اسرائيل يمنحون هذا الراتب لكل من يثبت عليه الادمان حتى لو كان على الكحول، أو على أي نوع من المخدرات، أما في ما يتعلق بالفلسطينيين في القدس الشرقية فلا يمنح هذا الراتب الا للمدمنين على الهيروين، ويعتقد بعض الشباب أن هذه طريقة سهلة للحصول على المال من دون عمل ولا يعلمون أن ثلاثة أضعاف المبلغ لا تكفي المتعاطي وبخاصة لمادتي "الهيروين والكوكايين".
قوانين غير رادعة
يؤكد أستاذ القانون الدولي د.عبد الله نجاجرة أن القانون الوحيد الذي تناول موضوع المخدرات جاء تحت عنوان "أمر بشأن العقاقير الخطرة" وهو عبارة عن أمر عسكري ساري المفعول رقم 558 لسنة 1975 حيث حل هذا الأمر العسكري مكان قانون "العقاقير الخطرة الأردني" رقم (10) لسنة 1955.
يتابع نجاجرة":"الغاية المرجوة من قوانين المخدرات، والتي تقتضي أن تكون متطورة وحديثة وتشمل جميع أنواع المخدرات، غائبة عن هذا القانون، خاصة أنه وفي ظل التقدم العلمي والتكنولوجي ظهرت أنواع جديدة من المخدرات التي لم تكن معروفة سابقا والتي لا يشملها الأمر العسكري المذكور الأمر الذي يخرجها من دائرة التجريم".
ويضيف أن "تجريم استعمال أو التعامل بالمواد المخدرة يستند بشكل أساسي إلى وجود نص قانوني واضح وصريح، ونتيجة لعدم وجود قانون فلسطيني رادع، يخرج معظم المتورطين في قصص المخدرات بكفالة مالية بعد فترة قصيرة".