"سأخاطب حكومتي اليونان وإيطاليا ليبيعوا لي جزيرة يكون سعرها بين 10 ملايين و100 مليون دولار. سوف أعلن استقلالها وأستقبل اللاجئين، وأوفر وظائف لهم، وستكون هناك مساكن مؤقتة لإيواء الناس، ثم نبدأ تشغيل الناس وبناء منازل ومدارس وجامعات ومستشفيات".
عند قراءة المقتطفات السابقة من حديث الملياردير المصري، نجيب سويرس، على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي، "تويتر"، لا بد أن تنتابك قشعريرة من فرط الإنسانية فيها، وتشعر أنها صادرة عن واحد ممن أفنوا حياتهم في خدمة الفقراء والمعدمين، لكن ظنك سيخيب، بعد قراءة هذه السطور.
إذا أردت أن تصلح العالم فابدأ بنفسك
من أكثر المضحكات المبكيات في الوسط الصحافي والإعلامي في مصر، أن عددا لا بأس به ممن يعملون في المؤسسات الصحافية التي تتبع الملياردير نجيب، يُعانون عادة من مشاكل مالية ومادية وخصوصاً صغار الصحافيين والعاملين، بداية من الراتب الضئيل الذي يتقاضاه بعض الصحافيين في مؤسساته الصحافية، والذي يتراوح بين 600 جنيه (77 دولاراً أميركيّاً) : 1200 جنيه (150 دولاراً أميركيّاً) للصحافي نظير عمله شهريا، وهو ما لا يكاد يغطي تكلفة سكن مشترك في إحدى الشقق في عشوائيات مصر، إلى جانب تأخر الراتب شهرياً والذي يصل أحياناً إلى 10 أيام، وفق شهادة خاصة أدلى بها العديد من الصحافيين من العاملين في عدد من الجرائد والمواقع التي يمتلكها أو يشارك فيها سويرس.
لا يختلف الحال كثيرا لمَن يعملون في قناتي سويرس الفضائيتين المعروفتين بـ (أون تي في) و(أون تي في لايف)، والذين تتأخر رواتبهم بطريقة مهينة ومحزنة، تصل في بعض الأحيان إلى 5 أشهر وعدم دفع الرواتب في بعض الأحيان لمن يتركون العمل هرباً من المعاملة المذلة، أو من يتم فصلهم تعسفياً في إحدى المجازر التي طاولت العشرات من الصحافيين والإعلاميين والعاملين والموظفين في مؤسساته، والذين يتم قطع أرزاقهم دون تعويض ودون الحصول على رواتبهم المتأخرة، ورغم ذلك اشترى سويرس مؤسسة إعلامية كبيرة مؤخراً، هي مجموعة قنوات يورونيوز بمبلغ 35 مليون دولار، أي ما يعادل 273 مليون جنيه، دون الالتفات إلى مؤسساته القائمة بالفعل وحقوق العاملين فيها، والتي لا تمثل إلا مقداراً بسيطاً لا يتناسب مع ضخامة هذا المبلغ.
واقعة أخرى تسببت في تشريد 20 صحافياً من مؤسسات إعلامية أخرى، بعد عملهم مع سويرس عندما قرر تأسيس مجلة إلكترونية متخصصة في الصحافة الاستقصائية، وبعد أن اتفق معهم على ترك أعمالهم ووظائفهم في المؤسسات التي يعملون بها، أغلق المجلة بعد شهرين من العمل، فيما لم يستطيع أغلبهم الالتحاق بعمل آخر حتى الآن، مع تعويض ضئيل لكل منهم تمثل في مكافأة بقيمة راتب شهرين، وهو ما لا يجبر ضررهم بقطع أرزاقهم بالطبع، على حد قول أحد مؤسسي الموقع لـ"العربي الجديد".
اقرأ أيضاً: إجبار مدنيين على التعاون مع الشرطة المصرية..القتل يلاحقهم
معاناة في أوراسكوم
يروي أحد العاملين السابقين في شركة أوراسكوم للإنشاءات، التي يملكها الملياردير الباكي على حال اللاجئين السورييين، شهادة خاصة لي، عن مصرع 5 من العمال بالشركة قبل ثورة 25 يناير، إذ لقي العمال حتفهم أثناء العمل في المواقع والمباني، منهم من مات في بئر أحد المصاعد المتحركة، واثنان آخران وقعا من أدوار عليا أثناء عملهما، وآخر مات نتيجة الصعق بالكهرباء أثناء عمله، وآخر وقعت عليه إحدى المعدات وهو يعمل، ولكن لم يتم إثبات وفاة أي منهم كحالة وفاة أثناء أو نتيجة العمل، فيما تم تغيير أسباب وفاتهم ونسبتها لأخرى بعيدة عن العمل عن طريق وساطات كبرى، هددت أهالي هؤلاء العمال بحبسهم إذا قاموا بالإبلاغ أو الحديث عن الأمر وتحميلهم مبالغ كبيرة، قيل لهم إن ذويهم قد تسببوا في ضياعها نتيجة إهمالهم، وعليه فقد تمت سرقة حقوقهم من تعويضات ومعاشات، كما يؤكد العامل في تصريحاته.
التشدق بالثورة ومبادئها
حديث الملياردير المتكرر والدائم عن إيمانه بحرية الرأي ودعم الثورة، بَدَّدَتْهُ مواقفه المتتابعة منذ بداية الثورة من تأييد لمبارك، ومن ثم المساهمة في كتم أي صوت أو وجه محسوب على الثورة في عهد السيسي، وذلك إما طواعية منه، أو تنفيذاً لأوامر الجهات السيادية مثل ما حدث مع برنامج "جمع مؤنث سالم"، الذي تقدمه المذيعة، ريم ماجد، المحسوبة على ثورة 25 يناير بالرغم من كونه برنامجاً اجتماعياً لا علاقة له بالسياسة.
المال السياسي
بعد خلع مبارك أصبحت السياسة في مصر ملعباً مفتوحا لرجال الأعمال، إذ يتم استخدام المال السياسي بطريقة غير مسبوقة، ومن بين أهم اللاعبين في ملعب السياسة بماله، نجيب سويرس، الذي يمكن وصف أدائه بأنه غريب الأطوار يكشف إلى أي مدى يهدف إلى تحقيق مكاسب ذاتية، حتى لو تم تخريب الحياة السياسية نفسها، وعلى الرغم من أنه كان الممول الرئيسي لحزب الجبهة قبل الثورة، وتأسيسه حزباً آخر بعدها هو حزب المصريين الأحرار، إلا أنه قام بإنفاق مئات الآلاف من الدولارات على تيارات سياسية أخرى مثل دفعه مبلغ مليون دولار لعدد من قيادات الجهاديين لإنشاء حزب لهم عن طريق سعد الدين إبراهيم مدير مركز ابن خلدون، وفق ما قاله محمد أبو سمرة القيادي الجهادي، وهو ما يتنافى مع رفضه وتظاهره بالحرب على الأحزاب الدينية، كما أنه قام بدفع مبلغ 18 ألف دولار للحملة الانتخابية لجميلة إسماعيل بالرغم من أنها كانت مرشحة أمام أحد أهم مرشحي حزبه، وهو محمد أبو حامد، قبل أن تقوم جميلة بردِّها إليه، ثم قام مؤخراً بضم العديد من المرشحين إلى مجلس الشعب المنتظر، من بينهم 100 عضو من أعضاء الحزب الوطني المنحل وفق ما قاله هو نفسه في حواره مع الإعلامي، خالد صلاح، على قناة النهار، متحدثا في ذات الحوار على أنه لا توجد انتخابات بلا دفع أموال.
وعلى الرغم من ادعائه المتكرر بالدفاع عن الديمقراطية والحرية، وأنه يحمل مشعل الليبرالية كتوجه سياسي واقتصادي وتبرير بعض تصرفاته السياسية بدفاعه ودعمه للديمقراطية والحريات، نجد أن سويرس أحد رجال الأعمال القليلين في العالم، الذين قرروا الاستثمار في كوريا الشمالية بمبالغ طائلة، تمثل دعماً لنظام يضرب العالم به المثل في القمع ومصادرة الحريات والقضاء على الديمقراطية، إذ تشارك شركته أوراسكوم تليكوم مؤسسة البريد والاتصالات الكورية الشمالية في مشروع في أكبر شبكة للاتصالات هناك، وتمتلك في الشبكة أوراسكوم نسبة 75%، ولكن الغريب في الأمر أنه وبوجهة نظر رأسمالية بحتة، يُعد هذا استثماراً محكوماً عليه بالخسارة، إذ إن النظام الاقتصادي لكوريا الشمالية يمنع تحويل الأرباح لخارجها وفق ما يقوله المفكر والخبير الاقتصادي، رضا عيسى، لـ"العربي الجديد"، ما يطرح سؤالا عن جدوى هذه الاستثمارات، إضافة إلى ما نشر عن استثماره في الكيان الصهيوني وهو ما يطيح بكل كلامه عن دعم الحرية أو العدالة.
اقرأ أيضاً: إمبراطورية الجيش المصري.. كيف توسّعت القدرات المالية بعد الانقلاب؟
تاريخ أسود
بالعودة إلى الوراء قليلاً، وبالضبط في يوم 22 مايو/أيار 2001، تقدم النائب المستقل، كمال أحمد، عضو مجلس الشعب باستجواب حول قضية بيع شركة موبينيل لنجيب سويرس وشركاه بما يشبه الأمر المباشر.
كان هذا الإستجواب واحدا من ضمن 3 استجوابات شارك فيها 6 من النواب على مدار عدة سنوات، لم يسمح نواب الحزب الوطني باستكمال أيٍّ منها، إذ طاولت العديد من رموز النظام كان أشهرهم طلعت حماد، وزير شؤون مجلس الوزراء، وسامح الترجمان، رئيس البورصة، بعد أن فجر النائب قصة الصفقة التي أثمرت عن بيع رخصة شركة التليفون المحمول الأولى في مصر، والتي كانت تمتلكها وتقوم بتشغيلها الحكومة، إلا أن توجه حكومة عاطف عبيد ببيع ممتلكات الدولة عبر خطط الخصخصة، أثمر عن بيعها بمبلغ مليار و755 مليون جنيه، وذلك بعد أن قام نجيب بتأسيس شركة "أوراسكوم تليكوم"، كشركة متخصصة في أعمال الاتصالات، ثم قام بالتحالف مع شركتي "فرانس تليكوم" الفرنسية، و"موتورولا" الأميركية، للاستحواذ على الشركة الواعدة، ثم قام بعد ذلك باستخدام علاقاته مع الحكومة بالضغط على ملاك أسهم الشركة من البنوك وهيئة التأمينات لشراء أسهمهم بأسعار بخسة، وفق ما قالته ميرفت التلاوي، وزيرة التأمينات الاجتماعية، وبالفعل تم شراء الأسهم بسعر فعلي وصل إلى 260 قرشا للسهم، بعد ذلك قام رئيس الوزراء، كمال الجنزوري، باستخدام سلطاته للضغط على البورصة لقيد الشركة بالمخالفة للقانون الذي اشترط مرور عامين على إنشاء الشركة ونشر ميزانيتها قبل قيدها، ليقفز السهم الذي اشتراه نجيب بمبلغ 260 قرشاً إلى 26 جنيهاً في ثاني يوم لتداوله، ويستمر في القفز داخل البورصة إلى أن وصل إلى 180 جنيهاً عام 2000، وقد أعلن النائب، سيف محمود، في عام 2002 في استجوابه أن ساويرس ربح 5 مليارات جنيه إضافة إلى 770 مليون جنيه اقترضها من البنوك، مقابل مليار و200 مليون دفعها لشراء الرخصة.
فضيحة أخرى فجرها النائب، محمد البدرشيني، والذي كشف عن لقاء تم بين الوزير طلعت حماد، وزير شؤون مجلس الوزراء، وشخص آخر يدعى، بيل مارتن، جاء إلى مصر كممثل لإحدى شركات الاتصالات الأميركية للمنافسة على الصفقة ذاتها.
يقول البدرشيني إن "مارتن" قدم خطابا إلى وزيرة الخارجية تضمن السعر الذي كان معروضاً من شركته، والذي كان يزيد عما دفعه نجيب بمبلغ 600 مليون دولار، واصفاً فيه المناقصة بالصورية، وهو ما برره أحمد نظيف، وزير الاتصالات وقتها، بأن الشركة الأميركية المشار إليها قد تكون شركة تافهة، مما دفع البدرشيني بالاشتراك مع 34 نائباً آخرين بطلب تحويل الاستجواب إلى لجنة تقصي حقائق، إلا أن طلبهم قوبل بالرفض من قبل رئيس المجلس، لتطوى صفحة الصفقة مع صفحات أخرى كثيرة من عصر مبارك المتخم بالفساد.
كل هذه الملفات وقضايا أخرى كثيرة، من بينها اتهامات موجهة له بزيادة معاناة أهالي منطقة مثلث ماسبيرو، والضغط عليهم لترك منازلهم، والمماطلة في دفع الضرائب المستحقة عليه، تكشف الوجه الحقيقي لنجيب سويرس وتوجه سؤالاً صريحاً له، وماذا عن اللاجئين المصريين المتضررين منك؟.
-------
اقرأ أيضاً:
كل الطرق لم تكن تؤدي إلى 3 يوليو