من داخل مقر جهاز الأمن الوطني المصري، خرج وزير الداخلية، اللواء مجدي عبد الغفار، في مؤتمر صحافي لتوضيح ما أسفر عنه البحث في قضية مقتل الطالب الإيطالي، جوليو ريجيني.
خلال المؤتمر قال الوزير المصري إن أجهزة الأمن المصرية تبذل جهودا مكثفة، لكشف الغموض الذي أحاط بهذه الجريمة، رافضاً الاتهامات الإعلامية التي تزعم أن قوات الأمن وراء تعذيبه وقتله، وأن تلك الاتهامات أصابت أجهزة الأمن بالانزعاج والإحباط، موضحاً أن تلك الأجهزة لم يسبق أن نُسب إليها أمر كهذا، وأن التعذيب ليس من سياسة الأمن المصري، ولم يثبُت أن انتهجت مثل هذه السياسة على هذا النحو من قبل، على حد قوله.
اقرأ أيضاً: التطبيع في زمن السيسي.. 4 مظاهر تعكس حميمية العلاقات
ما الذي تعرض له جوليو؟
"إن تشريح جثمان جوليو أظهر لنا شيئاً لا إنسانياً.. لقد تعرض الشاب إلى عنف حيواني". الجملة السابقة تختصر تعليق أنجلينو ألفانو، وزير الداخلية الإيطالي، على نتيجة تشريح جثمان جوليو، إذ أظهرت تقارير الطب الشرعي المصري والإيطالي لتشريح جثمان جوليو، أنه قد تعرض لتعذيب مستمر لمدة تراوحت بين 7 إلى 8 أيام، على يد خبراء متخصصين في التعذيب، قاموا بتوثيقه من يديه وتكسير سبعة ضلوع من قفصه الصدري، ونزع أظافره، وتكسير أصابعه، وقطع أذنه، وإطفاء السجائر في أماكن حساسة من جسده، وجرحه جروحاً قطعية بشفرة حادة تُشبه شفرات الحلاقة، وضربه بعصا أحدثت له كدمات متفرقة، وركله ولكمه، وإدخال عصا خشبية في منطقة حساسة من جسده، وحرقه بمصدر للنار، وضربه بآلة حادة على مؤخرة رأسه أحدثت نزيفاً بالمخ، وصعقه بالكهرباء في العضو الذكري، وضربه بقوة على رقبته أدى إلى كسر إحدى فقرات العنق، والتي أدت إلى وفاته نهائيّاً.
يقول مصدران في النيابة العامة إن طبيبا شرعيا مصريا أبلغ المحققين أن التشريح، الذي أجراه لجثة الطالب الإيطالي القتيل، جوليو ريجيني، أظهر أنه تعرض للاستجواب على مدى فترة تصل إلى سبعة أيام قبل قتله. ووفقا لما كشفه موقع وكالة رويترز في تقرير منشور بالأمس، فإن ما كشف عنه الطبيب يعد أقوى مؤشر حتى الآن على أن ريجيني قُتل على أيدي بعض رجال أجهزة الأمن المصرية، لأنه يشير إلى أساليب في الاستجواب تقول جماعات حقوقية إنها طابع مميز للأجهزة الأمنية، مثل الحرق بالسجائر وعلى فترات متباعدة على مدى عدة أيام.
بصمة الأمن المصري
يقول وزير الداخلية المصري إن جهاز الأمن المصري لم يسبق أن نسب إليه وقائع تعذيب، كالتي تعرض لها الطالب الإيطالي. فما الحقيقة؟
في يوم 12 ديسمبر/كانون الأول عام 2015، قضت محكمة جنايات القاهرة على كل من عمر محمود عمر ومحمد الأنور محمدين، ضابطي الأمن الوطني، بالسجن 5 أعوام، لاتهامهما بتعذيب وقتل المحامي كريم حمدي، والذي دخل قسم شرطة المطرية يوم 22 فبراير/شباط 2015، مُتهما بالانتماء إلى جماعة محظورة، وخرج منه بعد يومين اثنين جثة مُقطعة.
اقرأ أيضاً: القيصر والغازي.. بوتين وأردوغان يعيدان صراع الماضي
ما الذي تعرض له كريم حمدي؟
أظهر تقرير الطب الشرعي لتشريح جثمان كريم وجود احمرار في المعصمين نتيجة توثيقه من يديه، وضربه بآلة حادة أدت إلى نزيف بتجويف الصدر وتهتك بالرئة وكسر بالأضلاع، وضرب أدى إلى نزيف في القلب، وكذلك نزيف في الخصية، ووجود كدمات بالرقبة من الأمام وإصابة بالعنق من المنتصف، وتورم نتيجة وخز إبر في القضيب وكيس الصفن، وكدمة في منتصف عظمة الأنف، وكدمة أسفل يسار الشفة السفلى، بجانب عدة كسور وكدمات وإطفاء سجائر في جسده، بجانب سجل طويل جداً من الإصابات، وهو ما يشبه ما تعرض له الطالب الإيطالي في القاهرة.
سجل حافل
لم تكن حادثة قتل المحامي، كريم حمدي، على يد ضابطين داخل قسم الشرطة، المرة الوحيدة التي يتورط فيها رجال الأمن في عمليات قتل وتعذيب داخل مقرات الإحتجاز الشرطية والسجون، إذ إن قسم المطرية، على سبيل المثال، يتمتع بسمعة في طول مصر وعرضها، لكثرة حالات القتل تعذيبا على يد رجال الشرطة، من بين هؤلاء المواطن عزت عبد الفتاح سليمان الغرباوي، والذي دخل القسم على خلفية مُشاجرة مع أحد جيرانه، وخرج منه جثة بلسان مقسوم نصفين، وجزء منه مقطوع، و9 أضلع مكسورة، مع آثار إطفاء سجائر في كل منطقة فيها وصل عددها إلى 40 موضعاً، وبعين تم خزقها وإخراج النن منها، ومُخلعة الأظافر من الجذور، وفك الأسنان مكسور، وعظام القدم شبه مفتتة، كما كشفت تقارير تشريح الجثمان.
هناك أيضاً عماد أحمد محمد العطار، والذي خرج أيضاً من نفس قسم الشرطة جثة مشوهة من أثر الصعق بالكهرباء عشرات المرات بكيس الصفن والخصيتين والعضو الذكري، والقدم اليسرى، ومكسر الأضلع، فيما امتلأ جسده بآثار ضرب بآلة حادة، كما ظهرت على جثته آثار الكدمات الشديدة.
ليس العطار وحده ممن عانى من وحشية التعذيب، إذ إن كثيرين يحملون نفس بصمة وطريقة أفراد الأمن المدانين بالتعذيب على أجسادهم، من تكسير في الضلوع وصعق بالكهرباء في أماكن حساسة وإطفاء للسجائر في أماكن متفرقة من الجسد، وحتى الضرب المُميت.
ولا يعد قسم المطرية المقر الأمني الوحيد الذي يتبع نفس الأسلوب، إذ قضت محكمة جنايات طنطا على معاون مباحث قسم طنطا وأمين شرطة معه بالسجن المؤبد، لتعذيب السجينين إسماعيل عبد الحميد، وياسر الملاح، بأساليب وحشية تضمنت أيضاً تكسير الضلوع والصعق بالكهرباء والركلات واللكمات.
وفي جنوب مصر، هناك الشهيد طلعت شبيب، ابن محافظة الأقصر، والذي يُحاكم حالياً مجموعة من الضباط بتهمة تعذيبه وقتله داخل قسم شرطة الأقصر، والذي أثبت الطب الشرعي تعرضه لضرب مبرح في كامل أجزاء جسده، وضربة في العنق والظهر أدت الي كسر في الفقرات، مما نتج عنه قطع في الحبل الشوكي، والذي أدى إلى وفاته.
اقرأ أيضاً: بطولات السيسي الوهمية.. صناعة المجد الزائف
سياسة الأمن المصري
يقول وزير الداخلية المصري في ذات المؤتمر الصحافي، من داخل أهم مقر للتعذيب في مصر (جهاز الأمن الوطني):"التعذيب ليس من سياسة الأمن المصري، ولم يثبُت أن انتهجنا مثل هذه السياسة على هذا النحو من قبل"، فما الحقيقة؟
تفيد خلاصة عدة تقارير حقوقية مصرية، صدرت خلال الفترة من 30 يونيو/حزيران حتى الآن، وعلى رأسها مركز النديم لتأهيل ضحايا التعذيب، أن مصر عرفت على مدار تاريخها أساليب تعذيب وحشية، إلا أنه ومنذ 30 من يونيو/حزيران 2013، أصبح الأمن المصري متوحشاً بشكل غير معقول وغير مسبوق، نتيجة غياب الرقابة والمحاسبة على أفراده وضباطه، مما أدى إلى استفحال ظاهرة التعذيب في كل ركن من أماكن الاحتجاز، حتى صارت لهم بصمة في التعذيب لا يُخطئها أحد في مصر، تتضمن تكسير عظام الضحايا، وصعقهم بالكهرباء في أماكن حساسة، وتخليع الأظافر وإطفاء السجائر في الأجساد.
ووفقا لما رصده مركز النديم منذ الثلاثين من يونيو/حزيران من عام 2013 مروراً بتولي السيسي رئاسة الجمهورية، وحتى يومنا هذا، فإن مئات الضحايا، قضوا تحت أيدي جلادي الشرطة المصرية، والذين فضحتهم خصوصية أساليب تعذيبهم البادية على جثة الطالب الإيطالي، جوليو ريجيني.