شهدت تونس 193 تحرّكاً احتجاجياً ذا طابع اقتصادي ونقابي في شهر آذار/ مارس الماضي بحسب النشرة الشهرية الصادرة عن المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية. رقم يعكس حجم الاحتقان الذي يسود الساحة النقابية والعمالية التونسية جراء التدهور المتواصل لأوضاع الشغيلة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي. لا شك أن الوضع في تونس ليس استثناء، بل امتداداً لمعاناة حقيقية يعيشها مئات الآلاف من العمال على امتداد العالم العربي. هذه الفئة التي تحتفل اليوم بعيدها العالمي، لم تشفع لها لا الحكومات الاشتراكية ولا الليبرالية، ولا الرهان على تجارب التصنيع أو التعصير، فقد كانوا هم المُسقطين عن الحسابات وأول من دفع فشل تلك التجارب والسياسات.
سواعد الوطن الهزيلة
الجميع يلقي المسؤولية على العمال، فيعود تراجع الاستثمارات وإغلاق المؤسسات وضعف أداء الاقتصاد التونسي إلى التحركات الاحتجاجية ومطالبة الشغيلة بحقوقهم المهنية. فيما يغمض آخرون أعينهم عن حقيقة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة لهذه الفئة. يؤكد الباحث الاقتصادي عماد بن سليمان أن وضعية العمال في تونس بلغت مستوى كارثياً على مختلف الأصعدة.
ويقول: "إن حالة من التردي الاقتصادي الذي تعرفه تونس منذ خمس سنوات أدى إلى ارتفاع نسبة التضخم بشكل محسوس، وارتفاع الأسعار وتدهور القدرة الشرائية، فقد بلغت نسبة التضخم خلال شهر مارس/ آذار 2016 نسبة 5.2 %". ليستطرد: "يبقى هذا الرقم عامّاً ولا يعكس بشكل واضح حدة الأزمة وتأثيرها على حياة المواطنين والعمال بالأخص، حيث تختلف النسبة من قطاع إلى آخر ومن منتج إلى آخر، فقد شهدت الأسعار ارتفاعاً كبيراً خاصة أسعار المواد الغذائية والمشروبات التي ارتفعت بنسبة 7.8% على مدى عام، بين أكتوبر/ تشرين الأول 2014 وأكتوبر/ تشرين الثاني 2015، وقد فسر المعهد الوطني للإحصاء نسبة التضخم، بارتفاع أسعار اللحوم 9.3% والزيوت الغذائية 23.5% والمشروبات %5". وتطورت أيضاً أسعار الثياب والأحذية والأقمشة بنسبة 4.4%، علماً أن نسبة الانزلاق السنوي للمواد الغذائية بلغت 9.3%.
كما ارتفعت أسعار خدمات النقل العمومي بنسبة 5.6%، وكذلك أسعار السيارات بنسبة 5%، وعرف مؤشر مجموعة السكن والطاقة المنزلية بدوره خلال ديسمبر/ كانون الأول 2013 زيادة بنسبة 5.1% مقارنة بأكتوبر/ تشرين الأول 2012 نتيجة ارتفاع أسعار الكهرباء والغاز والوقود 4.8%، وأسعار الإيجار 5.2%، وسجل مؤشر أسعار الاستهلاك العائلي زيادة بنسبة 0.9% خلال شهر ديسمبر/ كانون الأول 2015.
ويشير الباحث بن سليمان إلى أن نسق ارتفاع الأجور كان دون المطلوب لإحداث التوازن بين القدرة الشرائية للمواطن وارتفاع الأسعار، وهنا تكمن أهم أسباب التحركات الاحتجاجية في مختلف القطاعات. إذ أنّ المؤسسات الخاصة والعامة وفق بن سليمان، لم تستطيع مجاراة التغيرات الحاصلة في السوق الاستهلاكية على صعيد الأجور الممنوحة، ما خلق عجزا أمام العمال الذين لم يعد بإمكانهم تغطية استهلاكهم اليوميّ ونفقاتهم الاعتيادية من أكل وملبس وسكن ونقّل، خصوصاً وأن الحد الأدنى للأجور بالنسبة لهذه الفئة يتراوح بين 130 دولاراً و250 دولاراً كحد أقصى. أما الزيادات في الأجور، فلم تتعد سقف 6% وفق الاتفاقية المبرمة في سنة 2015 بين الحكومة والقطاع الخاص من جهة، والاتحاد العام التونسي للشغل من جهة أخرى.
ويؤكد بن سليمان أن حالة الاحتقان وتضاعف التحركات الاحتجاجية العمالية، ساهما في نهاية المطاف إلى تراجع مؤشر الإنتاج الصناعي 0.9% سنة 2015، إضافة إلى تراجع الاستثمار الخاص بنسبة 4% خلال الفترة نفسها. ليدفع الجميع دون استثناء ثمن تجاهل أصحاب المصانع والدولة لحق العمال في منظومة قانونية تحميهم وتضمن لهم العيش الكريم.
سياسات ارتجالية
يؤكد الخبير الاقتصادي مالك سراي أن تجربة التصنيع الثقيل التي خاضتها الجزائر أواسط سبعينيات القرن الماضي أفرزت واقعاً مزرياً للطبقة العاملة نتيجة السياسة الارتجالية، وغياب أرضية حقيقية لتكوين طبقة عاملة حقيقية تتمتع بحقوقها الاقتصادية والاجتماعية.
ويقول: "إن تاريخ الأول من شهر أيار/مايو، لم يعد يعني للعمال شيئاً، كون الحياة المعيشية باتت أصعب وذلك نظراً تدني القدرة الشرائية، خاصة مع الارتفاع الصارخ الذي تعرفه السلع والتي لا تتناسب مع الراتب الذي يتقاضاه العامل البسيط".
اقــرأ أيضاً
ويضيف سراي: "إن مستوى أجور العمال في الجزائر، لا يتطابق مع تكاليف المعيشة الغالية، حيث يبلغ الحد الأدنى للأجور 120 دولاراً شهرياً، في ظلّ نسبة تضخم عامة سنوية تناهز 5%، كما ارتفعت أسعار السلع الغذائية بنسبة 12% والمنتجات الغذائية الصناعية 4%، وارتفعت المواد المصنعة بنسبة 6% والخدمات بنسبة 5%. بالإضافة إلى أن الطبقة العمالية تأثرت من الحالة المزرية التي تعرفها سوق العمل في البلاد رغم الطفرة المالية التي عرفتها الجزائر في السنوات الماضية نتيجة ارتفاع أسعار الغاز والنفط، ويعود ذلك أساساً إلى بنية الاقتصاد الجزائري الذي يرتكز على أحادية التصدير. وهو الأمر الذي حد من قدرة القطاع العام على مواجهة تحديات الاقتصاد العالمي بمعايير الجودة واستخدام العلم والتكنولوجيا. وبفعل هذا، تقلصت قدرته على توسيع فرص العمل لامتصاص البطالة، لينعكس الأمر على وضع العمال.
أما في القطاع الخاص، فقد تقلصت حقوق العمال بشكل خطير، حيث "أصبحت النقابات التي أسسها النظام درعاً له لا هيكلاً مدافعاً عن العمال". كما تعمد الدولة إلى عدم الترخيص للنقابات المستقلة للدفاع عن حقوقهم رغم موقف النقابة الرسمية المؤيدة للسياسة الحكومية والتي أصبحت بوقا للنظام ونفرت الطبقة الشغيلة منها.
المعضلة الأخرى التي يعاني منها العمال في الجزائر، تكمن في التشغيل الهش، حيث يعمل أكثر من 21% من عمال الجزائر خارج الأطر القانونية المنظمة لعلاقة المشغل بالشغيل، أي دون عقود أو ضمانات صحية واجتماعية، وهو ما يخلف كوارث اجتماعية حقيقية إذا ما أصيب العامل أو تم طرده، حيث لا يجد إثباتات تدين المشغل وتمكنه من نيل التعويضات التي يستحقها.
كما لا تختلف الأوضاع كثيراً في المغرب، حيث يشير الخبير سراي إلى أن الحد الأدنى للأجور لا يتجاوز 180 دولاراً رغم مئات التحركات العمالية والمواجهات الدامية مع أرباب العمل المدعومين من الحكومة، وهو أمر بالغ الخطورة.
أو في الأردن، فالحال ليس أفضل، إذ يتقاضى 60% من العمال أجراً يقل عن 350 دولاراً حسب التقرير الصادر عن مركز الدراسات الاقتصادية الأردنية، وهو مبلغ لا يكفي لسد الحاجات الأساسية.
ويختم قائلاً "إن أوضاع العمال في الدول العربية التي حاولت أن تخوض تجارب التصنيع الثقيل تعتبر مأساوية، إذ تم تحميل العمال ارتدادات الفشل سواء عبر احالتهم إلى البطالة، أو الضغط على الأجور أو تجاهل حقوقهم الأساسية كالضمان الصحي والاجتماعي وساعات العمل ومنح الإنتاجية وغيرها، إضافة إلى اتخاذ إجراءات غير محسوبة على غرار رفع أسعار المواد الاستهلاكية والطاقة دون مراعاة القدرة الشرائية لهذه الفئة".
تدني الأجور يعمق الأزمة
يشير الباحث الاقتصادي والنقابي المغربي، فواز عبد اللطيف، إلى أن انخفاض وتدني الأجور سيخفض بدوره القوة الشرائية ليقلص مستوى الطلب على السلع، وبالتالي الإنتاج بشكل عام ما سيؤدي إلى انخفاض الطلب على العمل، أي ازدياد البطالة.
ويقول عبد اللطيف:" إن انخفاض الأجور وانخفاض الطلب على السلع، سيؤديان إلى الانكماش مما سيكون له عواقب كارثية على الاقتصاد الوطني. وقد سبق أن عرفت البشرية أزمة اقتصادية عالمية في ثلاثينيات القرن الماضي، حيث انخفضت الأجور مع تدني الأسعار، ما نتج عنه أسوأ كساد اقتصادي عرفه العالم حتى اليوم.
ويضيف: "إن إطلاق يد الرأسمال المحلي والدولي لاستغلال الطبقة العاملة، سواء على مستوى المحافظة على تدني الأجور أو الاستهانة بشروط العمل، أو بناء علاقة عكسية بين الأجور والأسعار، عوامل تؤدي بشكل حتمي إلى هشاشة الوضع الاقتصادي للطبقة العاملة في مواجهة حاجياتها المعيشية الأساسية. وقد أدت هذه الوضعية المتراكمة إلى ضعف الطلب المحلي على المنتجات والخدمات المعروضة في السوق الداخلية". وبطبيعة الحال وفق عبد اللطيف، فإن ضعف السوق المحلية يشكل مدخلاً واسعاً نحو دائرة التخلف المغلقة وعلاقاته السببية، فمن ضعف الاستهلاك إلى ضعف الإدخار والاستثمار، إلى ارتفاع معدلات البطالة، وتدني الرواتب والأجور والأرباح وضعف المداخيل الضريبية. كما يلفت عبد اللطيف إلى إن المنظومة القانونية لاتزال بعيدة عن تأمين وحماية حقوق العمال في العديد من الدول العربية، فرغم سن قانون العمل في أغلب الدول العربية، لتنظيم العلاقة بين العامل وصاحب المؤسسة، ورغم أن ترسانة التشريعات تكفل للعمال العديد من الحقوق الأساسية كالحق في التأمينات الصحية والاجتماعية، والحق في الحصول على الأجور العادلة، إلا أن قطاعات واسعة من العاملين في دول عديدة لا تحصل على هذه الحقوق، لابل تعاني من غياب أي حق كرسته القوانين والتشريعات المحلية والدولية، ويعود السبب في ذلك، وفق عبد اللطيف إلى أن الطرف الأساسي للعملية الإنتاجية، (أي العمال) يشكل الحلقة الأضعف في علاقات العمل، فغالبية النقابات العمالية غير قادرة على حمايتهم نظراً لمساندة السلطة لأرباب العمل بدل من مساندة العمال".يختم عبد اللطيف قائلاً: "لا بد من الانتباه إلى التقارير التي تصدر عن منظمة العمل الدولية بشأن العمال والعلاقة مع أرباب العمل، حيث تلفت التحذيرات الصادرة عن منظمة العمل الدولية إلى ضرورة وأهمية الحوار الاجتماعي بين أطراف الإنتاج المختلفة للحفاظ على التوازن الاجتماعي والمساهمة في تحقيق العدالة الاجتماعية". إلا أن هذا الحوار وفق عبد اللطيف، يحتاج إلى أطراف متوازنة تتسم العلاقات بينهم بالندية، وهو ما ينتفي تماماً في العالم العربي نظراً لاستمرار التعامل الأفقي مع الطبقة العمالية وسيادة عقلية التسخير والإجبار لدى الدولة، الأمر الذي لا يبشر بتحسن أوضاع العمال في المستقبل القريب.
اقــرأ أيضاً
سواعد الوطن الهزيلة
الجميع يلقي المسؤولية على العمال، فيعود تراجع الاستثمارات وإغلاق المؤسسات وضعف أداء الاقتصاد التونسي إلى التحركات الاحتجاجية ومطالبة الشغيلة بحقوقهم المهنية. فيما يغمض آخرون أعينهم عن حقيقة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة لهذه الفئة. يؤكد الباحث الاقتصادي عماد بن سليمان أن وضعية العمال في تونس بلغت مستوى كارثياً على مختلف الأصعدة.
ويقول: "إن حالة من التردي الاقتصادي الذي تعرفه تونس منذ خمس سنوات أدى إلى ارتفاع نسبة التضخم بشكل محسوس، وارتفاع الأسعار وتدهور القدرة الشرائية، فقد بلغت نسبة التضخم خلال شهر مارس/ آذار 2016 نسبة 5.2 %". ليستطرد: "يبقى هذا الرقم عامّاً ولا يعكس بشكل واضح حدة الأزمة وتأثيرها على حياة المواطنين والعمال بالأخص، حيث تختلف النسبة من قطاع إلى آخر ومن منتج إلى آخر، فقد شهدت الأسعار ارتفاعاً كبيراً خاصة أسعار المواد الغذائية والمشروبات التي ارتفعت بنسبة 7.8% على مدى عام، بين أكتوبر/ تشرين الأول 2014 وأكتوبر/ تشرين الثاني 2015، وقد فسر المعهد الوطني للإحصاء نسبة التضخم، بارتفاع أسعار اللحوم 9.3% والزيوت الغذائية 23.5% والمشروبات %5". وتطورت أيضاً أسعار الثياب والأحذية والأقمشة بنسبة 4.4%، علماً أن نسبة الانزلاق السنوي للمواد الغذائية بلغت 9.3%.
كما ارتفعت أسعار خدمات النقل العمومي بنسبة 5.6%، وكذلك أسعار السيارات بنسبة 5%، وعرف مؤشر مجموعة السكن والطاقة المنزلية بدوره خلال ديسمبر/ كانون الأول 2013 زيادة بنسبة 5.1% مقارنة بأكتوبر/ تشرين الأول 2012 نتيجة ارتفاع أسعار الكهرباء والغاز والوقود 4.8%، وأسعار الإيجار 5.2%، وسجل مؤشر أسعار الاستهلاك العائلي زيادة بنسبة 0.9% خلال شهر ديسمبر/ كانون الأول 2015.
ويشير الباحث بن سليمان إلى أن نسق ارتفاع الأجور كان دون المطلوب لإحداث التوازن بين القدرة الشرائية للمواطن وارتفاع الأسعار، وهنا تكمن أهم أسباب التحركات الاحتجاجية في مختلف القطاعات. إذ أنّ المؤسسات الخاصة والعامة وفق بن سليمان، لم تستطيع مجاراة التغيرات الحاصلة في السوق الاستهلاكية على صعيد الأجور الممنوحة، ما خلق عجزا أمام العمال الذين لم يعد بإمكانهم تغطية استهلاكهم اليوميّ ونفقاتهم الاعتيادية من أكل وملبس وسكن ونقّل، خصوصاً وأن الحد الأدنى للأجور بالنسبة لهذه الفئة يتراوح بين 130 دولاراً و250 دولاراً كحد أقصى. أما الزيادات في الأجور، فلم تتعد سقف 6% وفق الاتفاقية المبرمة في سنة 2015 بين الحكومة والقطاع الخاص من جهة، والاتحاد العام التونسي للشغل من جهة أخرى.
ويؤكد بن سليمان أن حالة الاحتقان وتضاعف التحركات الاحتجاجية العمالية، ساهما في نهاية المطاف إلى تراجع مؤشر الإنتاج الصناعي 0.9% سنة 2015، إضافة إلى تراجع الاستثمار الخاص بنسبة 4% خلال الفترة نفسها. ليدفع الجميع دون استثناء ثمن تجاهل أصحاب المصانع والدولة لحق العمال في منظومة قانونية تحميهم وتضمن لهم العيش الكريم.
سياسات ارتجالية
يؤكد الخبير الاقتصادي مالك سراي أن تجربة التصنيع الثقيل التي خاضتها الجزائر أواسط سبعينيات القرن الماضي أفرزت واقعاً مزرياً للطبقة العاملة نتيجة السياسة الارتجالية، وغياب أرضية حقيقية لتكوين طبقة عاملة حقيقية تتمتع بحقوقها الاقتصادية والاجتماعية.
ويقول: "إن تاريخ الأول من شهر أيار/مايو، لم يعد يعني للعمال شيئاً، كون الحياة المعيشية باتت أصعب وذلك نظراً تدني القدرة الشرائية، خاصة مع الارتفاع الصارخ الذي تعرفه السلع والتي لا تتناسب مع الراتب الذي يتقاضاه العامل البسيط".
أما في القطاع الخاص، فقد تقلصت حقوق العمال بشكل خطير، حيث "أصبحت النقابات التي أسسها النظام درعاً له لا هيكلاً مدافعاً عن العمال". كما تعمد الدولة إلى عدم الترخيص للنقابات المستقلة للدفاع عن حقوقهم رغم موقف النقابة الرسمية المؤيدة للسياسة الحكومية والتي أصبحت بوقا للنظام ونفرت الطبقة الشغيلة منها.
المعضلة الأخرى التي يعاني منها العمال في الجزائر، تكمن في التشغيل الهش، حيث يعمل أكثر من 21% من عمال الجزائر خارج الأطر القانونية المنظمة لعلاقة المشغل بالشغيل، أي دون عقود أو ضمانات صحية واجتماعية، وهو ما يخلف كوارث اجتماعية حقيقية إذا ما أصيب العامل أو تم طرده، حيث لا يجد إثباتات تدين المشغل وتمكنه من نيل التعويضات التي يستحقها.
كما لا تختلف الأوضاع كثيراً في المغرب، حيث يشير الخبير سراي إلى أن الحد الأدنى للأجور لا يتجاوز 180 دولاراً رغم مئات التحركات العمالية والمواجهات الدامية مع أرباب العمل المدعومين من الحكومة، وهو أمر بالغ الخطورة.
أو في الأردن، فالحال ليس أفضل، إذ يتقاضى 60% من العمال أجراً يقل عن 350 دولاراً حسب التقرير الصادر عن مركز الدراسات الاقتصادية الأردنية، وهو مبلغ لا يكفي لسد الحاجات الأساسية.
ويختم قائلاً "إن أوضاع العمال في الدول العربية التي حاولت أن تخوض تجارب التصنيع الثقيل تعتبر مأساوية، إذ تم تحميل العمال ارتدادات الفشل سواء عبر احالتهم إلى البطالة، أو الضغط على الأجور أو تجاهل حقوقهم الأساسية كالضمان الصحي والاجتماعي وساعات العمل ومنح الإنتاجية وغيرها، إضافة إلى اتخاذ إجراءات غير محسوبة على غرار رفع أسعار المواد الاستهلاكية والطاقة دون مراعاة القدرة الشرائية لهذه الفئة".
تدني الأجور يعمق الأزمة
يشير الباحث الاقتصادي والنقابي المغربي، فواز عبد اللطيف، إلى أن انخفاض وتدني الأجور سيخفض بدوره القوة الشرائية ليقلص مستوى الطلب على السلع، وبالتالي الإنتاج بشكل عام ما سيؤدي إلى انخفاض الطلب على العمل، أي ازدياد البطالة.
ويقول عبد اللطيف:" إن انخفاض الأجور وانخفاض الطلب على السلع، سيؤديان إلى الانكماش مما سيكون له عواقب كارثية على الاقتصاد الوطني. وقد سبق أن عرفت البشرية أزمة اقتصادية عالمية في ثلاثينيات القرن الماضي، حيث انخفضت الأجور مع تدني الأسعار، ما نتج عنه أسوأ كساد اقتصادي عرفه العالم حتى اليوم.
ويضيف: "إن إطلاق يد الرأسمال المحلي والدولي لاستغلال الطبقة العاملة، سواء على مستوى المحافظة على تدني الأجور أو الاستهانة بشروط العمل، أو بناء علاقة عكسية بين الأجور والأسعار، عوامل تؤدي بشكل حتمي إلى هشاشة الوضع الاقتصادي للطبقة العاملة في مواجهة حاجياتها المعيشية الأساسية. وقد أدت هذه الوضعية المتراكمة إلى ضعف الطلب المحلي على المنتجات والخدمات المعروضة في السوق الداخلية". وبطبيعة الحال وفق عبد اللطيف، فإن ضعف السوق المحلية يشكل مدخلاً واسعاً نحو دائرة التخلف المغلقة وعلاقاته السببية، فمن ضعف الاستهلاك إلى ضعف الإدخار والاستثمار، إلى ارتفاع معدلات البطالة، وتدني الرواتب والأجور والأرباح وضعف المداخيل الضريبية. كما يلفت عبد اللطيف إلى إن المنظومة القانونية لاتزال بعيدة عن تأمين وحماية حقوق العمال في العديد من الدول العربية، فرغم سن قانون العمل في أغلب الدول العربية، لتنظيم العلاقة بين العامل وصاحب المؤسسة، ورغم أن ترسانة التشريعات تكفل للعمال العديد من الحقوق الأساسية كالحق في التأمينات الصحية والاجتماعية، والحق في الحصول على الأجور العادلة، إلا أن قطاعات واسعة من العاملين في دول عديدة لا تحصل على هذه الحقوق، لابل تعاني من غياب أي حق كرسته القوانين والتشريعات المحلية والدولية، ويعود السبب في ذلك، وفق عبد اللطيف إلى أن الطرف الأساسي للعملية الإنتاجية، (أي العمال) يشكل الحلقة الأضعف في علاقات العمل، فغالبية النقابات العمالية غير قادرة على حمايتهم نظراً لمساندة السلطة لأرباب العمل بدل من مساندة العمال".يختم عبد اللطيف قائلاً: "لا بد من الانتباه إلى التقارير التي تصدر عن منظمة العمل الدولية بشأن العمال والعلاقة مع أرباب العمل، حيث تلفت التحذيرات الصادرة عن منظمة العمل الدولية إلى ضرورة وأهمية الحوار الاجتماعي بين أطراف الإنتاج المختلفة للحفاظ على التوازن الاجتماعي والمساهمة في تحقيق العدالة الاجتماعية". إلا أن هذا الحوار وفق عبد اللطيف، يحتاج إلى أطراف متوازنة تتسم العلاقات بينهم بالندية، وهو ما ينتفي تماماً في العالم العربي نظراً لاستمرار التعامل الأفقي مع الطبقة العمالية وسيادة عقلية التسخير والإجبار لدى الدولة، الأمر الذي لا يبشر بتحسن أوضاع العمال في المستقبل القريب.