لا يعير الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، أي أهمية للأحزاب السياسية، فهو آتٍ من خلفية عسكرية، غالباً ما تترجم في التجارب العربية كرهاً للأحزاب، أو سعياً لاستمالتها وتحويلها إلى أداة بيد السلطة. ولم يجتمع السيسي برؤساء الأحزاب إلا مرة واحدة طيلة ثلاث سنوات، في مايو/ أيار 2015، أثناء إشراف دائرته الاستخباراتية على اختيار القوائم الانتخابية، التي أخرجت مجلس النواب في شكله الحالي، كبرلمان موالٍ، مرر كل تشريعات وقرارات النظام على مدار عام ونصف العام، وآخرها اتفاقية تيران وصنافير.
الأحزاب التي التفت حول السيسي، في بيان انقلاب الثالث من يوليو/ تموز 2013، انقسمت في ما بينها لاحقاً، ما بين مؤيدة ومعارضة للنظام، بعدما سهل الأخير دخول أحزاب، دون غيرها، إلى البرلمان، وفي مقدمتها المصريين الأحرار، ومستقبل وطن، وحماة الوطن، والشعب الجمهوري، والمؤتمر، والنور السلفي. وحالت أجهزة السلطة دون دخول أحزاب، مثل مصر القوية، والتحالف الشعبي الاشتراكي، والكرامة، والتيار الشعبي، والدستور، إلى مجلس النواب، لتأخذ موقفاً معارضاً لنظامه، ارتفعت وتيرته، في إبريل/ نيسان 2016، عقب الإعلان عن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، بينما ظلت الأحزاب الأقدم تاريخياً، مثل الوفد والتجمع، تؤدي دورها المعتاد في محاباة السلطة.
حملة الاعتقالات
وجاءت حملة الاعتقالات الأخيرة بحق العشرات من قيادات وشباب الأحزاب، لتظهر حرص النظام على رفض أي معارضة، ولو ناعمة، كونه يعتقد بضرورة إبقاء الأحزاب، ككيانات، معزولة عن الجماهير، حتى لا تكسب شعبية على الأرض، وتظل مجرد ديكور سياسي، غير مسموح لها تداول السلطة. وقالت "المفوضية المصرية للحقوق والحريات"، في تقرير، إن "السلطات الأمنية شنت موجتين واسعتين من عمليات إلقاء القبض على النشطاء السياسيين، وأعضاء الأحزاب، والحركات السياسية، أولها في إبريل الماضي، وحصدت 39 سياسياً معارضاً، والثانية في يونيو/ حزيران الحالي، وبلغت حصيلتها نحو 190 ناشطاً".
وقدم النائب اليساري، عبد الحميد كمال، طلب إحاطة عاجل، يوم السبت الماضي، للمطالبة باستدعاء رئيس الوزراء، ووزير الداخلية، إلى البرلمان، على خلفية القبض على نشطاء سياسيين في السويس وعدد من المحافظات الأخرى، في وقت ينعم فيه وزير الداخلية الأسبق، حبيب العادلي، بحريته، رغم صدور حكم نهائي بحبسه. واعتبر كمال أن القبض على أعداد كبيرة من الشباب، أو المنتمين إلى الأحزاب السياسية، لمجرد دفاعهم عن مصرية الجزيرتين "يزيد من عوامل الاحتقان الوطني، والتوتر، خصوصاً بين الشباب، مع اقتراب إجراء الانتخابات الرئاسية، في ظل أوضاع اقتصادية واجتماعية غير مستقرة، وحرب لأجهزة الدولة على الإرهاب". وألقت الشرطة المصرية القبض على اليساري المعروف، كمال خليل، من منزله، فجر الخميس الماضي، وسبقه القيادي في حزب الكرامة، مجدي الصياد، الذي أفرجت النيابة عنه قبل يومين، بعد القبض عليه في فبراير/ شباط الماضي، بتهمة الانضمام إلى حزب ناصري التوجه، بما يخالف أحكام الدستور، في سياق ترهيب القوى السياسية.
مصدر قيادي في حزب "مصر القوية" قال إن "الأحزاب المعارضة للنظام الحالي استغلت الزخم الشعبي حول قضية الجزيرتين، والتفت حولها، للعودة مجدداً للمشهد، بعدما عولت على أحكام القضاء ببطلان الاتفاقية، وهو ما أثار ذعر رجال النظام، في ظل اتهامات التخوين والعمالة التي تلاحق السيسي، وكل من عاونه بالتفريط في الأرض المصرية". وأضاف القيادي، في حديث خاص لـ"العربي الجديد"، أن "حملة الاعتقالات المسعورة تزامنت مع بدء تكوين حملات انتخابية لعدد من الشخصيات العامة، التي تفكر جدياً في إعلان ترشحها للرئاسة، واستندت إلى اتهامات ملفقة، بعد التحقيق مع شباب الأحزاب على خلفية إبداء آرائهم على مواقع التواصل الاجتماعي، رغم حرية الرأي التي كفلها الدستور". ومع استمرار معاناة المصريين من تدهور الأوضاع الاقتصادية، وتقييد المجال العام، برز اسم الحقوقي خالد علي، أحد أبرز أعضاء هيئة الدفاع عن مصرية الجزيرتين، كمرشح محتمل للرئاسة، فيما رفع المرشح الرئاسي السابق، حمدين صباحي، من سقف النقد، ليقول إن "السيسي بات خطراً على الدولة المصرية".
ولم تسلم أحزاب الموالاة من قبضة السيسي. فبعد عام من فوزه بمقاعد حزب الأكثرية النيابية، فخخت أجهزة الأخير حزب "المصريين الأحرار" من الداخل، بعدما استمالت جبهة رئيسه الحالي، عصام خليل، للإطاحة بمؤسسه الملياردير، نجيب ساويرس، من موقعه كرئيس لمجلس أمناء الحزب، بل واتهامه بالتجسس لصالح إسرائيل، عقاباً على انتقاده لبعض إجراءات النظام. وفصلت الهيئة البرلمانية للحزب، التي يقودها ضابط الشرطة السابق، علاء عابد (متهم سابق في قضايا تعذيب واتجار بالآثار)، 5 من النواب الموالين لساويرس، ما يُنذر بالتصويت على إسقاط عضويتهم، لتغير صفتهم الحزبية، وفق الدستور، وهم نادية هنري، وإبراهيم عبد الوهاب، وعماد جاد، وهاني نجيب، ومنى جاب الله. كما أطاح النظام بالمرشح الرئاسي السابق، عمرو موسى، من قيادة حزب "المؤتمر"، أواخر العام 2013، لقطع الطريق أمام ترشحه في مواجهة السيسي، وهو الحزب الذي أسسه مع دبلوماسيين وعسكريين قدامى، بدعوى مواجهة تيار الإسلام السياسي، ممثلاً بجماعة الإخوان المسلمين، وحزبها الحرية والعدالة (صدر قرار بحله في أغسطس/ آب 2014). وقال الباحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، بشير عبد الفتاح، إن "الأحزاب الحالية باتت بلا قيمة، بعدما تحول أغلبها إلى أبواق للنظام، تكتفي بإصدار البيانات المؤيدة لقرارات رئيس الجمهورية، وإقرار التشريعات المقدمة من حكومته، من دون رؤية سياسية أو تصور حقيقي لأي من القضايا التي تهم المواطنين". وأضاف عبد الفتاح، لـ"العربي الجديد"، إن "الأحزاب ستظل ضعيفة، طالما تفتقد القدرة على الحشد في الشارع، ولا يبقى أمام أغلبها سوى موالاة النظام الحاكم، لضمان البقاء في المشهد السياسي، خصوصاً أن انتخابات البرلمان أفرزت مجلساً نيابياً هشاً، فقد مصداقيته أمام ناخبيه، وتأكد للجميع أنه غير قادر على مواجهة التحديات الحالية".