صحيح أنّ كثيراً من المعلومات والاتصالات غير معلنة، ولا يمكن للقارئ العادي الإحاطة بكل التطورات، خصوصاً في ظلّ أنباء وأخبار غير دقيقة يتم ضخها أحياناً من عواصم عربية مختلفة تكون مصحوبة "بجزيئات" من المعلومات لخدمة مصالح العاصمة التي خرجت عنها هذه المعلومات، إلا أن من الواضح في المقابل أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ومنذ استقال وزير الأمن السابق أفيغدور ليبرمان، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي من منصبه، احتجاجاً على اتفاق وقف إطلاق النار مع فصائل المقاومة، يحاول أن يسجّل نقاطاً لصالحه أمام الرأي العام الإسرائيلي، يمكن أن تطمس، ولو قليلاً، من ملفات الفساد التي تلاحقه.
من هنا، وفي ظلّ الخوف من تعقيدات محتملة وغير مضمونة لعملية عسكرية رسمية ضد قطاع غزة، يحاول نتنياهو لي ذراع "حماس"، واستغلال الوضع الاقتصادي والكارثة الإنسانية في غزة، للسعي إلى ابتزاز الحركة في عملية تحويل أموال الدفعة القطرية، ليعرض بذلك إنجازاً لحكومته وخطه السياسي في إخضاع "حماس" حتى بدون الحاجة لعملية عسكرية أو "محاولة احتلال غزة من جديد"، وبالتالي "تحقيق الهدف الإسرائيلي" بدون التورّط في رمال غزة.
لكن ما يبرز في تطورات اليومين الماضيين، محاولات الاحتلال دقّ إسفين جديد بين "حماس" وحركة "الجهاد الإسلامي"، وتصوير الأخيرة على أنها تتحرّك وفق إيقاع إيراني، لتحقيق مكاسب لطهران على أرض غزة، تعويضاً عن فشل الأخيرة في سورية، أو انتقاماً من الغارات الإسرائيلية الأخيرة على مواقع وأهداف إيرانية في دمشق.
مع ذلك، وبالعودة إلى قرار "حماس" رفض الشروط الإسرائيلية، فإنه لا شكّ أنّ مسوغات الحركة صحيحة لجهة أنّ السكوت والقبول بشروط الاحتلال سيزيد من شهيته لوضع شروط أشدّ وأقسى لاحقاً، خصوصاً إذا حظيت شروطه ومواقفه بتأييد عربي من هذا النظام أو ذاك.
الثمن الذي دفعه الفلسطينيون في قطاع غزة منذ فرض الحصار، إسرائيلياً أولاً، ومصرياً ثانياً، عبر إغلاق معبر رفح البري، وفلسطينياً أخيراً من خلال العقوبات التي تفرضها "السلطة الفلسطينية" في رام الله، أغلى بكثير من أن تتم مقاضاته بالرضوخ المهين لشروط الاحتلال، ذلك أنّ الهدف الأول والأساسي لمسيرات العودة هو رفع الحصار كلياً في الطريق للتحرير، وهو هدف لا يمكن أن يتحقّق بقبول شروط الاحتلال والرضوخ لها.