تتفق مطالب الشعوب الثائرة في أكثر من بقعة عربية، على الدعوة إلى الحرية والكرامة والديمقراطية ونموذج حكم يحترم البشر ويعلي من شأن الناس ويعتبرهم مواطنين لا رعية يتم التحكّم بهم.
لكن غالباً ما تنتهي الثورة في العالم العربي إما إلى حرية أو إلى عسكر يقفز إلى واجهة الأحداث. فهناك نموذجان. الأول تونسي، إذ تعهّد الجيش بصيانة مطالب الشعب ومراقبة زوال أنظمة وقيام أخرى، وحمى الناس وتابع مسار الديمقراطية من ولادتها إلى تكوّنها، ثم عاد إلى ثكناته وحدوده، للقيام بدوره الذي من أجله تتأسس الجيوش. انتخبت تونس مرة واثنتين وثلاثاً تحت يافطة مستقلة، والمواطنون يتحدثون في الشوارع والصحف والمقاهي من دون خوف وبلا رقيب. الأحزاب تتنافس والقوانين سُنّت لحماية المستقبل وإجبار الحاكم على احترام كل شيء والاحتكام فقط للقانون. وإذا ما حان موعد رحيل سلطة، فإنها ترحل وتترك المكان لغيرها.
أما النموذج الآخر هو مصر، التي يشهد شعبها وضعاً مؤسفاً، مع عودة نغمة التمديد للرئيس وتعديل الدستور على قياسه وربما استمراره مؤبداً في الحكم. وكأن ثورة لم تحدث في مصر ولا من يحزنون.
سيكون مصير الأوضاع في السودان والجزائر متراوحاً بين النموذجين التونسي والمصري. التعويل على دور حاسم للمواطنين للدفع في أي من الاتجاهين على غرار ما يحدث في الجزائر تحديداً، تقابله مراقبة لصيقة لدور الجيشين في البلدين. هل ستكون الجيوش هناك كما كان الشأن مع الجيش التونسي؟ لا شيء مؤكداً.
مشكلة النموذج التونسي أنه أخفق إلى حدّ الآن في المسألة الاقتصادية، وهي نقطة الضعف التي يلوّح بها المنتصرون للنموذج المصري، مع أنه لم يحقق أي رفاه هناك ولم تنته آلام المصريين ومعاناتهم. أما المؤيدون للنموذج التونسي، فلم يتحمّسوا لدعمه بالشكل المطلوب وظلّوا على الجانب الآخر يتفرجون ويراقبون ما ستؤول إليه الأحداث.