زيارة كيري إلى موسكو غداً: عروض سياسية أم تنازلات؟

14 ديسمبر 2015
كيري قد يسعى لتعزيز التنسيق ضد "داعش"(ميخائيل كليمانتياف/فرانس برس)
+ الخط -


يأتي توقيت زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري، غداً الثلاثاء إلى موسكو ولقائه المرتقب بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قبل أيام معدودة من مؤتمر نيويورك الخاص بالنزاع السوري، ليتماشى مع ما يتردد حالياً في واشنطن من أن مقررات مؤتمر نيويورك سوف تُطبخ خطوطها الجوهرية في موسكو خلال اللقاءات التي سيجريها كيري مع القيادة الروسية. وتتماهى هذه التكهنات مع ما أعلنه المتحدث باسم البيت الأبيض جوش ارنست للمراسلين الإعلاميين في آخر إيجاز صحافي له، من أن الغرض من زيارة كيري إلى موسكو هو بحث الوضع السوري، على الرغم من أن المتحدث شدد على أن ذلك يأتي في إطار مجموعة من القضايا محل خلاف بين البلدين.

وفي موازاة ذلك، أدت الرغبة الأميركية التي تبدو قوية في إنجاح مؤتمر نيويورك السوري، إلى رفع درجة التكهنات في واشنطن بأن كيري لم يكن ليتوجّه إلى موسكو في مثل هذا التوقيت إلا بعد تفاهم مسبق مع الرئيس الأميركي باراك أوباما على تقديم إغراء جديد لبوتين من التنازلات الأميركية في الملف السوري.

وتسرّبت خلال الأربع وعشرين ساعة الماضية معلومات رفضت مصادر "العربي الجديد" في الخارجية الأميركية تأكيدها أو نفيها، ومفادها بأن الجديد الذي يحمله كيري في جعبته إلى موسكو، لن يقتصر على تنازلات من غير المعروف على وجه التحديد ما هي طبيعتها وقد تكون على حساب القضية السورية، بل سيحمل معه كذلك تحذيراً قوياً لموسكو من أن استمرارها في استهداف حلفاء واشنطن قد يجبر القوات الأميركية أن تصبح في حل من امتناع فرضته على نفسها من استهداف حلفاء روسيا في سورية، ويقصد بهم نظام بشار الأسد ومن يحارب معه من مقاتلي "حزب الله" اللبناني وغيرهم.

لكن محللاً رفيع المستوى في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، يستبعد أن يتحدث كيري في موسكو بمثل هذه النبرة، قائلاً لـ"العربي الجديد" إن "تهديداً كهذا غير مألوف من الناحية الدبلوماسية بين عضوين كبيرين في مجلس الأمن ينشدان التعاون وحل خلافات محورية بينهما، فضلاً عن أنه لا يمكن صدوره من الخارجية الأميركية أو من البيت الأبيض إلا إذا تم التشاور مسبقاً مع مسؤولي البنتاغون، وهو ما لم يتم حسب علم المصدر". لكن المحلل نفسه يشير إلى أن ما يعلمه البنتاغون هو ما أكده أوباما لبوتين في أكثر من لقاء بينهما وكرره كيري لنظيره الروسي سيرغي لافروف، وهو ما يتعلق بالخلاف الروسي الأميركي حول الدور التركي، "إذ كان من المحتم على الولايات المتحدة إعادة تذكير روسيا بلا ترك أي مجال للمواربة بأن تركيا ليست مجرد عضو في التحالف الدولي ضد تنظيم داعش، بل هي كذلك عضو في حلف شمال الأطلسي، ومن المؤكد أن بوتين يدرك معنى هذه العضوية".

اقرأ أيضاً: تصعيد روسي عسكري وسياسي في سورية

وفي رأي المحلل الأميركي، فإن إسقاط طائرة عسكرية روسية وإن كان حادثاً مؤسفاً ومأساوياً، إلا أنه يؤكد وجهة النظر الأميركية بأهمية وضرورة التنسيق التام بين موسكو وقوات التحالف، كما يرى أن الدور العسكري الروسي ضد "داعش" لا يمكن الاستهانة بمدى فعاليته في تقويض قدرات التنظيم، غير أنه سيظل محفوفاً بالمخاطر إذا ما استمر بمعزل عن الجهد الدولي وغير مركز على معاقل ومخابئ "داعش" فقط.

ولم يستبعد أن يحمل كيري معه إلى القيادة الروسية بعض الأفكار الجديدة والعروض السياسية، والتي لم يعتبرها تنازلات، "مقابل الحصول على موافقة موسكو على تعزيز التنسيق العسكري ضد تنظيم داعش وترك الأهداف الفرعية بما يضمن تسريع القضاء على التنظيم الإرهابي".

في هذه الأثناء، نقلت مصادر إعلامية أميركية عن مسؤولين عسكريين وسياسيين أن التوجّه الحالي للقيادة العسكرية الأميركية هو مواجهة شبكة "داعش" التوسعية بشبكة دولية أمنية واستخبارية مؤلفة من قواعد ثابتة ومتنقلة في المنطقة العربية وخارجها، "لتوجيه ضربات موجعة ومفصلية للتنظيم وفروعه". ومن المحتمل أن يطرح كيري على السلطات الروسية المشاركة ببناء الشبكة المقترحة.

وتتردد معلومات في الوسط الدبلوماسي في واشنطن ونيويورك، بأن الإدارة الأميركية أصبحت الآن جاهزة ومصممة أكثر من أي وقت مضى على الدفع بجهود الحلول السياسية لثلاثة من أبرز الصراعات الأهلية التي تحوّلت إلى بؤر ساخنة، وتتمثّل في الأزمات السورية والليبية واليمنية. وتجري حالياً جهود حثيثة منفصلة لكنها متزامنة هذا الشهر على أمل إحراز تقدّم ملموس في طريق حل الأزمات الثلاث قبل نهاية العام الحالي.

وعلى الرغم من تفاؤل هؤلاء، إلا أن بينهم من يخشى أن يكون ثمن التصميم الأميركي على خلق انفراج في الصراع السوري هو إرضاء موسكو بفترة انتقالية لا يُشترط رحيل الأسد خلالها وربما الموافقة على إجراء انتخابات رئاسية في نهاية الفترة الانتقالية يتحكم الأسد في مخرجاتها، مقابل حرمانه من أن يكون مرشحاً فيها. وتزداد المخاوف في الأوساط ذاتها من أن يؤدي إجهاض ما تتوصل إليه الولايات المتحدة وروسيا قبل أو أثناء مؤتمر نيويورك إلى اعتماد صنّاع السياسة الخارجية الأميركية لخطة "ب" البديلة المحتملة. وتتمثّل الخطة في تقسيم سورية على أساس عرقي طائفي ديني كمقدمة لتقسيم المنطقة العربية لاحقاً بذات المعيار الذي سيكون من أبرز النتائج المترتبة عليه هو خلق مبرر قوي لاستمرار وجود إسرائيل كدولة يهودية في محيط مجاور لدول قد تتحوّل من عربية لجميع مواطنيها إلى دول عرقية وطائفية.

ومن المؤشرات على احتمال أن تكون الولايات المتحدة قد طرحت الخطة البديلة على موسكو سراً، أو أن وزارة الخارجية الروسية تتوقّع أن يطرحها كيري على بوتين أثناء لقائه المرتقب به في موسكو، أن الخارجية الروسية استبقت وصول كيري بإصدار بيان أعلن فيه لافروف رفض بلاده أي خطط لتقسيم سورية.

وفي رد على مطلب رحيل الأسد في بداية المرحلة الانتقالية للتسوية السياسية وليس في نهايتها، قال لافروف إن "المواطنين السوريين وحدهم المعنيون باختيار رئيس جديد للبلاد". وشدد على أنه "لا أحد يمكن أن ينفرد بحق اتخاذ القرار بدلاً منهم حول شكل الدولة السورية ورئيسها"، مشيراً إلى أن محادثات فيينا أكدت على هذا الحق.

اقرأ أيضاً: "ذي تلغراف": روسيا ترسل تحذيرات للغرب باستعراض عضلاتها بسورية

المساهمون