لماذا قررت إدارة ترامب استعجال نقل السفارة إلى القدس؟

24 فبراير 2018
لا غرابة لمثل هذا الانقلاب في زمن ترامب(فرانس برس)
+ الخط -




فجأة تقلّصت مدة نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس من ثلاث سنوات إلى ثلاثة أشهر. والمفاجأة الأكبر أن وزارة الخارجية التي سبق وقالت على لسان الوزير ريكس تيلرسون بأن نقل السفارة الأميركية إلى القدس لن يتم قبل هذه السنوات التي يقتضيها اختيار المكان وتشييد البناء، هي نفسها التي أصدرت أمس بياناً تعرب فيه عن بهجتها بالنقل في أيار/مايو القادم. وهو انقلاب أثار الكثير من التساؤلات والتفسيرات.

ثمة من ربط استعجال النقل بخطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس قبل أيام في مجلس الأمن، ورأى أن الخطوة جاءت من باب الرد على قوله إن واشنطن لم تعد الوسيط المقبول في عملية المفاوضات. 

وثمة من قرأ القرار على أنه كان نتيجة لتمرير قرار الاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل بلا كلفة عربية أو إسلامية، وبما شجع على تصعيد سياسة الاقتحام طالما أنها كانت بلا ثمن.

وذهب البعض إلى حد الاعتقاد بأن التوقيت جاء متعمداً بحيث يستخدمه اللوبي الإسرائيلي في واشنطن كموضوع أساسي في عداد إنجازاته، عندما يعقد مؤتمره السنوي في الأسبوع الأول من شهر مارس القادم.

قد تكون هذه الاعتبارات لعبت دورها في التعجيل بهذا القرار. لكن يتبين أن العوامل الرئيسية التي حكمت صدوره تمثلت في عاملين أساسيين:

الأول: إصرار القوى المناصرة لإسرائيل في واشنطن، وعلى رأسها اللوبي الإسرائيلي، أن يجرى النقل بالتزامن مع الذكرى السبعين لإنشاء إسرائيل في منتصف مايو المقبل.

الثاني: أن قوى يهودية أميركية نافذة مثل الملياردير شالدون أدلسون لعبت الدور الرئيسي في دفع النقل إلى هذا التاريخ من خلال استعداده للتبرع بتمويل الانتقال إلى السفارة الجديدة.

 وربما هناك عامل ثالث، ويتمثل في  سعي أنصار إسرائيل إلى البت بالنقل مبكراً قبل أن تتمخض التحقيقات الروسية المتسارعة انكشافاتها عن تطور نوعي قد يجمّد البت بكافة الاهتمامات، ومنها نقل السفارة.

لكن في أي حال يبقى أن التعجل في النقل ما كان يمكن أن يتم لولا وجود اعتبارين رئيسيين: أن خميرته متوفرة في تركيبة هذه الإدارة، واحتضانها المطلق لسياسات إسرائيل التي عزمت منذ البداية على إنهاء أية مفاوضات يمكن أن تؤدي إلى صيغة الدولتين التي لم تلتزم بها إدارة ترامب أصلاً.

ثانياً، التفهم بل الموافقة الضمنية وربما الصريحة لقوى عربية وازنة مثل السعودية، على خطوة نقل السفارة؛ في إطار استرضاء واشنطن لتبقي على تحالفها معها ضد إيران. واقع تتحسر بشأنه قوى فلسطينية لا تخفي ضيقها وإحباطها بل ألمها من "ترك العرب لنا"، في هذه اللحظات الفارقة.

لحظة الاستضعاف العربي والفلسطيني ما زالت في بداياتها. والآتي أعظم عندما يتطور هذا التماهي إلى حدوده المكشوفة، بحيث يتحول التفهم إلى شكل من أشكال التحالف، من دون أي حساب لاحتلال كامل فلسطين ومصادرة حقوق شعبها ومقدساتها.

لكن يبقى الغريب في هذا التطور، أن يقبل وزير الخارجية الأميركي ويتراجع عن تطميناته بشأن توقيت نقل السفارة المؤجل، لتعلن وزارته عن النقل المستعجل الذي جرى اتخاذ قراره من فوق وزارته على ما بدا. ولو أن لا غرابة لمثل هذا الانقلاب في زمن ترامب.