ولئن كان من المتوقع مسبقا ألا تصوت كتلتا المعارضة البرلمانية (كتلة الجبهة الشعبية والكتلة الديمقراطية) لصالح المشروع، فان التصويت كشف غياب التوافق حول المشروع خلافا لما كان سائدا.
ولم تطفُ صراعات جلية على السطح خلال مناقشات مشروع قانون المالية لسنة 2018 بين كتلتي نداء تونس والنهضة، الحزبين الأغلبيين المتحالفين والمَمثلين في حكومة الوحدة الوطنية، فإن الأمر لم يخل من نزاعات خفية بينهما. ومثل الفصل 36 من المشروع مصدر الأزمة بين الكتلتين.
ويعد هذا الفصل، أحد أهم المؤشرات التي تؤكد هشاشة التحالف بين النهضة والنداء، وينص على الرفع من المعاليم الديوانية (الرسوم الجمركية) المفروضة على البضائع تركية المنشأ إلى حدود 90 بالمائة.
ورغم أن هذا المقترح تبنته كتلة النداء وقدمته الحكومة ودافعت عنه خلال المناقشات داخل اللجنة المالية، فإن النهضة كانت صريحة في معارضته والاستماتة من اجل إسقاطه، لتتم المصادقة عليه في غياب كتلة النهضة التي انسحبت أثناء عرضه على التصويت في الجلسة العامة.
وجاء انسحاب الكتلة على خلفية ما حصل من مشادات عنيفة بين النائب عن الجبهة الشعبية، منجي الرحوي، والوزير المتحدث باسم الحكومة، إياد الدهماني، وصلت إلى حد العنف، وطالبت النهضة الرحوي بالاعتذار ولكنه رفض فانسحبت من الجلسة ليتم التصويت على الفصل في غيابها.
واعتبرت النهضة، من خلال تصريحات قيادييها أن تخصيص المنتجات التركية دون غيرها بضرائب مجحفة أمر غير مقبول. وكان القيادي بها ومقرر لجنة المالية بالبرلمان، الهادي براهم، قد أكد لـ"العربي الجديد" أن النهضة ترفض هذا الإجراء وتعتبره غير منطقي تدفعه أسباب سياسية وأيديولوجية ليس أكثر، مستدلا في ذلك بتصويت النداء والجبهة الشعبية معا لصالحه وهو أمر نادر الحدوث.
وكانت تصريحات عديدة لقيادات من النهضة بعيد تمرير هذا الفصل، أشارت إلى أن هذا الإجراء سيكون له انعكاسات سلبية على الاقتصاد وعلى علاقتنا بتركيا من جهة، فيما المراد منه عزل حركة النهضة وإحراجها.
ولكن التزام النهضة بالتصويت على قانون المالية كاملا، لن يحول دون إمكانية قيامها بالطعن في دستورية الفصل 36 وإسقاطه وفق ما يروّج في الكواليس.
في السياق، سجلت الجلسة انضباط الجبهة البرلمانية في التصويت لصالح المشروع مع كتلة النداء والوطني الحر في الوقت الذي تخلفت فيه كتلة أفاق عن ذلك، إذ تحفظ أغلب نوابها عن التصويت على المشروع برمته، وفسرت عضو الكتلة والمكتب السياسي للحزب ريم محجوب لـ"العربي الجديد" أن مشروع قانون المالية لسنة 2018 لا يتماشى مع رؤية حزبها الاقتصادية والاجتماعية، كما لم يؤخذ بعين الاعتبار بمقترحات الحزب.
ويحظى بذلك مشروع قانون المالية لسنة 2018 بسند حزبي ضيق وضعيف، خلافا لسابقيه اللذين تحصلا على عدد أصوات عال يترجم حجم الدعم السياسي.