أجهض الأميركيون وحراك شعبي محاولة روسية لإنشاء قاعدة عسكرية في أقصى الشمال الشرقي من سورية، ما يؤكد أن التنافس على منطقة شرقي الفرات السورية لا يزال على أشده ما بين الجانبين الروسي والأميركي. وتسعى موسكو إلى تقاسم النفوذ مع واشنطن في محافظة الحسكة، أقصى الشمال الشرقي من سورية، الغنية بالثروات، في ظل رفض أميركي واضح لأي تمدد روسي جديد، بينما يحاول الأتراك ترسيخ وجودهم في المنطقة، من خلال إنشاء قواعد ونقاط تمركز جديدة.
وأخلت القوات الروسية، أمس الخميس، مبنى مدرسة في قرية قصر ديب، شمال بلدة المالكية، في ريف الحسكة، بعد توتر مع القوات الأميركية التي منعت، وفق مصادر محلية، الجانب الروسي من إنشاء قاعدة له في أقصى الشمال الشرقي من سورية، غير بعيد عن الحدود مع تركيا، مشيرة إلى أن القوات الروسية انسحبت إلى نقاطها في منطقة القامشلي.
وأوضحت المصادر أن رتلاً من القوات الروسية، يضم أكثر من 30 مدرعة برفقة حوامات، حاول، أول من أمس الأربعاء، الدخول إلى ناحية المالكية بريف الحسكة الشمالي، بهدف إقامة قاعدة في قرية قصر ديب التابعة لها. وأشارت إلى أن الرتل كان يضم قوات تابعة للنظام السوري. وأشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أن أهالي قريتي قصر ديب وكاسان، شمال المالكية، منعوا، الأربعاء الماضي، آليات عسكرية روسية من التمركز في المنطقة، والتي كانت كما يبدو تنوي تحويل مدرسة قرية قصر ديب إلى نقطة تمركز. وأشار إلى أن الآليات الروسية اضطرت للانسحاب، مؤكداً أن التوتر يسود المنطقة التي يخطط الروس لإقامة نقاط تمركز لهم فيها وسط رفض شعبي وأميركي. ورأى متابعون أن الأميركيين يحرصون على منع الروس من محاصرة معبر سيمالكا الحدودي، الذي يعتبر طريقاً للقوات الأميركية التي تعبر من العراق إلى سورية، حيث توجد رغبة روسية لقطع الطريق على الولايات المتحدة من سيمالكا إلى حقول النفط في جنوب الحسكة وشمال دير الزور.
من جانبها، قالت مصادر محلية، لـ"العربي الجديد"، إنه لا وجود ثابتاً للجانب الروسي على الشريط الحدودي مع تركيا في ريف مدينة القامشلي الشرقي، والبالغ طوله نحو 110 كيلومترات، مشيرة إلى أن وجود النظام فيه شكلي، وربما هذا ما يفسر سعي الروس لإنشاء نقاط تمركز لهم في هذه المنطقة وغيرها من المناطق القريبة من الحدود السورية التركية. وتدل المعطيات الميدانية على أن هناك خلافات كبيرة بين الروس والأميركيين على خرائط الانتشار العسكري والنفوذ في محافظة الحسكة، فضلاً عن خلاف على مصير منطقة شرقي نهر الفرات برمتها، والتي يقع جلها تحت سيطرة "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، المدعومة من الجانب الأميركي. وتكررت في الآونة الأخيرة حوادث اعتراض القوات الاميركية للدوريات الروسية في محافظة الحسكة، والتي تنتهي غالباً بعودة هذه الدوريات إلى قواعدها.
وكان الروس قد دخلوا إلى منطقة شرقي نهر الفرات في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وفق تفاهم عسكري مع "قسد"، التي لم تجد بداً من الاستعانة بموسكو للحيلولة دون دخول الجيش التركي إلى عمق المنطقة. وتحوّل مطار مدينة القامشلي إلى قاعدة رئيسية للقوات الروسية في محافظة الحسكة الغنية بالبترول، وسط أنباء عن توقيع موسكو مع النظام السوري عقد استئجار للمطار لمدة 49 سنة. وينتشر الأميركيون في عموم محافظة الحسكة، خصوصاً في ريفيها الشرقي والجنوبي، حيث حقول النفط والغاز، وفي مقدمتها رميلان.
ولا يقتصر التنافس على منطقة شرقي نهر الفرات، التي تعادل نحو ثلث سورية، على الجانبين الروسي والأميركي، إذ يعمل الجانب التركي على ترسيخ وجوده في المنطقة ما بين مدينتي راس العين في ريف الحسكة الشمالي الغربي، وتل أبيض في ريف الرقة الشمالي بطول 100 كيلومتر وعمق نحو 33 كيلومتراً، والتي سيطر عليها أواخر العام الماضي. وعلى هذا الصعيد، ذكرت مصادر محلية أن الجيش التركي أنشأ قاعدة بالقرب من الطريق الدولي "أم 4" في قرية العامرية بريف بلدة تل تمر الغربي في محافظة الحسكة. ورجحت المصادر أن تكون هذه القاعدة "الأكبر من حيث المساحة"، موضحة أنها "تضم عدداً كبيراً من المدرعات والمدافع الثقيلة والدبابات والمعدات العسكرية، ورادارين للمراقبة والتعقب، بالإضافة لوجود 200 جندي تركي، بينهم ضباط". ومنذ أكتوبر الماضي أقام الجيش التركي عدة قواعد ونقاط تمركز في ريفي الحسكة الشمالي الغربي والرقة الشمالي الخاضعين لفصائل سورية مدعومة من أنقرة.