ولعلّ أهم التصريحات الصادرة على هامش الاجتماع، جاءت على لسان الرئيس الإيراني، حسن روحاني، ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين، اللذين حضرا الجلسة واجتمعا ثنائياً بعد نهايتها. وعلى الرغم من عدم الاتفاق بعد على مساحة التقسيم أو تحديد حقّ كل بلد بدقة بالاستفادة من ثروات البحر، لكنّ الجميع يسعى الآن الى توقيع اتفاقيات ثنائية أو اتفاقيات تجمع أكثر من جانب، حيث يبقى هذا الخيار الأسلم لهذه المرحلة.
وينطلق الرئيس الإيراني في مقاربته للمباحثات الجارية، من فكرة أنّه على الدول الخمس أن تفكر بطريقة لتحقيق مصالحها وتطوير علاقاتها، ما سيساعدها على الاستفادة معاً من ثروات هذا البحر بالرغم من الخلاف على تقسيمه، أمّا المسألة الثانية التي لطالما شغلت بال الإيرانيين، فهي ضرورة عدم تدخّل أو وجود أية قوات أجنبية في هذه المنطقة الاستراتيجية، التي تشكّل جزءاً من مشروع تنافس إقليمي ودولي. ففي المنطقة قواعد عسكرية روسية وأميركية على حد سواء، وتتطلع الصين أيضاً نحو منطقة بحر قزوين باعتبارها منطقة قريبة نسبياً منها وقد تؤمن لها مصادر إضافية من الطاقة مستقبلاً.
ويبدو أنّ أكثر ما يقلق موسكو وطهران ينطلق من أنّه في حال تمّ تقسيم بحر قزوين وفق القانون المتعلق بالبحار، انطلاقاً من أنه لا قوانين خاصة بالمناطق المغلقة، فهذا يعني تقسيمه بمسافة واحدة ومتساوية للقاع، ما يعني أنّ معظم الثروات تقع في القطاعين الشمالي والأوسط من البحر، أي لمصلحة كازخستان وأذربيجان من دون سواهما من الدول الأخرى. إيرانياً، يعني ذلك حرمان إيران من الاستفادة من ثروات الغاز والنفط التي كانت تمتلكها قبل تفكّك الاتحاد السوفييتي، إذ كانت تتقاسم البحر مناصفة مع السوفييت وحسب، والآن تجد نفسها مضطرة لتقاسمه مع أربع دول. ويمتلك القطاع الإيراني من البحر ثروات، ولكنها على عمق كبير، ما يعني صعوبة في الاستخراج وتكاليف عالية جداً. لهذا، تفضّل طهران سيناريو الاتفاق على استغلال مشترك للبحر، وفق القانون الدولي الذي يعمل بمبدأ السيادة المشتركة، ويعطي الدول نسباً متساوية تبلغ 20 في المائة من مساحة البحر، على أن يحصلوا معاً على عائد استغلال جماعي ومشترك لثرواته.
ويُواجه المخطط الإيراني بصعوبات وعوائق كثيرة، أهمها وجود الولايات المتحدة الأميركية التي تعمل على عزل إيران، وتنافس روسيا في المنطقة بشكل أو بآخر، إذ حاولت أن تحاصر رغباتهما وتقلل من الحاجة لهما في هذه المنطقة، فموّلت أميركا خط أنابيب لنقل مصادر الطاقة من باكو في أذربيجان إلى جورجيا ومنه إلى تركيا، من دون المرور بالأراضي الروسية.
وهنا تستدرك روسيا الخطر الأميركي، ولهذا تقف مع إيران في هذه المنطقة، وهما يحاولان معاً تطوير العلاقات المشتركة، والتركيز على توقيع اتفاقيات تعاون بين هذه الدول، ما يعني تشكيل جبهة مشتركة لمواجهة الولايات المتحدة في المنطقة والمتواجدة عسكريّاً فيها وتسعى الى تحقيق نفوذ في استثمار منابعها. وليس مستبعداً أيضاً، أن تدخل الصين على هذا الخط مستقبلاً، فهذا العملاق الذي يتحرّك في اتجاه المنطقة، قد يدخلها من بوابة التحالف مع ايران وروسيا، وكل هذا في سبيل تحقيق المصلحة الاقتصادية والسياسية والوصول الى النفوذ، ليبقى الصراع على تقسيم البحر قائماً لطالما لعبت القوى الكبرى دوراً في هذه المنطقة.
كادر
تطلّ كل من إيران على بحر قزوين من الجنوب، وروسيا من الشمال الغربي، وكزاخستان شمالاً وشرقاً، وتركمنستان من الشرق، فيما تتموضع أذربيجان، غرب البحر الذي يسمى أيضاً ببحر الخزر أو كاسبيان. تبلغ مساحة البحر 438 ألف كيلومتر مربع، وعلى الرغم من أنّ اليابسة تحدّه من كل الجهات، لكنّ كبر مساحته يجعله بحراً مغلقاً وليس بحيرة. ويقدر الخبراء ثرواته بـ 79 مليار برميل نفط، و7 تريليونات متر مكعب من الغاز الطبيعي، فضلاً عن كميات هائلة من الكافيار والأسماك. ومع مرور الوقت، أصبحت هذه المنطقة صلة وصل تمتد إلى شرق آسيا وآسيا المركزية والهند وباكستان.