تصاعد السجال التركي الأوروبي مع اقتراب موعد الاستفتاء على التعديلات الدستورية في أنقرة في 16 إبريل/نيسان المقبل. وهو المنحنى الذي وصفه سياسيون وبرلمانيون لـ"العربي الجديد" في العاصمة الدنماركية كوبنهاغن بـ"الخطير"، لتجاوزه التصريحات المتبادلة، التي عبّرت عن عمق هذه الأزمة. وربما كان قرار المنظمات التركية التابعة لحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، إلغاء كافة النشاطات السياسية المتصلة بالاستفتاء على الأراضي الألمانية، مفيداً للتخفيف من حدة التوتر الذي يخشى أن ينعكس سلباً على المواطنين الألمان والأوروبيين عموماً من جذور تركية، وهم بالملايين. وقد أججت تصريحات الأتراك بشأن "نازية الممارسات" الأمر. أما المعسكر المؤيد للرئيس التركي رجب طيب أردوغان فاعتبر سماح السلطات الألمانية لحوالي 30 ألف متظاهر تركي ـ كردي، برفع أعلام حزب "العمال الكردستاني" وصور زعيمه المسجون عبد الله أوجلان "دليلا على ازدواجية ونفاق الادعاء بحرية التعبير، التي منعت سياسيين ودبلوماسيين أتراكا من مشاركة جاليتنا في فعالياتها حول الدستور". هذا النوع من الجدل هو أحد الأمور التي أبدى أمنيون وسياسيون خشيتهم منها، لعدم رغبتهم بالتصعيد مع أنقرة. وندد أردوغان، أمس الثلاثاء، بما أطلق عليه "تصرفات أوروبا الفاشية"، مشيراً إلى أن "أنقرة ستعمد إلى مراجعة علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي بعد انتهاء الاستفتاء على التعديلات الدستورية". واتهم في كلمته في العاصمة التركية أنقرة، كلا من ألمانيا وهولندا وسويسرا بدعم الكردستاني و"حركة الخدمة" بقيادة الداعية فتح الله غولن.
في هذا السياق، اعتبر عضو في البرلمان الدنماركي، أن "الخشية تتزايد من انتقال الجدل التركي الداخلي إلى البلاد التي توجد فيها جاليات تركية كبيرة". التجاذب الذي وصل حدّ اتهام السلطات التركية بالتجسس على مواطنين مزدوجي الجنسية، ومنهم برلمانيون حاليون وسابقون، صنّفه البرلماني بـ"المقلق للغاية ويضع عقبات في طريق استعادة الثقة بين الجانبين، خصوصاً بعد الكشف في كوبنهاغن عن تعرّض نشطاء أتراك لتهديد وابتزاز بسبب مواقفهم المعارضة للتعديلات الدستورية".
ورغم تعبيرها عن عدم رغبتها بتصعيد الأزمة مع تركيا، حذّرت ميركل الاثنين أيضاً على لسان المتحدثة باسمها، أولريكا ديمر، بأنه إن "لم يتوقف القادة الأتراك عن وصف سياسة ألمانيا بالنازية فسوف تذهب ألمانيا إلى حظر شامل للنشاطات الانتخابية التركية في ألمانيا". وسبق لبرلين أن ألغت سابقاً العديد من هذه الأنشطة بحجة "المخاطر الأمنية".
ومع أن تلك المخاطر ليست جديدة، لكن محتواها السياسي واضح في تصريحات السياسيين الألمان. ففي فبراير/شباط الماضي وُجّهت اتهامات غير مباشرة للقنصلية التركية في ولاية شمال الراين، بـ"تشغيلها جواسيس على أفراد من الجالية التركية"، حسبما ذكرت الصحف الألمانية في 23 فبراير الماضي. ووفقاً لجهاز الاستخبارات الألماني، فقد أوقف 13 إماماً من مؤسسة تركية إسلامية في الولاية الألمانية الأكبر، شمال الراين (نوردراين -فيستفالن)، بتهمة "تلقي الأموال مقابل التخابر والتجسس لمصلحة السلطات التركية". وهي تهمة رسمية للسلطات التركية وقنصلياتها.
وذكرت مصادر خاصة لـ"العربي الجديد"، أن "ما يفسر رفض السلطات وصول سياسيين أتراك للقنصليات وعقد اجتماعات انتخابية يأتي أيضاً على خلفية اتهام لتركيا بزيادة نشاطها التجسسي في ألمانيا وعدد من الدول الأخرى القريبة".
أما الناشط الإعلامي التركي في جمعية الشباب التركي في هامبورغ، مهمت أوزكان، فقال لـ"العربي الجديد"، إنه "حين يُسمح للآلاف بالتظاهر ورفع صور أوجلان تحت حماية الشرطة، فأنت أمام دليل عن ازدواجية معايير لدى أوروبا التي ترفض من ناحية أخرى مشاركة الأتراك وسياسييهم في مناقشة التعديلات الدستورية". وبرأي أوزكان، فإن "ما جرى هو محاولة حثيثة لمنع ملايين الأتراك من التصويت لمصلحة التعديلات الدستورية، بخلق أجواء ترهيبية تصل حدّ إثارة شائعات بسحب إقامة من يشارك في القنصليات والسفارات، مع حملة إعلامية مركزة".