مثلما كان متوقعاً، لم ينجح مؤتمر نداء تونس التأسيسي، الأحد الماضي، في إيقاف نزيف الاستقالات والاحتجاجات، وبعد أن قاطعه محسن مرزوق ونواب وصل عددهم رسميا إلى 22 نائباً، سيؤسسون كتلة مستقلة، أعلنت مجموعة أخرى من ثمانية قياديين ونواب آخرين، انسلاخهم عن الحزب، أول أمس الاثنين.
وجاءت ضربة موجعة أخرى، صباح اليوم الأربعاء، حين أعلن وزير الصحة في الحكومة الحالية، سعيد العايدي، عن تجميد عضويته في المكتب السياسي لـ"نداء تونس"، وربط قراره بمؤتمر سوسة الأخير، والذي قال حوله "انعدمت المقومات الدنيا للمؤتمر السياسي، ودنست فيه كلّ المعايير والمقاييس المتعامل بها"، على حد تعبيره.
وأضاف العايدي، في نص نشره على صفحته الرسمية على "فيسبوك"، "إنه سينضم إلى صفوف مناضلي تونس، ليعتذر عما حدث وشوّه صورة النخلة (شعار الحزب)".
وطالب العايدي في كلمته، بـ"تصحيح المسار، حسب رزنامة واضحة وجليّة، مع إعادة الاعتبار لحزب أريدَ تهميشه، ولكن لن نسمح بتهميشه".
وانضمت النائبة ليلى الشتاوي إلى نداء العايدي، وجمدت عضويتها كذلك في الحزب، لتعود إلى صفوف المناضلين، حسب تصريحها، وتطالب بإنقاذ الحزب وتصحيح المسار.
اقرأ أيضاً: "نداء تونس" يعوض نوابه المستقيلين ليحافظ على الأغلبية
وتشير معطيات متطابقة، إلى أن وزير النقل السابق والشؤون الاجتماعية الحالي، محمود بن رمضان، المحسوب أصلاً على شق مرزوق، ينوي الاستقالة التامة من الحزب.
بدوره، أعلن رجل الأعمال والقيادي البارز، فوزي اللومي، عن رفضه المطلق لمخرجات مؤتمر سوسة وقراراته.
للإشارة، فإن فوزي اللومي يُعدّ واحداً من أهم قيادات الحزب ومموليه، الذين كانوا وراء نجاحه في الانتخابات الأخيرة.
ونشر اللومي موقفه بالكامل على صفحته في "فيسبوك"، وأعلن عن تأسيس تيار جديد داخل الحزب، يحمل اسم "تيار الأمل"، فضلاً عن انسحابه من المهمة التي أسندت إليه داخل المكتب السياسي الجديد، بسبب ما أسماه "الانقلاب على توافقات لجنة الـ13 بطريقة مدبرة".
وذكر اللومي، أنه تم تغيير كل شيء في اللحظة الأخيرة، "بفرض سياسة الأمر الواقع، وتعيين أشخاص محسوبين على طرف واحد داخل الحزب، فكانت النتيجة مهزلة سياسية، بما للكلمة من معنى، تسببت في زعزعة صورة الحزب لدى الرأي العام".
اقرأ أيضاً: بعد الانفصال.. معارك تنتظر أجنحة "نداء تونس"
وألمح اللومي في رسالته، إلى حافظ قائد السبسي، الذي تم تعيينه مديراً تنفيذياً وممثلاً قانونياً للحزب.
وأورد اللومي في "رسالته الغاضبة"، أنه نبه منذ أشهر إلى أن الحزب يسير في الطريق الخطأ، "بعد أن شعرنا أن هناك مساعي للسطو على الحزب الذي بناه عشرات آلاف المناضلين، من قبل مجموعة من الأشخاص بطرق لا ديمقراطية".
وأضاف، أنه حاول إصلاح الأمور من الداخل، للمحافظة على تماسك الحزب ووحدته، حتى لا يضيع حلم أكثر من مليون و300 ألف تونسي صوتوا له، وأملاً في إيجاد حل ينهي الأزمة داخل الحزب، وهو ما دفعه إلى المشاركة في المؤتمر الأخير بسوسة، معتبراً أن التوافقات التي توصلت إليها "لجنة 13" كانت مرضية في مجملها، ولكن داخل المؤتمر وفي الدقائق الأخيرة تم الانقلاب عليها.
وحمّل اللومي، "كل من شارك في الانقلاب على التوافقات، المسؤولية الأخلاقية الكاملة لاهتزاز صورة الحزب لدى الرأي العام، وتعميق الأزمة".
وأكد عدم اعترافه بكل ما وقع في المؤتمر، وبكل القرارات الصادرة عنه، معتبراً أن ما وقع "عملية انقلاب وسطو، لا علاقة لها لا بالديمقراطية ولا بالتوافق".
اقرأ أيضاً: محسن مرزوق: أعيننا على الفوز بالانتخابات البلدية في تونس
وأعلن تأسيس تيار جديد داخل الحزب، طبقاً للفصل الثاني من النظام الأساسي له، مع مجموعة من المناضلين، وقال رجل الأعمال التونسي، إن الهدف "سيكون بشكل عجل محاولة إنقاذ الحزب، وإعادة الأمل إلى مناضلي الحركة وقواعدها وأنصارها، والدفاع عن الديمقراطية"، داعياً كل "الندائيين الرافضين لما وقع داخل الحزب، إلى الالتحاق بهذا التيار".
ويطرح موقف اللومي سؤالاً حول مدى صموده في محاولة التغيير من الداخل، خصوصاً أنه كان أساساً من الغاضبين قبل المؤتمر مع المجموعة المستقيلة.
وتبدو أزمة النداء متواصلة، ويتوقع مراقبون أن تقود إلى مزيد من التفكيك، وإفراغه من قيادات بارزة كانت وراء نجاحه، بقطع النظر عن أسباب خروجها من الحزب.
اقرأ أيضاً: الأحزاب التونسية تواجه عاماً مصيرياً... والانقسام يهدّد بعضها