واستقبل حكيم بنشماش، رئيس مجلس المستشارين (الغرفة الثانية للبرلمان)، اليوم الإثنين، خالد المشري والوفد الذي رافقه من ليبيا، فيما يستقبل الحبيب المالكي، رئيس مجلس النواب، نظيره الليبي عقيلة صالح، الذي وصل أمس الأحد إلى الرباط.
من جهته، رحب عقيلة صالح بلقاء خالد المشري، قائلا خلال مؤتمر صحافي عقب لقائه مع الحبيب المالكي: "نحن إخوة ولا عداوة بيننا، بل هناك خلاف (فقط) من أجل مصلحة ليبيا. نحن لا نختلف على ليبيا بل نختلف على بعض الإجراءات، وسيتم اللقاء إن شاء الله".
وأشار صالح، وفقا لوكالة "الأناضول"، إلى أن مطلب المجلس الذي يرأسه هو "دعم الاتفاق السياسي بالتعديل المقترح من (المبعوث الأممي بليبيا) غسان سلامة، والذي اعتمده مجلس النواب، ونتوقع ونرجو من مجلس الدولة أن يوافق على هذا التعديل".
من جهة أخرى، أفاد مصدر من داخل البرلمان المغربي، لـ"العربي الجديد"، بأن دعوة المشري جاءت من مجلس المستشارين، ودعوة عقيلة صالح أتت من مجلس النواب المغربي احتراماً للاختصاصات النيابية للغرفتين، مبرزاً أن الزيارة تأتي في سياق إحداث منتدى برلماني مغربي ليبي لتكثيف التعاون وتعميق الحوار بين المؤسستين التشريعيتين في البلدين.
وفيما امتنعت المصادر عن كشف فحوى مباحثات مرتقبة بين المشري وصالح غداً أو بعد غد في العاصمة الرباط، إلا أن مراقبين أكدوا دور المؤسسة التشريعية للمملكة في عقد هذا اللقاء، الذي يأتي في سياق جمود واضح في العملية السياسية في ليبيا، فضلاً عن مستجد الوضع الصحي المتدهور للواء خليفة حفتر.
وكان ناجي مختار، النائب الأول لرئيس المجلس الأعلى للدولة، قد صرح أخيراً بأن هناك لقاءً مرتقباً يجمع بين الرجلين في المغرب، وأن الغاية من اللقاء المرتقب تتمثل في "تقريب وجهات النظر من أجل تحقيق انفراجة في الجمود السياسي، إذ إن اللقاء سيكون مبادرة ومن ثم نرى ما سيحدث بعده".
وأفاد خالد المشري في تصريحات سابقة، بأنه سيعمد خلال الفترة المقبلة إلى التعامل المباشر مع مجلس نواب طبرق، وبأنه يسعى من لقاء صالح إلى مناقشة تقليص أعضاء المجلس الرئاسي، وتعديل المادة الخامسة عشرة من الاتفاق السياسي المتعلقة بالمناصب السيادية، والاستفتاء على الدستور.
وسبق لرئيس مجلس النواب المغربي أن استقبل في مارس/ آذار الماضي سفير ليبيا بالمغرب عبد المجيد غيث سيف النصر، حيث تم الاتفاق على أن "اتفاق الصخيرات يجب أن يبقى هو المرجع والأرضية من أجل تسوية كل الخلافات، وأن دور المملكة كان ولا يزال مهماً في المساهمة في توحيد الصف الليبي على أساس الانفتاح على كل الأطراف المعنية.
ويرى خبير العلاقات الدولية والاستراتيجية الدكتور محمد عصام لعروسي، أن دور الوساطة المغربية المرتقب في تسوية الملف الليبي "قد يساهم في تغيير معادلة التوازن العسكري والسياسي الذي بات يخيم على ليبيا منذ عملية الكرامة سنة 2016 وتحكم خليفة حفتر ولو بشكل نسبي في القرار العسكري الليبي".
ولفت العروسي في حديث مع "العربي الجديد"، إلى "رفض حفتر بمعية مجلس النواب الليبي شروط اتفاق الصخيرات الذي نجح تحت إشراف الأمم المتحدة في وضع أرضية لإعادة الحياة الدستورية والسياسية في ليبيا، وكيفية التداول على السلطة في بلد يعج بالأسلحة وبالقوات والمليشيات العسكرية والقبلية المختلفة".
واعتبر الخبير أن "وفاة خليفة حفتر إكلينيكياً تفتح الطريق أمام بوادر اتفاق جديد، من خلال تحريك الدور المغربي في هذا التوقيت المناسب، والذي قد يساهم في إعادة المفاوضات بين الأطراف المتنازعة إلى سكتها الصحيحة"، مردفاً أن هذا الطرح تؤكده مؤشرات عدة.
المؤشر الأول، بحسب المتحدث، هو الرغبة الأميركية في تحقيق التسوية السياسية، بخاصة أن الحرب غير المحدودة تضع ليبيا أمام المجهول وتعيق وجود مخاطب مؤسساتي وسياسي رسمي يستطيع التخاطب مع المجتمع الدولي وإقامة علاقات دبلوماسية طبيعية وإدارة البلاد وفق القواعد الدستورية والتشريعية تحت مظلة حكومة واحدة ومؤسسة عسكرية موحدة وفاعلة.
المؤشر الثاني، يضيف لعروسي، يتمثل في قدرة المغرب الدبلوماسية على إقناع أطراف النزاع الليبي بالرجوع إلى طاولة المفاوضات، بخاصة بعد تداول عدد من الأسماء العسكرية المرشحة لخلافة حفتر، كعبد الرزاق الناظوري وونيس بوخمادة وعبد السلام الحاسي، الذي ينظر إليه باعتباره أبرز المرشحين لخلافة حفتر.
ولفت المحلل إلى أن اختيار المغرب من قبل واشنطن لضخ دماء جديدة في الاتفاق الليبي المجمد "هو استكمال لمسلسل تسوية الصخيرات التي أشرفت عليها الرباط، واعتراف بحيادية وقدرة الوسيط المغربي على تجسير الهوة بين المتنازعين، كما أنه تنحية لباقي الفواعل المتورطة مع أحد الأطراف، بخاصة أنه من المعلوم دعم بعض الدول كمصر لخليفة حفتر، وإخفاؤها حالياً كل المعلومات عن حالته الصحية، ما يكشف أن ليبيا تحولت إلى الحديقة الخلفية للقاهرة لتصريف أزماتها الداخلية".
وأما المؤشر الثالث، بحسب لعروسي، فهو دور القيادات العسكرية الليبية الجديدة في التعاطي بشكل إيجابي مع المفاوضات والوصول إلى تسوية تحت إشراف الأمم المتحدة والقبول بتوافقات قبلية وسياسية تساهم في توحيد صفوف الجيش الليبي، حيث عُرف عن حفتر رفضه التام لكل فرص التشاور والاعتراف بحكومة فايز السراج. ولهذا، فإن تغيير القيادات يشكل فرصة مناسبة للوصول إلى حل سياسي متوافق بشأنه.
واسترسل الخبير بمؤشر رابع إلى دور الوساطة المغربية المرتقبة، من خلال تراجع الكثير من الفواعل الإقليمية، بخاصة بعض الدول العربية عن دعم خليفة حفتر في الآونة الأخيرة، لفشله خلال المدة الأخيرة في أن يتحول إلى شخصية عسكرية متوافق بشأنها من قبل المليشيات والقبائل الليبية المختلفة.
وزاد أن "الموت السريري لحفتر أو عدم قدرته على العودة إلى وضعه الصحي الطبيعي، فرصة لكل الفاعلين الإقليميين لإعادة ترتيب الأوراق ووضع الثقة في وجوه قادرة على تحقيق التوافق السياسي والمجتمعي وإقصاء أو تثبيت بعض فصائل تيار الإسلام السياسي في ليبيا".
مؤشر خامس سرده لعروسي في ختام تحليله لـ"العربي الجديد"، "يتجسد في كون توحيد القوات العسكرية الليبية وتعزيز كل وحداتها العسكرية وبنياتها سيساهمان في وقف توغل المليشيات والجماعات المسلحة وعلى رأسها داعش وأنصار الشريعة والقاعدة واسترجاع السيطرة على كل أطراف البلاد، بخاصة في شرق والبلاد وغربها، حيث تنشط جماعات متطرفة عدة تهدد كل دول المنطقة".