كشفت مصادر متطابقة من أهالي بعض السجناء السياسيين وضباط في مصلحة الأمن العام في وزارة الداخلية المصرية، أن مصلحة السجون بدأت بتطبيق سياسة صارمة ضد السجناء المنتمين إلى جماعة الإخوان المسلمين وغيرها من التيارات الإسلامية، الرافضين للاندماج في المبادرة التي أطلقتها أجهزة الدولة للإفراج عن عدد كبير من المسجونين مقابل اعترافهم بعبد الفتاح السيسي رئيساً للجمهورية، والتوقيع على وثائق صاغها جهاز الأمن الوطني، تتضمن بنوداً واضحة للابتعاد عن العمل السياسي والتنظيمي، والتعهد بالإبلاغ عن أي أنشطة معادية للدولة في الدوائر المحيطة بهم، والتي كشفت عنها "العربي الجديد" في مايو/ أيار الماضي.
وذكرت المصادر أن مصلحة السجون شددت شروط إدخال المأكولات والمشروبات المعدة في المنازل والأجهزة الكهربائية إلى هؤلاء السجناء، على وجه التحديد بداية من يوليو/ تموز الحالي، رغم أن الشروط كانت تُخفف بشكل دائم خلال أشهر الصيف، خشية تعرض السجناء إلى مشاكل صحية قد تودي بحياتهم نتيجة الحر الشديد. كما تم رفع أسعار المأكولات والمشروبات، بصفة عامة، في مقاصف السجون، وأُخطر الأهالي بتقليل عدد الزيارات من دون علم مسبق، إلى حد منع عشرات الأسر من الزيارة بعد وصولهم للسجون، عكس ما كان يعمل به من قبل.
وأوضحت المصادر الأمنية أن هذه السياسة ليست وليدة تشديدات مؤقتة بسبب حداثة تولي وزير الداخلية، محمود توفيق، بل بسبب رغبة النظام في تعميم التوقيع على وثائق ترك العمل السياسي وتأييد السيسي، لتقليل عدد السجناء السياسيين أو المنتمين إلى تيارات سياسية بحلول العام المقبل، حيث سيتم تضمين الموقعين في قرارات العفو الرئاسية الجديدة. وأضافت المصادر أن مصلحة السجون منحت وضعاً خاصاً للسجناء الذين قبلوا بتوقيع الوثيقة، إذ تم نقل بعضهم إلى عنابر ذات ظروف معيشية أفضل، وسمح لهم بالزيارة وبدخول الأطعمة والمشروبات وبعض الأجهزة الكهربائية والكتب. كما تم نقل عدد منهم من سجن العقرب، شديد الحراسة، إلى سجن مزرعة طرة. وأشارت المصادر إلى أن قطاع حقوق الإنسان في وزارة الداخلية تلقى مئات الشكاوى خلال الشهر الحالي من سوء الأوضاع الصحية في بعض السجون، بالتزامن مع بدء تطبيق الإجراءات المشددة، لكن لم يتم التحقيق في أي شكوى.
وفي غضون ذلك، تكثف وزارة الداخلية، في جميع السجون، من إلقاء محاضرات دينية للشباب الأحدث سناً، تركز على طاعة الحاكم وضرورة عدم الخروج عليه، وتعيد تعريف التظاهرات الرافضة للانقلاب، واعتصامات رابعة العدوية والنهضة بين عامي 2013 و2014، باعتبارها محاولة للخروج على إجماع الأمة، وإقحاماً للسياسة في الدين. كما تحاول إعادة ترتيب الأولويات بالنسبة لشباب الجماعة استغلالاً لضعفهم معرفياً ومعاناتهم في السجون. وكانت مصادر حكومية وأمنية قد كشفت، لـ"العربي الجديد"، أن السيسي ومدير مكتبه السابق، عباس كامل، الذي أصبح رئيساً لجهاز الاستخبارات العامة، شكلا، منذ عدة أشهر، لجنة سياسات مشتركة بين ممثلين لوزارات الداخلية والعدل والخارجية والأوقاف والأزهر والاستخبارات العامة، فضلاً عن مستشاري السيسي للشؤون الأمنية، أحمد جمال الدين، وللأمن القومي، فايزة أبو النجا، وللخطاب الديني، أسامة الأزهري. وكلفت هذه اللجنة بوضع "خطة لخلخلة التماسك التنظيمي للإخوان وغيرها من الجماعات في السجون، ودمج عدد من السجناء في مبادرة جديدة للاعتراف بالسيسي ونبذ العنف والمعارضة. وتضمنت أعمال هذه اللجنة التنسيقية "دراسة إمكانية إعطاء بعض المميزات الدراسية والمهنية للأشخاص القابلين للاندماج في هذه المبادرة بعد خروجهم من السجن، بحيث تبرهن الدولة عن إمكانية طي صفحة الماضي مع الأجيال الشابة من جماعة الإخوان، خصوصاً مواليد التسعينيات وما تلاها، وقطع الصلات بينهم وبين أفكار التنظيم القديمة، وكل ذلك بهدف منعهم من الاندماج مع الأفكار المتطرفة الداعية لاستخدام السلاح ضد أجهزة الدولة، سواء على طريقة القاعدة أو طريقة داعش".
وأوضحت المصادر أن من الأسباب التي دفعت النظام لإطلاق هذه المبادرة رصده التقارب بين المئات من الشباب الذين انشقوا عن جماعة الإخوان المسلمين، والذين دخلوا السجون في قضايا تظاهر وهم دون سن الرشد (21 سنة)، وبين المتهمين بالانتماء إلى خلايا تكفيرية، تابعة فكرياً أو تنظيمياً إلى "داعش"، وذلك بعدما كانت السجون تشهد في السنوات الثلاث الماضية تصعيداً دائماً بين "الإخوان" من ناحية والتكفيريين من ناحية أخرى، بسبب تكفير الخلايا "الداعشية" لـ"الإخوان"، واتهامهم بالمسؤولية عما آلت إليه الأوضاع السياسية في مصر وإفشال مشروع الإسلام السياسي. يذكر أن آخر قرار عفو أصدره السيسي، بعد بدء هذا البرنامج منذ شهرين، تضمن 331 شخصاً فقط من المحبوسين في قضايا تظاهر وعنف، بعضهم ليسوا من "الإخوان"، ما عكس تعثر هذه المبادرة وعدم تفاعل معظم السجناء المحكومين معها، ليس فقط بسبب تعارضها مع ما يؤمن به معظمهم بافتقار السيسي للشرعية، ولكن أيضاً بسبب الشروط التي تضع السجناء تحت سطوة أجهزة الشرطة لمدة طويلة بعد خروجهم من السجن.