يثير تدهور الوضع الأمني في الشمال السوري الكثير من الرعب والمخاوف لدى معظم السكان المدنيين، خصوصاً الذين يتمتعون بملاءة مالية أو يمتلكون مشاريع استثمارية في المنطقة، بعد ازدياد عمليات القتل لأهداف تتعلق بتصفية حسابات شخصية، أو الخطف مقابل فدية أو السرقات، التي تنسب في معظمها لمجهولين لم يتم الكشف عن أي منهم حتى الآن.
وجاءت قضية الطبيب، محمود المطلق، الذي تم اختطافه من قبل مجهولين في ريف إدلب بهدف الحصول على فدية، وتعريضه لأقسى أنواع التعذيب، إلى أن تم دفع مبلغ 50 مليون ليرة سورية مقابل الإفراج عنه، لتزيد من مخاوف الناس من تلك العمليات التي ما زالت تسجل باسم مجهول، رغم اقتصار عمل "هيئة تحرير الشام" المسيطرة على المنطقة، على إدارة الوضع الأمني والاستثمار في الخدمات المقدمة للمواطنين، بعد توقف المعارك في المنطقة. ويبدو أن توقف المعارك مع استمرار وجود السلاح بين أيدي عناصر "الهيئة" وغيرها من التنظيمات يشكل سبباً رئيسياً في تدهور الوضع الأمني.
كما أن عدم الكشف عن أي من المجهولين الذين يقومون بتلك الجرائم، والتي لم تستثن حتى طبيباً كانت كل المنطقة التي يقطنها تستفيد من خدماته في ظل نقص الكوادر الطبية، يوحي بأحد أمرين: إما أن من يقوم بتلك الجرائم هم عناصر من الجهات الأمنية التي تدعي ضبط الوضع في المنطقة، وإما أن هناك قراراً مركزياً من قيادة "الهيئة" في توتير الوضع الأمني بهدف الابتزاز السياسي، في محاولة منها للإيحاء بأن أي تحرك ضدها قد يحول المنطقة إلى بؤرة للإجرام وانتشار العصابات التي لا تتورع عن ارتكاب أي نوع من أنواع الجرائم، وخصوصاً أن الجرائم التي تم ارتكابها خلال الفترة السابقة كلها وقعت ضمن مناطق كانت مضبوطة أمنياً من قبل "الهيئة" نفسها. كما أن الجرائم القليلة التي كانت ترتكب سابقاً كان يتم الكشف عنها فور وقوعها. وتكمن الخشية من تدهور الوضع الأمني في أن تحاول "هيئة تحرير الشام" (كما هي عادتها) تحميل المدنيين تبعات أي إجراء قد يتخذ ضدها، وزجهم في أي خطر قد تتعرض له من خلال تدهور الوضع الأمني الخاص بهم، وهو ما لا يتمناه أحد.