بدأت أصداء أزمة تعثُّر المفاوضات الخاصة بسد النهضة الإثيوبي، وفشل مصر في إلزام السودان وإثيوبيا بإدخال البنك الدولي طرفاً في المفاوضات، تظهر على أرض الواقع. فعلى الرغم من نفي أكثر من مصدر رسمي عدم لجوء مصر إلى إجراءات، منها الحدّ من زراعة الأرز لمدة ثلاثة أعوام، هي فترة ملء خزان السد، ما سيُفقد القاهرة نحو 15 مليار متر مكعب من إجمالي نحو 70 ملياراً كانت تصل إلى مصر بشكل فعلي، فقد قال مصدر حكومي مصري إن الخطة التي أعلنتها وزارات الأوقاف، والري، والزراعة، يوم الثلاثاء، تأتي في إطار خطة قومية وتعليمات من الأجهزة السيادية، وفي مقدمتها الرئاسة والاستخبارات، وأن التركيز في البداية سيكون في محافظات الوجه البحري التي تقوم بشكل أساسي على زراعة الأرز، حيث سيتم توجيه الدعاة وخطباء المساجد لتحريم مخالفة تعليمات الدولة، بشأن وقف زراعة الأرز للحفاظ على المياه.
وسيتم استكمال هذا الأمر بسرعة، عبر تمرير مشروع قانون في مجلس النواب لتشديد العقوبة الجنائية على المخالفين للخطوط العامة التي سيتم الإعلان عنها بما يتعلق بشأن استخدام المياه، سواء لأغراض الزراعة أو الاستخدامات الحياتية. ولفت المصدر إلى أن القانون يشمل أيضاً فرض رسوم كبيرة على استخدامات المياه في محطات غسل السيارات، وغيرها من الأنشطة المماثلة. وتمثّلت أولى الخطوات من جانب الحكومة المصرية لمواجهة أزمة نقص المياه، التي ستتأثر بها القاهرة خلال الفترة المقبلة، في إطلاق وزراء الأوقاف والري والزراعة حملة قومية لترشيد استخدام المياه، وتحريم الإسراف في استهلاكها، عبْر مؤتمر صحافي أعقب اجتماع الوزراء الثلاثة، صباح الثلاثاء، في مقر وزارة الأوقاف، تحت عنوان "قطرة مياه تساوي الحياة".
وقال وزير الأوقاف المصري، محمد مختار جمعة، خلال المؤتمر، إن "المصريين أمام قضية في غاية الأهمية تولِي لها الدولة المصرية اهتماماً كبيراً"، مشدداً على أن "الدين الإسلامي نهى بشكل تام عن الإسراف في المياه، سواء كانت هناك ندرة لها أو وفرة". وأوضح أنه سيتم تشكيل فريق عمل من الوزارات الثلاث، مشيراً إلى أنه سيتم عقد اجتماع خلال أسبوعين لإعداد خطة للتوعية الجماعية لترشيد المياه، بحيث تتحدث الأوقاف عن البُعد الديني، في حين ستتناول باقي الوزارات البعد الفني. ولفت إلى أن الوزارة أعدّت خطة للحديث عن قضية المياه خلال الفترة المقبلة، في خطب الجمعة والندوات، إذ ستقيم 30 ندوة شهرياً، بواقع ندوة في كل محافظة، ولقاءً شهرياً، وكل وزارة سترشح 27 ممثلاً عنها.
من جانبه، أكد وزير الزراعة، عبد المنعم البنا، أن مبادرة نقطة مياه تساوي حياة في غاية الأهمية، مشدداً على أن الزراعة لها دور كبير، وخصوصاً أن 80 في المائة من مياه النيل تستهلك في الزراعة. ولمح إلى أن خطة الترشيد ستتضمن تحديد مساحات المحاصيل المزروعة، وأوقات الري، وتطوير الإنتاج بأقل استهلاك للمياه. وأكد وزير الري، الدكتور محمد عبد العاطي، أن الخطة التي أعدّتها وزارته تقوم على تنمية الموارد المائية من خلال محطات تحلية مياه البحر، وإعداد التشريعات من خلال القوانين الرادعة لمن يسيء استخدام المياه ويلوثها. وأوضح أن البرلمان سيناقش الأسبوع المقبل مشروع قانون يتضمن تغليظ العقوبات على الإسراف في استخدام المياه، وتوقيع عقوبات مشددة على المخالِف لتعليمات الخطة القومية لترشيد استخدام المياه.
وكان الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، أكد، عقب اجتماع ثلاثي بينه وبين الرئيس السوداني عمر البشير، ورئيس الوزراء الإثيوبي هايله ميريام ديسالين، في أديس أبابا منذ نحو عشرة أيام على هامش انعقاد القمة الثلاثين للاتحاد الأفريقي، انتهاء الأزمة الخاصة بتوقف المفاوضات بشأن السد، من دون توضيح ما تم الاتفاق عليه، في حين أكدت مصادر حكومية ودبلوماسية مصرية، لـ"العربي الجديد"، في وقت سابق، أن السيسي لم يتوصل إلى أي حلول، في حين حصل كل من السودان وإثيوبيا على ما كانا يريدانه، وهو رفض إشراك البنك الدولي في المفاوضات، في حين أن كل ما طلبه السيسي، خلال الاجتماع، تمثّل في عدم التصعيد الإعلامي من جانب المسؤولين في الدولتين بشأن السد ومسار المفاوضات، خصوصاً في الفترة الحالية التي تسبق الانتخابات الرئاسية في مصر. وأكدت المصادر أن مصر، في ظل عدم امتلاكها أوراق ضغط، اضطرت للقبول بتصور سوداني، بتعهُّد إثيوبيا بالحفاظ على الحصة الرسمية فقط لمصر وفقاً لاتفاقية 1959، والمقدرة بـ55 مليار متر مكعب، على أن تتنازل القاهرة عن حصة إضافية كانت تصلها نتيجة لعدم استخدام دول الحوض، وفي مقدمتها السودان، حصتها بالكامل، وتقدر بنحو 15 مليار متر مكعب، مع تقديم مصر تنازلات عبر خفض زراعة الأرز كثيف الاستهلاك خلال فترة ملء خزان السد المقدر بـ74 مليار متر مكعب.