وبحسب فيشمان، فإنّ هذا التقارب بدأته الرياض بعد الهجوم على مصافي النفط السعودية في 14 سبتمبر/أيلول الماضي، وأن الجنرال سليماني كان يقود باسم إيران خيوط التقارب الأخرى.
وأوضح أن التقارب جاء بعد أن أجرت دول الخليج، ولا سيما السعودية والإمارات حسابات جديدة بينت لها أن ردا أميركياً سيعرضها لمزيد من الضربات الإيرانية، وأن الولايات المتحدة لن تقف في نهاية المطاف إلى جانبها.
وبحسب فيشمان، فقد بدأ السعوديون في هذه النقطة اتصالات مع جماعة "أنصار الله"(الحوثيين) في اليمن لإنهاء الصراع هناك والدائر منذ خمس سنوات. وهو أمر يشكل نصراً إيرانياً بامتياز، فقد أدرك السعوديون أنهم لن يحققوا عبر الحرب تهدئة أو تأثيرا في اليمن، ومن الأفضل لهم اعتماد سياسة عملية "براغماتية".
ويرى المحلل العسكري أن الاتفاق مع الحوثيين يفتح الباب على مصراعيه أمام مشاركة إيرانية في تشكيل حكومة وحدة في اليمن، بمشاركة الحوثيين على غرار مشاركة "حزب الله" في الحكومة اللبنانية.
ووفقاً لفيشمان، فقد بدأت السعودية والإمارات وإيران، بموازاة ذلك، بوساطة حكومة العراق محاولات لخفض منسوب التوتر.
وأوضح أن السعودية بحاجة إلى استقرار إقليمي، لأنها في أوج عملية تجنيد مستثمرين من الخارج ومن الولايات المتحدة، خاصة بعد أن عطل الهجوم الإيراني على مصافي النفط والغاز، الإنتاج السعودي وشكل هذا الأمر حدثاً مؤسساً في الوعي السعودي، كان أساس معارضة السعودية والإمارات لأن ترد الولايات المتحدة على هذا الهجوم كي لا يكون أي من السعوديين ودول الخليج من يدفع ثمن هذا الهجوم.
وأضاف "مع أن هذا الموقف السعودي والخليجي، كان يفترض فيه أن يشعل إنذارات في واشنطن، إلا أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب واصلت نشاطها الاعتيادي، وأعلنت عزمها سحب قواتها من المنطقة".
في المقابل، قال فيشمان، إن إسرائيل في تلك المرحلة بدأت تصدر إشارات ضائقة استراتيجية، لأن معنى التقارب، خسارة إسرائيل لسند في الخليج، وهو ما يشار إليه دائما بالتعاون والمصالح المشتركة بين إسرائيل ودول المحور السني في الخليج لمواجهة الخطر الإيراني.
وتابع أن هذا "السند" ساعد إسرائيل ووفر لها امتيازات استراتيجية على الحلبة الدولية في مواجهة إيران، والعالم العربي وحتى الفلسطينيين، فهو الإنجاز الدبلوماسي والسياسي الذي فاخر ويفاخر فيه رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وأشار فيشمان إلى أنه "وفي حال تحقق تقارب بين السعودية وإيران في مواجهة السياسة الأميركية الحالية (قبل عملية الاغتيال) فستخسر الولايات المتحدة دول الخليج، وتخسر إسرائيل سنداً استراتيجياً.
ووفقاً للمحلل الإسرائيلي فإن "التقارب السعودي الإيراني كان سيخدم الخطط الإيرانية، لضرب العلاقات السعودية الأميركية وإسرائيل، ومحو تأثير هذه الدول وإدراج العراق تحت جناح الإمبراطورية الشيعية". وخلص إلى أنه "استغرق وقتاً قبل أن يدرك الأميركيون أن السعوديين فقدوا ثقتهم بالولايات المتحدة الأميركية وأنهم يجسون النبض عند الإيرانيين، وكانت هناك حاجة لسلسلة عمليات دراماتيكية لوقف هذا التوجه السعودي، ومن بينها عملية اغتيال الجنرال سليماني".
طهران لن تدخل في مواجهة
من جهة أخرى، أعرب رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي الأسبق، الجنرال غيورا أيلاند، في مقابلة إذاعية، اليوم الجمعة، عن اعتقاده أن إيران لن تدخل في مواجهة عسكرية مع إسرائيل قبل تحقيق أحد ثلاثة أهداف استراتيجية لها.
وأوضح الجنرال أن أهداف إيران هي، تحقيق قوة نووية، أو ترسانة صاروخية دقيقة الإصابة، وأخيراً وصول قوات تابعة لها أو وكيلة عنها وتموضعها في سورية لتشكيل جبهة مباشرة مع إسرائيل. تصريحات أيلاند هذه، أتت في سياق تعقيبه على عملية اغتيال قائد "فيلق القدس" الإيراني، قاسم سليماني، مكرراً اعتقاده أن إيران لم تتخلَ عن أي من أهدافها الاستراتيجية، مثل الوصول للقوة النووية وإخراج الأميركيين من العراق.
وأشار أيضاً إلى أن القادة الإيرانيين "يميزون بين رد إيراني رسمي معلن وبين تشجيع العمليات ضد الأميركيين في العراق".
ولفت أيلاند، كغيره من المسؤولين والمعلقين في إسرائيل، إلى أنه من الصعب عملياً، في ظل حقيقة أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب شخص غير متوقع من حيث خطواته وقراراته؛ تقدير وتوقع مسار الأحداث مستقبلاً.
وبحسب الجنرال الإسرائيلي السابق، فإن المنظمات "الإرهابية" تحب أن تنفذ عمليات موجعة، ولكن ليس إلى الحد الذي يدفع الطرف الآخر إلى القيام بعملية كبيرة.
وقال "سيقومون بعمليات بمستوى متدن يمكن للولايات المتحدة احتمالها والتعايش معها. هذا لا يعني أن الهدوء سيخيم على العراق الآن. ما يحدث في العراق أمر غريب لا مثيل له: دولة ذات سيادة دعت كلاً من الولايات المتحدة وإيران لمساعدتها في الحرب ضد داعش. انتهت الحرب على داعش، والآن سيكون عليهم الاتفاق فيما بينهم وهذا وضع غريب جداً".
واعتبر أيلاند أن تصفية سليماني هي حدث لمرة واحدة، وأنها لن تشكل تحولاً استراتيجياً، مبيناً أن "إيران لن تبادر لحرب ضد إسرائيل ولا حتى تفعيل حزب الله ضد إسرائيل، إلى أن تحقق واحداً من أهدافها الاستراتيجية الثلاثة: النووي، نشر مليشيا شيعية في سورية تشبه حزب الله، أو تسليح حزب الله بكمية كبيرة من الصواريخ دقيقة الإصابة. في المقابل تعمل إسرائيل لإحباط ذلك".
ورأى أيلاند أن "إيران تملك صبراً، وهي لن تبادر، حتى تحقيق أحد هذه الأهداف، إلى أي معركة أو حرب شاملة ضد إسرائيل، لأن ذلك سيكون من وجهة نظرهم مخاطرة زائدة عن الحاجة. وبالنسبة لإسرائيل فهي ستعمل لإحباط ذلك لأن القاع قبل اغتيال سليماني وبعده هو ذات الشيء".
وخلص إلى أنه لا يعتقد أن "إخراج سليماني من المعادلة" يعني إيران أقل جرأة في المستقبل، معترفاً بأنه "صحيح أنه (سليماني) كان المنفذ لسياسات إيران ودفع نحو مواقف أكثر تطرفاً، لكن في نهاية المطاف من يبلور السياسة والموقف من إسرائيل هو المرشد الأعلى علي خامنئي الذي بقي كما هو".