اعتراف الجنرال المتقاعد مايكل فلين، المستشار السابق للرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الجمعة، أمام المحكمة بأنه سبق أن أعطى مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) أربع إفادات كاذبة تتصل بالتحقيقات الروسية، وتسريب مقربين منه استعداده للشهادة ضد الرئيس، كان له وقع الصاعقة في واشنطن رغم أنه كان متوقعاً.
فبعد عشرة أشهر وعشرة أيام من رئاسة ترامب، فتح تراجع فلين المدخل لفك طلاسم اللغز الروسي وتداخلاته الأميركية المشتبه بها.
وجاء اعتراف فلين نتيجة "صفقة" عقدها معه المحقق الخاص، روبرت مولر، تقضي باستعداده لـ"التعاون" مقابل تخفيف عقوبته، وربما شطبها، عند صدور الأحكام بالمتورطين، إذا ثبت تورطهم في التدخل الروسي بانتخابات الرئاسة الأميركية الأخيرة.
وهذه المقايضة يجيزها القانون من باب أن الاستعانة بالمذنب الصغير ومعلوماته ضرورية ومبررة لكشف تفاصيل الجريمة الأكبر المحتملة وأدوار أصحابها.
وكان محامو فلين قد أعلنوا، قبل أيام، عن وقف تواصلهم مع فريق ترامب القانوني، في إشارة واضحة إلى أن الجنرال المتقاعد قرّر فتح جعبة معلوماته أمام مولر ليحصل منه على العفو، وربما لينقذ، أيضاً، ابنه الذي كان يرأس شركة الاستشارات التي أسسها مستشار ترامب السابق، التي تحوم حول نشاطاتها شبهة التآمر لخطف المعارض التركي فتح الله غولن من أميركا وتسليمه إلى تركيا مقابل مبلغ مالي كبير.
وما يتوقع أن يزيد من الضغط على البيت الأبيض حديث وسائل إعلام أميركية، الجمعة، عن أن مستشار الأمن القومي السابق سيشهد ضد ترامب، وسيقرّ بأن الأخير طلب منه بشكل مباشر الاتصال بالروس، كذلك سيشهد ضد أفراد من عائلة ترامب وموظفين آخرين داخل البيت الأبيض، وهو ما يعني دحض كل ما سبق أن قاله ترامب بشأن التحقيق.
وقد أربكت هذه الانعطافة في التحقيقات الروسية البيت الأبيض، الذي سارع إلى وضع فاصل بينه وبين الجنرال المتقاعد، في محاولة لحصر التهمة بالكذب وبصاحبها فقط، كأنه لا علاقة له بما أفصح عنه المستشار السابق ولا بما ينوي البوح به لاحقاً في قضية التدخل.
لكن التنصل منه ليس بالأمر السهل. فالرجل رافق ترامب منذ بداية حملته الانتخابية ومطلع، بحكم دوره كمقرب وموثوق ومستشار، على كل شاردة وواردة في مسيرة وصول الرئيس إلى البيت الأبيض.
وجاء انقلاب فلين اليوم على إفادته الكاذبة واعترافه بعقد لقاءات مع الروس أثناء الحملة، وخلال الفترة الانتقالية قبل تسلم ترامب الرئاسة، لينذر بأن لديه منجم معلومات في ما يتعلق بملف التدخل، وبأنه حسم بأمر الكشف عنها لقاء إعفائه من السجن لسنوات طويلة، ومن هنا خشية الرئيس وفريقه، ذلك أن "التعاون" في مثل هذه الحالة له ثمنه بقدر ما له من ثواب.
ولن يكون باستطاعة فلين أن ينعم بالثواب لو مارس من جديد لعبة حجب الحقائق، خاصة أن مولر عقد صفقة مماثلة مع جورج بابادوبولوس، أحد معاوني ترامب السابقين، والمطلع على جوانب هذا الملف.
كذلك ينوي المحقق الخاص عقد صفقات مماثلة مع آخرين ضالعين في التدخل لو صح له ذلك، وبما يوفر له صورة كاشفة عن تسلسل وشخصيات وأدوار كافة الذين شاركوا أو تواطأوا في حبك وتسهيل عملية التدخل، وبهذا يصبح من شبه المستحيل على فلين أن يقوى على التستر والالتواء بعد الآن.
وفي هذا الإطار، من المتوقع أن تدخل التحقيقات طور الكشف عن المستور، فمعلومات الجنرال أساسية، إذ عليه افتتاح هذه المرحلة بالإجابة على أسئلة كبيرة وهادفة تطالبه بتفسير لإفادته الكاذبة ولاجتماعاته مع الروس وأغراضها، والذين كانوا وراءها، وغيرها.
ويسود الاعتقاد بأن مستشار ترامب السابق على دراية دقيقة بهذه الأمور، وأن الرئيس يدرك مخاطر معرفته لهذه الجوانب الرئيسية في الملف، والدليل أنه حاول توظيف نفوذه منذ البداية مع مدير "إف بي آي" السابق، جيمس كومي، الذي كان يحقق في الموضوع "لترك فلين بحاله"، بحسب ما ذكر كومي.
كذلك كرر ترامب المحاولة مع لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ بالدعوة إلى "الإسراع في طي تحقيقاتها" في هذه القضية، بحسب ما كشف رئيسها السناتور الجمهوري ريتشارد بار.
هذه المحاولات عززت الانطباع بأن فلين يملك معلومات مؤذية لو كشف عنها، وإلا لما استعجل الرئيس بطلب صرف النظر عن التحقيقات معه.
ما لا جدال فيه أن التحقيقات الروسية دخلت في منعطف حساس، وأن الجنرال "العاتب" على الرئيس بحوزته ما يمكن أن يشكل جسر العبور إلى الضفة المطلة على فضيحة محتملة، وهذا الاحتمال ينطوي على ما يكفي من التوتر لهزّ المشهد السياسي اليوم في واشنطن، أكثر مما هو مهتز.