ومع مرور قرابة 15 عاماً على احتلال العراق بدا العام 2018 الأكثر تنقلاً للسياسيين بين الأحزاب أو حتى تشكيل أحزاب أخرى بأسماء مختلفة وسط غياب أي نظام داخلي يسير عليه الحزب، فرئيسه أو الذي يقوم بتأسيسه هو من يديره وهو من يقرر بالنهاية.
يكشف مدير مكتب طباعة معروف في بغداد، ويقع على مقربة من منطقة كرادة مريم، أنه يملك 22 نظاماً داخلياً تتعلق بعمل الأحزاب. وعادة ما يكون النظام الداخلي شرطاً لدى المفوضية العليا للانتخابات ومكتب شؤون الأحزاب من أجل استكمال ترخيص الحزب الجديد ومنحه إجازة التأسيس.
يقول مدير المكتب، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه في العادة يتلقى السؤال التالي: "الله يساعدك عندك نظام داخلي"، قبل أن يضيف "عندها أنا بدوري أعطي من يسأل ما عندي من أنظمة ويقوم هو خلال دقائق بإجراء تصفح سريع للأنظمة قبل أن يختار أحدها لأطبع منه 100 أو 200 نسخة ويرحل". ويلفت إلى أنه "لا يوجد الآن أي حزب جديد يكتب نظاماً داخلياً وله مبادئ وأهداف وتطلعات".
ومع وجود عروض مستمرة من ساسة عراق ما بعد 2003 لساسة آخرين يمكن لأي تحالف متماسك أن يتفكك على غرار ما حدث في الآونة الأخيرة.
وشهدت العملية السياسية في العراق خلال الأشهر الماضية، انسحابات عديدة لأعضاء ورموز سياسيين بارزين، ومنهم من وصل متأخراً إلى مقعد في البرلمان. وأبرز هذه الانشقاقات نفذها رئيس البرلمان العراقي السابق سليم الجبوري بابتعاده عن "الحزب الإسلامي" السني، وهو مرادف لحزب "الدعوة" الشيعي. لم يستمر الجبوري مع حزبه الذي ترقى في صفوفه حتى تسلم مناصب رفيعة في الدولة العراقية، وتركه بعد أن وجد أن منهاج حزبه القديم لا يزامن الواقع الحالي، بحسب مسؤولين عللوا في حديث مع "العربي الجديد" خروج الجبوري. وأسس الأخير حركة سياسية جديدة لم تحصل على أصوات العراقيين في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في مايو/ أيار الماضي.
ولم يقتصر الأمر على الجبوري، إذ انشق وزير الإعمار والإسكان الأسبق محمد صاحب الدراجي عن التيار الصدري الذي أوصله لمنصب وزير، ثم توجه أخيراً إلى تحالف "الفتح" مع هادي العامري. وتكرر الأمر مع عدي عواد الذي ترك الساحة الصدرية وعسكر في مخيم "العصائب" لقيس الخزعلي، ورئيس الجمهورية برهم صالح الذي انشق عن حزبه "الاتحاد الوطني الكردستاني" وأسس حزباً جديداً، ثم عاد إلى الأول بتوجيهات من طهران.
وأكبر أزمة شهدتها حكومة رئيس الوزراء العراقي الجديد عادل عبد المهدي، هي ما يتعلق بوزارة الداخلية التي يقاتل لأجلها تحالف "الفتح" بمرشحه، رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض، المنشق أصلاً من ائتلاف "النصر" الذي يقوده رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي. وتقارب النصر مع تحالف "سائرون" بزعامة مقتدى الصدر خلال مرحلة ما بعد الانتخابات الأخيرة، وكان الفياض مرشحاً لمنصب رئيس الوزراء إلى جانب العبادي، لكن الأخير قمع الأول وعزله عن منصبه، فما كان من الفياض إلا الانسحاب مع أكثر من 25 عضواً، الأمر الذي أغضب العبادي والصدر، ما جعلهم يرفضون وصوله إلى منصب وزير الداخلية.
يقول القيادي في "ائتلاف الوطنية"، حامد المطلك، إن "انسحاب السياسيين العراقيين من أحزاب وتوجههم إلى أحزاب أخرى، يدل على انعدام المبدئية والمصداقية لدى الشخصيات السياسية المتنقلة، إذ كيف لمن هو مؤمن بحزبه ومشروعه تركه مع أول إيماء ليرحل إلى حزب آخر؟". ويلفت المطلك، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "لجوء أعضاء الأحزاب الذين دخلوا العملية السياسية وفق برامج انتخابية معينة وصعدوا بواسطة أصوات العراقيين وتأييدهم إلى البرلمان أو إلى تعيينات وزارية معينة، إلى التنكر للأحزاب التي أعانتهم في الوصول، هو دليل على عدم إيمان الأعضاء بهذه الأحزاب أصلاً".
وبالنسبة إليه فإن "للانشقاق أسباباً عدة، ومنها التأثيرات الخارجية والفساد المالي والإداري وانعدام الرؤية الوطنية الحقيقية، وعدم الإيمان بالمشاريع المطروحة في برامج الأحزاب". ويوضح أنه "حتى السياسيون الذين انشقوا عن أحزابهم الأم، لم يتمكنوا فيما بعد من كتابة برامج سياسية واقتصادية تخدم الشعب، لأن معظمهم فاسد، وانتقالاتهم جاءت بناءً على مصالح شخصية".
من جهته، يعتبر عضو تيار "الحكمة"، محمد اللكاش، أن "من المفترض بالمنتمي لحزب معين أن يكون مؤمناً بمشروعه"، مشيراً إلى أن "الانشقاق هو أمر مؤسف، لأنه يحدث بعد وصول عضو الحزب إلى مناصب رفيعة في الدولة، ومن ثم يصنف هذا الانشقاق أنه جزء من التلاعب بأصوات العراقيين ومشاعرهم ورغباتهم". ومن وجهة نظره فإن "التحول من حزب يملك برنامجاً ومشروعاً إلى حزب يحمل برنامجاً ومشروعاً آخرين يمثل قمة الاستخفاف بتطلعات الشعب العراقي، لكن لا يهتم السياسيون لتطلعات الشعب إنما للمغريات والعروض من الأحزاب الأخرى".
ويشرح عضو تحالف "القرار" أثيل الجبوري، أن "كثيراً من الحركات السياسية الحالية لا تُسمى أحزاباً إنما تجمعات انتخابية، وهذا الأمر ينطبق على حركة عطاء التابعة لفالح الفياض، فهي ستذهب مع أي جهة في حال إعطاء الفياض منصب وزير الداخلية". ويلفت في حديثٍ مع "العربي الجديد" إلى أن "الانشقاقات ناتجة من عدم استقرار الحالة السياسية، بالإضافة إلى فشل المسارات التي نادت بها الأحزاب سابقاً". ووفقاً للجبوري "أنتج هذا الأمر زعامات سياسية تعتمد الانتقالات من أجل الحصول على الأرباح". كما لا يمكن إغفال "الضغوط والوضع السياسي العام الذي فرض نفسه على الحالة الجديدة في العراق". أما "الأمر الأخير الذي يتحكم بالتوجهات، فهو ميزان التعامل مع ملف العلاقة ما بين إيران والولايات المتحدة"، على حد قوله.
وحول أسباب الانشقاقات وأثرها على العمل السياسي، يرى المحلل السياسي رعد جاسم أنه "لا توجد نوايا صادقة لمن انخرطوا في العمل السياسي بالعراق". ويوضح في حديث مع "العربي الجديد" أن "الانتقالات تدل على تقلب أمزجة الذين لا يحترمون المواقف والبيانات التي أدلوا بها في بداية كل مرحلة سياسية، وأنهم فضلوا مصالحهم الشخصية على مصالحهم الحزبية، وهذا الأمر سيدفع الناخب العراقي إلى نبذهم وعدم انتخابهم مجدداً".
ووفقاً لجاسم فإن غالبية الانتقالات والانشقاقات التي حدثت هذه المرحلة كانت مدعومة من زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، لتحقيق مشروعه المتمثل بضمان "الأغلبية السياسية"، لكن المعوقات الكثيرة حالت دون إتمام المشروع. ويشير إلى أن "البرلمان الحالي لا يمثل واجهة رقابية على سلوك أعضائه والأحزاب العراقية"، معتبراً أن "البرلمانيين ليسوا سوى رجال أحزاب يبحثون مثل غيرهم من المسؤولين عن مصالحهم".