خلافاً لما صدر عن عدة محاكم استئناف وقضاة أميركيون، قررت المحكمة العليا اليوم قبول النظر في قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب بمنع مواطني ست دول إسلامية من دخول أميركا.
وكان البيت الأبيض قد طلب قبل حوالي شهر من هذا المرجع القضائي الأخير سماع اعتراضه على قرارات الاستئناف التي سبق أن أوقفت العمل بالمنع، على أساس أنه تمييزي ضد المسلمين، وبالتالي غير قانوني.
وبقبولها الدعوى، في آخر يوم عمل قبل بدء إجازتها الصيفية، التي تستمر ثلاثة أشهر، أعطت المحكة العليا شحنة من الزخم لقرار المنع، وبما يكفل تركه على قيد الحياة ولو جزئياً ومؤقتاً.
وإلى جانب دلالاته الأمنية المتعلقة باستراتيجية الإدارة الأميركية الجديدة وسياساتها الخارجية المرتبطة بالحرب على الإرهاب، اعتبر صدور القرار بمثابة انتصار سياسي للبيت الأبيض وخصوصا الجناح المتشدد في الحلقة المحيطة بترامب التي يشكل قرار المنع بنداً رئيسياً في أجندتها السياسية.
وقال ترامب في بيان أصدره بعد إعلان القرار "إنه انتصار واضح لامننا القومي.. إنه يسمح بتعليق السفر من ست دول.. الست التي ينشط فيها الإرهاب ويوقف بشكل كامل دخول اللاجئين.. كرئيس لا يمكنني السماح بدخول أشخاص يريدون إلحاق الأذية بنا.. أريد دخول ناس يحبون الولايات المتحدة وكل مواطنيها ويعملون بجهد ويكونوا منتجين".
واستثنى قرار المحكمة العليا الأميركية من قرار المنع، الذي يستهدف رعايا كل من ليبيا، اليمن، السودان، سورية، الصومال وإيران، الأشخاص الذين لديهم أقارب وعلاقات "حقيقية" بأشخاص في الولايات المتحدة ومن هؤلاء الطلاب الذين يدرسون في جامعات الولايات المتحدة ورجال الأعمال الذين يستثمرون فيها.
وجاءت هذه التسوية بعد مطالبة القاضي نيل غورسيتش، الذي عينه ترامب بعد وصوله الى البيت الابيض ،بتطبيق كامل بنود قرار المنع .وفي الاشهر الماضية صدرت عدة قرارات عن محاكم اميركية بالغاء قرار الحظر بينها محاكم الاستئناف في فرجينيا وكاليفورنيا وولاية وواشنطن.
ومن الآن ولغاية فتح المحاكمة في هذه القضية في أكتوبر/تشرين الأول القادم، يبقى لدوائر الهجرة رفض منح تأشيرات لمواطني هذه الدول، إلا إذا توفرت المسوغات وعلى قاعدة وجود علاقات مشروعة، تجارية او دراسية أو وجود علاقة قربى مع مقيمين في الولايات المتحدة. وهذا يترك للجهات المختصة العمل بقاعدة الاستنساب.
وبذلك تكون المحكمة العليا قد رفضت التعميم في قرار المنع ومنحت الشرعية لما يتعلق منه بالحالات الاستثنائية المبررة. نصف نقض مقابل نصف إنقاذ.
وكان الاعتقاد أن المحكمة العليا قد تنفض يدها من هذا الموضوع، عن طريق رد الدعوى والالتزام بقرارات محكمة الاستئناف بشأنه. خصوصاً أن أكثر من جهة قضائية استئنافية، سواء قاض بمفرده أو هيئة محكمة، قد أجمعت على عدم قانونية المنع.
كما أن وزيرة العدل بالوكالة سالي ياتس التي أقالها ترامب، كانت قد رأت فيه إجراء غير دستوري. لكن المحكمة آثرت مخالفة الاستئناف، وبأكثرية 6، كل المحافظين إضافة إلى واحد، مقابل 3. وكان من اللافت أن القاضي غورساك الذي اختاره ترامب وبدأ ممارسة مهامه في مايو/أيار الماضي، كان من بين الستة.
بسرديتها القانونية الطويلة استندت المحكمة العليا إلى القانون الذي يترك قضايا الهجرة في عهدة السلطة التنفيذية، أي الإدارة. لكن الجدل ليس حول الجهة التي تتمتع بهذه الصلاحية، بل حول ممارستها. فالقانون وخصوصاً الدستور يحظران التمييز في التطبيق. الإدارة تزعم بأن قرارها يخلو من أي إشارة لـ"المسلمين". يذكر فقط مواطني ست دول. الجهات الاستئنافية رأت أن المنع يستهدف المسلمين بصورة مبطنة ومبنية على أدلة ظرفية.
وضمن هذا الإطار ستدور المرافعات والمطالعات أمام المحكة العليا في أكتوبر القادم. آنذاك تكون مدة قرار المنع التي سبق وحددها الرئيس، 90 يوماً، قد انقضت. فهل تصبح الدعوى غير ذات موضوع؟ أم تسارع الإدارة إلى تجديد القرار؟ أم هل تمضي المحكمة في البت بالدعوى ولو بمفعول رجعي؟
في كل حال، لا يبدو أن الإدارة متراجعة عن هذا الإجراء. ما صدر عن البيت الأبيض ووزير العدل يرجح ذلك. خصوصاً أن كلاهما يدرك الآن أن غالبية المحكمة العليا تقف إلى جانب القرار. صحيح أن قبولها الدعوى جاء معززاً بمطالعة قانونية محبوكة، لكنه لا يخلو من مسحة سياسية تعكسها معادلة التصويت.