غرينلاند لترامب: جزيرتنا ليست للبيع... وكوبنهاغن تعتبرها "مزحة ثقيلة" و"عقلية استعمارية"
لم يتأخر رد الساسة الدنماركيين والغرينلاديين على الأخبار، التي تناقلتها وسائل إعلام أميركية عن رغبة الرئيس الأميركي بـ"شراء جزيرة غرينلاند". فقد قال رئيس مجلس الحكم الذاتي في عاصمة الجزيرة، نوك، كيم كييلسن، إن "جزيرتنا ليست للبيع.. رغم أننا منفتحون على التعاون كدول وباحترام وندية".
وتتبع الجزيرة الكبرى في العالم، غرينلاند، للسيادة الدنماركية، التي لم يتأخر أيضاً ساستها ومشرّعوها في التعبير بتهكم عن رفضهم، قبيل أسابيع من زيارة مقررة لترامب إلى كوبنهاغن في سبتمبر/ أيلول القادم، لطرح ترامب الذي نقلته "وول ستريت جورنال"، ووصفوه بـ"المزحة السخيفة والفكرة الفظيعة".
ذلك ما ورد على لسان وزير الخارجية السابق ورئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان مارتن ليدغورد، من يسار الوسط، حين صرّح قائلاً: "أتمنى أن الأمر مجرد مزحة، لأنه طرح رهيب سيعني بالنسبة لي تفكك كومنولث المملكة الدنماركية التي تشمل غيرنلاند (وجزر الفارو)".
تعبير ترامب عن رغبته شراء جزيرة غرينلاند صدم الدنماركيين وهو يعبر عن الفرص التي يمكن استغلالها لبلده، من حيث الموارد الطبيعية والموقع الاستراتيجي والعسكري.
ويرى المراقبون في كوبنهاغن، أن "الأميركيين لم يعودوا يخفون نظرتهم إلى الروس والصينيين على أنهم خصوم في منطقة القطب الشمالي، حيث بدأ التغير المناخي يؤثر خلال السنوات الماضية على المحيط المتجمد الشمالي كمنطقة تجارية جديدة تسعى الأطراف للهيمنة عليها".
زيارة ترامب إلى كوبنهاغن الشهر القادم تأتي بدعوة من الملكة مارغريتا الثانية، فيما الساسة يرونها زيارة ضمن محاولات الضغط الأميركي للاستثمار في القطب الشمالي، انطلاقاً من غرينلاند. أمر يرى فيه مشرعون "طرحاً غريباً"، بحسب ما ذهب مقرر لجنة الشؤون الخارجية لحزب فينسترا الليبرالي، ماركوس كنوث، وهو الحزب الذي فقد الحكم بزعامة لارس لوكا راسموسن بعد انتخابات يونيو/ حزيران الماضي لمصلحة يسار الوسط. وأضاف كنوث، للقناة التلفزيونية الدنماركية: "لا جزيرة غرينلاند ولا لولاند ولا بورنهولم (وهي جزر دنماركية) أو أي من أراضي المملكة للبيع. لقد كان هناك تعاون بيننا والأميركيين في السياسات الأمنية القطبية، لكن طرح شراء غرينلاند مجرد تخاريف".
ولم يختلف موقف اليسار عن الليبراليين، إذ ذهب حزب الشعب الاشتراكي على لسان عضو البرلمان كارستن هونغ، إلى التعبير عن امتعاضه من الفكرة، بالقول: "يبدو أنه لا يوجد لدى ترامب أي حدود بين السياسة الجدية الحقيقية وعالم خفة الدم، حيث يأتي أصلاً من عالم يظن أن كل شيء قابل للبيع والشراء، لكنه هذه المرة سنخيب أمله".
اليمين المتشدد، الذي عادة ما يؤيد ترامب في كل سياساته، في حزب الشعب الدنماركي، وجد أنه "من الجيد التعاون مع أميركا، لكن هذه الفكرة جنونية، وباختصار: التفكير بأن الدنمارك تبيع أرضاً تضم 50 ألف مواطن هو ضرب من العته تماماً"، بحسب ما ذهب سورن إسبرسن في حديثه لوكالة الأنباء الدنماركية "ريتزاو".
وبالرغم من وجود قاعدة عسكرية أميركية على أرض الجزيرة، تسمى قاعدة "ثولا" شمال غرب الجزيرة، فقد عبر الأميركيون، في سياق الصراع مع الصين وروسيا، عن الرغبة بتوسيع استخدامات الجزيرة وبعض القواعد الجوية.
وتتعرض الدنمارك في السنوات الأخيرة، إلى ضغوط كبيرة من بكين لفتح الجزيرة أمام استثماراتها. وبالفعل ثمة عمال صينيون يعملون في مصانع السمك في غرينلاند، فيما بكين تريد الاستثمار في بنى تحتية أعمق لتعزيز وجودها. ويرى خبراء كوبنهاغن أن النزاعات القائمة على المنطقة القطبية، تجعل غرينلاند تحتل مكانة متقدمة في محاولة الهيمنة على الطريق والمنطقة التجارية الجديدة، التي كشفتها التغيرات البيئية مع الذوبان الهائل للجليد في تلك المناطق.
وعززت مؤخراً كوبنهاغن من وجودها العسكري، وخصوصاً الدفاعات الجوية في غرينلاند، معتبرة أن "أي تحرش روسي فوق أو قرب الجزيرة سيجري التصدي له كما هو الحال مع بحر البلطيق"، إذ كثيراً ما أقلعت الطائرات الحربية لمواجهة اقتراب الطائرات الروسية من المجال الجوي لجزيرة بورنهولم في البلطيق، من خلال جيب كاليننغراد الروسي، وآخرها قبل أيام حين حلقت طائرات حربية قرب طائرة وزير الدفاع الروسي بالقرب من الأجواء الدنماركية.
في المجمل، تبدو زيارة ترامب القادمة (2-3 سبتمبر/ أيلول) غير مرحب بها هذه الأيام من اليسار ومعارضي الفاشية، وازدادت هذه المعارضة بعد طرحه شراء غرينلاند، وهو ما دفع حزب اللائحة الموحدة اليساري إلى وصفه بـ"التفكير الاستعماري، فشعب الجزيرة الأصلي هو الذي يقرر مصيره، ومن الوقاحة بمكان أن يطرح أحدهم شراء بلد له أهله"، وفقاً لما ذهبت مقررة الشؤون الخارجية في الحزب، إيفا فلوهولم.
ومنذ فترة الحرب العالمية الثانية يعمل الأميركيون على أرض الجزيرة، وتعزز وجودهم فيها أثناء فترة الحرب الباردة، وطرح عام 1946 الرئيس الأميركي الأسبق هاري ترومان تبادلاً بين بعض مناطق الجزيرة ومناطق في ألاسكا، وهو ما رفضته حينه الدنمارك.
يذكر أن جزيرة غرينلاند، بالاتفاق مع الدنمارك، تحتوي على قاعدة عسكرية تضم رادارات ضخمة تلتقط كل ما يتعلق بالتحركات الصاروخية الروسية، وقد بنيت قاعدة "ثولا" العسكرية الأميركية منذ 1951 وعارضها السكان الأصليون، ولا يزالون حتى يومنا، وهناك قضايا مرفوعة على القواعد الأميركية الأخرى التي شاع أنها كانت تحتوي أسلحة نووية، وضد تأثير الوجود العسكري الأميركي على بيئة وطبيعة عيش السكان الأصليين.