وقالت مصادر برلمانية بارزة، في حديث مع "العربي الجديد"، إن عدم نجاح الائتلاف في حشد المواطنين للتصويت لصالح الرئيس عبد الفتاح السيسي، مثّل صدمة لدى مؤسسة الرئاسة، التي كانت تعول كثيراً على تحركاته في المحافظات لاستقطاب الناخبين. ودفع هذا الأمر مؤسسة الرئاسة إلى مراجعة موقفها من تصدر ائتلاف دعم مصر للمشهد السياسي، والاستقرار على طرح بديل يملك قواعد أكثر شعبية في المحافظات، على غرار حزب "مستقبل وطن".
وأشارت المصادر إلى أن جهاز الأمن الوطني تلقى ضوءاً أخضر من مؤسسة الرئاسة لإنقاذ الموقف عشية اليوم الثاني للتصويت، بعد ظهور حالة العزوف الواضحة لدى المواطنين، وذلك بالتواصل مع كبار العائلات في محافظات الصعيد والدلتا، والنزول إلى الجهات والمصالح الحكومية، لدفع المواطنين إلى التصويت في اليوم الأخير للانتخابات، مع غض الطرف عن استخدام الجهاز العديد من وسائل الإكراه المعنوي.
ودعا السيسي لاندماج الأحزاب عقب حصوله على 90 في المائة من أصوات المشاركين في "مسرحية الرئاسيات"، في مقابل 2.7 في المائة لمنافسه المؤيد له، موسى مصطفى موسى، و7.3 في المائة للأصوات الباطلة، نتيجة تغييب جميع المنافسين المحتملين، وهي الدعوة التي تلقفتها أذرعه الإعلامية لتنادي بضرورة ملء حالة "الفراغ السياسي". وفي موازاة ذلك، تحدث رئيس البرلمان، علي عبد العال، عن أهمية تشكيل حزب حاكم ليشكل ظهيراً سياسياً للسلطة.
وأفادت المصادر بأن تعليمات أمنية صدرت إلى رئيس الهيئة البرلمانية لحزب "المصريين الأحرار"، ضابط الشرطة السابق، علاء عابد، بالانسحاب من الحزب الذي يستحوذ على 65 نائباً من مجموع 595 برلمانياً، ومعه أكثر من 40 نائباً، للانضمام إلى حزب "مستقبل وطن"، وإعلان اندماج الأخير مع جمعية "كلنا معاك من أجل مصر"، المؤسسة بمعرفة "الأمن الوطني" قبيل عامين للترويج للسيسي أثناء الرئاسيات.
وشارك في تأسيس الجمعية عدد كبير من قيادات الحزب الوطني "المنحل"، وفي مقدمتهم، أمين الشباب في حزب الرئيس المخلوع، حسني مبارك، محمد هيبة، الذي شغل منصب الأمين العام للجمعية، وأطيح به لاحقاً لصالح منسقها العام الحالي، محمد منظور، مع تعيين الأخير في منصب نائب رئيس حزب "مستقبل وطن" بعد إعلان الاندماج الرسمي بين الجمعية والحزب قبل أيام قليلة.
وبحسب المصادر فإن هناك حالة من الغموض تكتنف دور جهاز الاستخبارات الحربية تجاه ملف الأحزاب خلال الفترة المقبلة، باعتبار أنه هو من أسس ومول حزب "مستقبل وطن"، الذي بدأ ككيان شبابي داعم للسيسي في انتخابات عام 2014، مرجحة تنسيق الجهاز مع "الأمن الوطني" في إدارة هذا الملف، لحين خروج المولود الحزبي الجديد إلى النور، والذي سيكون بمثابة "حزب السيسي" الحاكم.
واستدركت المصادر بالقول إن رئيس حزب "مستقبل وطن"، أشرف رشاد، حرّض كثيرا من أعضائه على نشر بيانات على صفحاتهم الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" لإعلان رفضهم القاطع لهذا الاندماج، مطلع مايو/أيار الحالي، والترويج لأن الحزب وقياداته يتعرضون لضغوط قوية، للاندماج مع قيادات من عهود سابقة "أفسدت السياسة والاقتصاد المصري"، وذلك قبل أن تأتيه "تعليمات عليا" بحتمية الاندماج.
وتستهدف دائرة السيسي الأمنية تكوين الحزب الحاكم تحت اسم "مستقبل مصر"، بحيث يكون منبثقاً من حزب "مستقبل وطن"، الذي انضم إليه قرابة 100 نائب من ائتلاف "دعم مصر" وحزب "المصريين الأحرار"، ليرتفع عدد أعضائه في البرلمان إلى 153 نائباً، وهو عدد قد يتضاعف خلال الأسابيع القليلة المقبلة، بعد إعلان ائتلاف الأغلبية تراجعه عن مسألة تحوله إلى حزب سياسي.
اختيار حزب "مستقبل وطن"، حسب المصادر، جاء لاعتبارات عدة، أهمها وجود مقرات له في جميع المحافظات (مولت الاستخبارات الحربية إنشاءها)، ووجود قواعد شبابية للحزب يمكن الاستفادة منها في الحشد والتربيط في الانتخابات المقبلة، سواء المحلية أو النيابية أو الرئاسية، وهو ما يقابله وهن في جميع الأحزاب القائمة، التي تعاني من ضعف الموارد، والنزاهة الداخلية، نتيجة الاختراقات الأمنية.
وأوضحت المصادر أن ائتلاف "دعم مصر" حاول نيل رضاء مؤسسة الرئاسة عقب الانتخابات، من خلال طرح تحوله إلى حزب سياسي، غير أن ترتيبات أخرى جرت لصالح "مستقبل وطن"، وهو ما أثار حنق الائتلاف، الذي يحاول أن يبدو متماسكاً، غير أن كل الشواهد تؤكد أن دوره انتهى، وسيتصدع خلال العامين المقبلين، بحيث تمهد الأرض لاستحواذ الحزب الجديد على الأغلبية في برلمان 2020، على حد قوله.
عقبة دستورية
وعزا رئيس ائتلاف الغالبية النيابية، محمد السويدي، عدم تحول الائتلاف إلى حزب إلى "وجود معوقات دستورية تواجه تغيير الصفة الحزبية لأعضائه، وما يترتب عليها من إجراءات تنتهي بالتصويت على إسقاط العضوية"، مدعياً أن حزب "مستقبل وطن" لا يزال تحت مظلته، ولم يخرج رسمياً من عباءة الائتلاف، برغم إعلان قيادات في الائتلاف عن الانضمام إلى الحزب، ولعل أبرزهم: عبد الهادي القصبي، وكريم درويش، وعبد الحميد الدمرداش.
ونظم الدستور المصري إجراءات إسقاط العضوية، في حال تغيير عضو البرلمان لصفته الحزبية التي انتخب على أساسها، غير أن إتمام هذا الإجراء يلزمه تقديم طلب رسمي من الحزب الأصلي، واشتراط موافقة ثلثي عدد الأعضاء على إسقاط عضوية كل نائب على حدا، وهو ما يصعب تحققه في حالة "مستقبل وطن"، بعد انضمام عدد كبير من النواب إليه، واستحواذه تقريباً على نسبة "الثلث المعطل".
وينضوي تحت لواء ائتلاف "دعم مصر" ممثلون عن ستة أحزاب في البرلمان، هي "مستقبل وطن"، "حماة الوطن"، "الشعب الجمهوري"، "المؤتمر"، "مصر الحديثة" و"مصر بلدي"، غير أن النواب "المستقلين" يستحوذون على الحصة الأكبر من مقاعد الائتلاف، بواقع 216 مقعداً من إجمالي 370 برلمانياً، في وقت يزعم فيه رئيس الائتلاف أن 30 نائباً آخرين انضموا إليه، وهو ما دحضته بعض الأسماء التي أعلن عنها.
وفي مطلع يناير/كانون الثاني 2016، كشف مسؤول الشباب السابق بحملة السيسي الرئاسية، المعتقل حالياً، حازم عبد العظيم، أن اجتماعات تشكيل قائمة "في حب مصر"، التي انبثق عنها ائتلاف الغالبية النيابية، تمت داخل مقر الاستخبارات العامة قبيل إجراء الانتخابات البرلمانية نهاية العام 2015، بحضور نجل السيسي، الضابط محمود، ومستشاره القانوني، محمد أبو شقة، بناءً على دعوة موجهة إلى الحاضرين من رئاسة الجمهورية.
معارضة شكلية
إلى ذلك، تعول دائرة السيسي على حزب "الوفد"، أحد أعرق الأحزاب الليبرالية، ليؤدي دور الحزب "المعارض" من داخل النظام بعد أن ضغطت تلك الدائرة للدفع بالبرلماني المعين، ووالد مستشار السيسي القانوني، بهاء الدين أبو شقة، في منصب رئيسه، نهاية مارس/ آذار الماضي، فضلاً عن تعيين المتحدث السابق باسم الجيش، العميد محمد سمير، في منصب مساعد رئيس الحزب لشؤون الشباب.
اللافت أن رؤساء تحرير الصحف، والمواقع الإلكترونية، الحكومية والخاصة، تلقوا تعليمات "رئاسية" بعدم نشر أي أخبار عن اجتماع رئيس "الوفد" مع بعض رؤساء الأحزاب الموالية قبل أسبوع، لبحث تشكيل لجنة تنسيقية بين رؤساء الأحزاب والسلطة الحاكمة، وإعداد وثيقة وطنية حزبية متكاملة، تلتف حولها الأحزاب والقوى السياسية، تفعيلاً للتعددية الحزبية التي نص عليها الدستور، وفق المصادر نفسها.