وقال المسؤول الحكومي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن المفاوضات التي تنطلق بداية الأسبوع المقبل في برلين تجرى بين كل طرف من طرفي النزاع مع المبعوث الأممي على حدة، مضيفاً أن كوهلر سيجري سلسلة لقاءات مع الوفد المغربي، وكذلك مع الطرف الثاني من دون جلوس الطرفين على طاولة واحدة، وذلك في مبادرة لإعادة المفاوضات نحو سكّتها الصحيحة من دون شروط مسبقة من البوليساريو.
وواكبت تصريحات المسؤولين الحكوميين المغاربة التي تواترت بشأن نفي إجراء مفاوضات ثنائية مباشرة تحذيرات خبراء مغاربة من قبول المملكة الجلوس على طاولة مباحثات ثنائية مع جبهة البوليساريو، إلى حدّ وصف بعضهم هذا الأمر "تفريطاً في حقّ المغرب في وحدته الترابية".
وأفاد متابعون مغاربة لملف الصحراء بأن دعوة كوهلر لكل من المغرب والبوليساريو لإجراء مفاوضات هي "مجرد مشاورات مع كل طرف على حدة، بغية الاستماع إلى آرائهم، وطلباتهم، ومقترحاتهم، وتظلماتهم كمرحلة تمهيدية للإجابة والرد عليها".
وتعليقاً على ذلك، قال الخبير في العلاقات الدولية، عصام لعروسي، إنه "من الصعوبة في مكان ما الحديث عن مفاوضات ثنائية بين المغرب والبوليساريو، منذ توقّف المفاوضات المباشرة سنة 2012، في جلستها الخامسة في منهاست الأميركية"، موضحاً أن "المواقف المتناقضة بين الأطراف المعنية لا تساعد على استئناف الحوار، فضلاً عن عوامل رئيسية أخرى عدة".
وأوضح لعروسي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن أوّل هذه العوامل يتمثّل في كون الموقف المغربي ما زال يراهن على مبادرة الحكم الذاتي التي تبنّاها منذ 2007، من دون تغيير كبير في ملامح المبادرة؛ في حين تتمسّك جبهة البوليساريو بمبدأ تقرير المصير لما تسميه "الشعب الصحراوي".
العامل الثاني، بحسب لعروسي، هو أنه "ليس هناك تصوّر للأمم المتحدة عن مسارات الحلّ للقضية وعن المسالك البديلة التي بإمكانها تنقيح المبادرة المغربية للحكم الذاتي، وإضافة تعديلات عليها من دون أن تصل إلى مستوى تقرير المصير، بمعنى التشجيع على المفاوضات الثنائية، بناء على أرضية واقتراح أممي واضح المعالم، يكون منطلقاً مشجعاً للحوار بين الأطراف".
ولفت لعروسي إلى أنّ "أقصى ما يطمح إليه المبعوث الأممي الجديد والأمين العام للأمم المتحدة، هو إرجاع الأطراف المعنية إلى طاولة المفاوضات"، مضيفاً عاملاً ثالثاً، يتجسّد في "استحالة تنازل الطرف المغربي عن حقّه في منطقة الكركرات الحدودية العازلة، وضرورة انسحاب البوليساريو منها"، حسب القرارات الأممية ذات الصلة. وأكد أن الصراع في المنطقة العازلة "أصبح من المعطيات الجديدة التي ساهمت في تأجيج الخلاف وإحياء شبح المواجهة العسكرية"، موضحاً أن "أي تنازل مغربي بهذا الخصوص قد يضعف من الموقف التفاوضي للمغرب، خصوصاً أن الممرّ الحدودي يكتسي أهمية سياسية واقتصادية للمملكة".
أما رابع العوامل، بحسب لعروسي، فهو "عدم تغيير المواقف الجزائرية والموريتانية من قضية الصحراء، ما قد يجعل من المفاوضات الثنائية ـ إن حصلت ـ مجرّد مسرحية رديئة بإخراج ضعيف، ذلك أن النظام الجزائري يبذل قصارى جهده للتأثير الدبلوماسي على مخرجات الحل للقضية، في حين أن البوليساريو لا يملك قراراته بيده"، وفق تعبيره.
وفي الوقت الذي يتحدّث فيه المغرب عن قبول إجراءات مفاوضات غير مباشرة مع البوليساريو، تحت قبعة الأمم المتحدة، تذهب جبهة البوليساريو إلى أنّ الأمر يتعلّق بمباحثات كوهلر مع طرفي النزاع يتم تتويجها بمفاوضات ثنائية ومباشرة على الطاولة نفسها، في وقت تحرص الأمم المتحدة على النأي بالمفاوضات الجارية عن وسائل الإعلام، في محاولة لإبعاد الجلسات عن الضغوط والتصريحات التي قد تجهض إحراز تقدم في الملف.
وذكرت الأذرع الإعلامية لجبهة البوليساريو أن "كوهلر جاء ليدعم إعادة بعث المحادثات الثنائية بين الجبهة والمملكة المغربية، بحضور الطرفين المراقبين، الجزائر وموريتانيا، ممثلين عبر وزيري خارجيتي البلدين، وذلك في إطار المشاورات المتواصلة، تطبيقاً لقرارات مجلس الأمن الدولي".
ووفق مصادر البوليساريو، فإن المبعوث الأممي "أجرى محادثات مع زعيم الجبهة، إبراهيم غالي، والوفد المرافق له يومي 25 و26 يناير/ كانون الثاني الماضي في برلين"، واصفةً إياها بكونها مباحثات "صريحة وإيجابية"، وأن اللقاء جاء بهدف "البحث في سبل تطبيق قرارات مجلس الأمن القاضية بإيجاد حل سلمي، عادل ودائم، للنزاع".