وتعزو مرغوليس هذه التحولات إلى فشل المرجعيات الدينية والمؤسسات التعليمية اليهودية في الولايات المتحدة، التي على علاقة بالشباب المتدين، في موائمة برامجها للمساعدة على مواجهة تأثير انفتاح المجتمع الأميركي. وتشير إلى أنّ هذا الانفتاح أغرى نسبة كبيرة من الشباب المتدين ليس فقط بترك أنماط الحياة الدينية، بل أسهم في قطع أواصر العلاقة بينهم وبين الجاليات اليهودية والمؤسسات التي تمثل اليهود الأميركيين.
وفي مقابلة أجرتها معها صحيفة "ميكور ريشون"، أخيراً بمناسبة قرب صدور دراستها في كتاب بالعبرية، تقول مرغوليس، إن الشباب اليهودي الأميركي المتدين "قد ضاقوا ذرعاً بنمط الحياة المتشدد الذي يفرضه الحاخامات والعائلات". وتلفت إلى تجاهل الأطر الدينية والعائلات التأثيرات العاطفية لانفتاح المجتمع الأميركي على توجهات الشباب المتدين.
وتنقل مرغوليس عن جوناثان، وهو شاب يهودي أميركي يعيش في نيويورك، تخلى عن تدينه، قوله، إنه قرر ترك نمط الحياة المتدين وكل المؤسسات التي على علاقة به، وضمن ذلك العائلة، بعدما وبّخه حاخامه الذي يدير المدرسة التي كان يدرس فيها بعدما شاهده يتبادل الحديث مع فتاة في موقف للسيارات قريب من المدرسة في حي بروكلين. وتقدّر مرغوليس أن حوالي 50 في المائة من الشباب اليهودي المتدين في الولايات المتحدة قد تركوا الدين وأنماط الحياة المتدينة والأطر التمثيلية والاجتماعية للجاليات اليهودية. ووفقاً للباحثة الإسرائيلية، فإنّ نسبة كبيرة من الشباب المتدين ارتد عن التدين ليس فقط لأسباب عاطفية، بل أيضاً بسبب انعدام اليقين في المعتقدات الدينية التي كانوا يؤمنون بها. وتنوه مرغوليس إلى أنه من خلال استطلاع إلكتروني أجرته، وشمل 500 شاب يهودي أميركي ترك نمط الحياة الدينية، تبين أنهم جميعاً قد وصفوا التدين بأنه كان "تجربة سلبية في حياتهم". ووفقاً لمرغوليس فإن الشباب اليهودي المتدين، الذين ينتمون بشكل عام للتيار الأرثوذكسي المتزمت (الحريدي) لا يتحولون إلى تيارات متدينة أقل تشدداً بل يتركون نمط الحياة الدينية بشكل مطلق. وتلفت إلى فشل محاولة بعض التجمعات اليهودية الدينية إضفاء صبغة من الحداثة والاعتدال على أنماط الحياة الدينية، مثل السماح للنساء بالمشاركة في إدارة الكنس والاشتراك في قراءة الكتاب المقدس، في إطار المساعي لاحتواء الظاهرة. كما تشير إلى أن استطلاعاً أجري قبل عقد في أوساط خريجي مدرسة "يونفيرستي"، التي تمثل التيار الأرثوذكسي "الحديث" أظهر أن 33 في المائة من هؤلاء الخريجين لا يحافظون على أنماط الحياة المتدينة. وتتوقع أن تكون النسبة قد زادت منذ ذلك الوقت. وتؤكد مرغوليس أن الانفتاح الكبير الذي يشهده المجتمع الأميركي يقلّص من قدرة المجتمعات الدينية اليهودية الأرثوذكسية على المنافسة حتى لو أظهرت التسامح مع الشباب.
وفي سياق متصل، حذر أستاذ الإعلام في جامعة نيويورك، بيتر فينروت، المعلق في عدد من وسائل الإعلام الأميركية، من أن "التأييد الأعمى لإسرائيل الذي تبديه المؤسسات اليهودية في الولايات المتحدة يسهم فقط في اتساع الشرخ بين هذه المؤسسات واليهود الأميركيين". وفي مقال نشرته صحيفة "هآرتس" أخيراً، ينوه فينروت إلى أن قادة المنظمات اليهودية الأميركية في دفاعهم عن سياسات حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل بكل ثمن يقلّصون هامش المناورة أمام الكثير من اليهود الذين يؤمنون بالقيم الإنسانية. كما يشير إلى أنّ الخطاب المعتمد من قادة المؤسسات اليهودية يلقى قبولاً فقط لدى فئة محدودة من اليهود الأميركيين. ويلفت فينروت إلى أن الأغلبية الساحقة من اليهود الأميركيين لا يبدون اهتماماً يذكر بإسرائيل "لأن اليهودية ببساطة لا تعنيهم في شيء"، مشيراً إلى أن هؤلاء اليهود يرون أنفسهم أميركيين أولاً وقبل كل شيء. ويذكر فينروت أن قسماً محدداً من اليهود يتعاطف مع إسرائيل بدون مراعاة تبعات سلوكها تجاه الفلسطينيين. ويوضح فينروت أن نسبة آخذة بالتعاظم من اليهود باتت تتعاطف مع الفلسطينيين وتتبنى مواقفهم. ويشي إلى أن هؤلاء باتوا يمثلون العمود الفقري لحركة المقاطعة الدولية ضد إسرائيل (BDS).