مصادر في مجلس الوزراء المصري حددت لـ"العربي الجديد"، 3 دوافع رئيسية للتفكير في إدخال هذه التعديلات. أولها التخوف من إصدار محكمة النقض أحكاماً بقبول مئات الطعون التي أقيمت أمامها خلال الشهرين الماضيين على قرار إدراج المتهمين بتمويل الإخوان على قائمة الإرهابيين المنشأة بموجب قانون الكيانات الإرهابية. وسيعني إلغاء محكمة النقض لقرار الإدراج إلغاء السند الوحيد القائم حالياً للتحفظ على الأموال، لا سيما أن محاكم القضاء الإداري سبق أن أصدرت مئات الأحكام - التي لم تنفذ - ببطلان التحفظ، وتحايلت الحكومة عليها بإدراج أسماء المتهمين على قائمة الإرهابيين.
وينص قانون الكيانات الإرهابية على التحفظ على أموال المدرجين على قائمة الإرهاب، كجزء من العقوبات التكميلية الموقعة عليهم جراء الإدراج، شأنه شأن منعهم من السفر ووضع المسافرين منهم على قوائم ترقب الوصول وحرمانهم من مباشرة حقوقهم السياسية وتجديد وثائق سفرهم، حتى وإن لم يكونوا محبوسين أو لم تصدر ضدهم أحكام إدانة في قضايا جنائية.
أما الدافع الثاني لإدخال التعديلات فهو الاستجابة لتعليمات الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بتشديد الإجراءات التشريعية الكفيلة بمحاربة الإرهاب، وهي من وجهة نظر نظامه السياسي، تشمل تجفيف منابع تمويل جماعة الإخوان تحديداً. التحريات الأمنية الحديثة التي صدرت بناء عليها قرارات التحفظ على بعض الكيانات الاقتصادية الكبرى التي يساهم فيها أفراد مدرجون على قائمة الإرهاب (كشركة دلتا آر إس المالكة لسلاسل متاجر راديو شاك وكمبيوتر شوب)، نسبت لهؤلاء الأفراد استغلال الحسابات الخاصة بتلك الشركات في تلقي الأموال وإرسالها لوسطاء يرسلونها بدورهم إلى قيادات إخوانية ومن ثم إلى خلايا وأشخاص تابعين للجماعة داخل مصر لاستخدامها في التظاهر أو أعمال العنف.
وعلى الرغم من أن هذه التحريات ذات طابع مكتبي وغير منطقية في جزء كبير منها، نظراً لتداخل حركة الأموال الخاصة بتلك الشركات مع حركة الأموال الخاصة بالمساهمين فيها كل على حدة، إلا أن النظام المصري يرى أن استمرار التحفظ على أموال المتهمين بتمويل الإخوان والمقربين منهم ساعد في التخفيف من خطورة الجماعة حركياً. كما يرى النظام - وفقاً للتحريات الأمنية أيضاً - أن جماعة الإخوان لا تزال تتبع سبلاً بنكية واستثمارية لتمويل أنشطتها نظراً لضخامة حجم الأموال التي بحوزة قيادات الجماعة، على عكس تنظيمات العنف التي تتبع طرق التهريب المختلفة لنقل الأموال، وهو ما يجعل التحفظ على أموال قياداتها أو أعضائها عديم الفائدة.
ووفقا للمصادر، فإن النظام الحاكم لا يهتم كثيراً بتحذيرات الخبراء الاقتصاديين من مغبة التوسع في إجراءات التحفظ وتأثيرها السلبي على النشاط الاقتصادي، خاصة بتضمنه شركات ضخمة مركزية الإدارة أو قائمة على إنشاء الفروع بحق استغلال الاسم أو لها فروع خارج البلاد، وهو ما تفسره الدائرة التشريعية في الحكومة وجهاز الأمن الوطني ووزارة العدل ولجنة إدارة أموال الإخوان بأنه "ضوء أخضر" لفرض التحفظ على مزيد من الشركات، وفرض مزيد من الضغوط على المتحفظ عليهم وغلق المساحات القانونية أمامهم.
أما الدافع الثالث فهو خشية الحكومة من دفع تعويضات ضخمة للأشخاص المتحفظ عليهم حال إلغاء إدراجهم على قائمة الإرهاب، نظراً لأن معظم الكيانات الاقتصادية الكبرى التي تديرها الحكومة منذ مطلع 2014 تحولت من وضعية الربح في عهد إدارة ملاكها الأصليين إلى الخسارة، خصوصاً المستشفيات والعيادات والمحال التجارية، فيما تعتبر المدارس هي أكثر الكيانات حفاظاً على وضعها الاقتصادي نظراً لاختلاف أسلوب إدارتها عن باقي الكيانات، حيث اتبعت وزارة التعليم طريقة تشاركية في الإدارة مع الملاك الأصليين مع أيلولة المداخيل بالكامل للحكومة وقيامها بالإنفاق أيضاً.
ويدفع هذا التخوف الحكومة إلى الرغبة في إبقاء تلك الكيانات متحفظاً عليها لأطول فترة ممكنة، لا سيما أن التصرف فيها يقتصر فقط على إمكانية تأجيرها أو منح بعض المستثمرين حق الانتفاع بها مقابل مبالغ مالية أو نسبة في الأرباح، فالحكومة لا تستطيع بيع أو مصادرة تلك الكيانات لمخالفة ذلك للدستور والقانون المدني.
وهناك أسباب عدة للخسائر التي منيت بها الكيانات الاقتصادية المتحفظ عليها؛ أبرزها مسارعة اللجنة المشرفة إلى سداد الضرائب المستحقة على تلك الكيانات بدون إجراءات جدولة أو طعن كما هو متبع بالنسبة للكيانات الاقتصادية الكبيرة، ثم الاعتماد على عشرات الموظفين الحكوميين في تسيير أعمال تلك الكيانات بالإضافة لزيادة رواتب العاملين الأصليين فيها لكسب إخلاصهم للإدارات الجديدة، ما كبدها نفقات تشغيل إضافية، ثم الافتقار لمهارة التعامل مع السوق وتحديث الخدمات التي كانت تقدمها تلك الكيانات، ما أدى لتراجع أدائها التنافسي في أسواقها سواء كانت على مستوى المحافظات أو في عموم الجمهورية.
أما طبيعة التعديلات التي يدرس إدخالها على قانون الكيانات الإرهابية، فهي بحسب مصادر مجلس الوزراء، مكونة من شقين؛ الأول مد الفترة المسموح بها للإدراج على قائمة الإرهاب من 5 إلى 7 سنوات، والثاني أن ينص القانون على تولي لجنة أموال الإخوان الحالية إدارة الأموال المتحفظ عليها لحين انتهاء التحقيقات في القضايا المرتبطة بكل متهم، وهو ما يعني فتح مجال زمني غير محدود للتحفظ تتحكم فيه النيابة العامة وحدها خارج ساحات المحاكم.
وأوضحت المصادر أن الحكومة تدرس أيضاً إضافة نصوص تحصّن قرارات لجنة التحفظ السابقة من الطعن عليها، للهروب مستقبلاً من الملاحقة حول إهدار الأموال أو خسارة الكيانات الاقتصادية. وهذا المقترح يعني عملياً التحلل من قاعدة صريحة منصوص عليها في القانون المدني المصري وهي رد المال المتحفظ عليه لصاحبه بعد انتهاء التحفظ مطهراً من الديون والخسائر ومضافاً إليه الربح بعد أداء حقوق الدولة من ضرائب ورسوم.
وأكدت المصادر أن هذه التعديلات - إذا تم إقرارها - ستسهل عملية استثمار تلك الكيانات الاقتصادية بطريق التأجير أو الإشراك في الإدارة لتحقيق أرباح للدولة. وهذه الفكرة كانت قد عرضت منذ بداية إجراءات التحفظ، لكن الحكومة ارتأت تأجيلها لحين تقنين وضع التحفظ عليها في ظل صدور المئات من أحكام القضاء الإداري بين عامي 2014 و2017 ببطلان التحفظ على الأموال، وهو ما تغير في يناير/ كانون الثاني الماضي بصدور حكم إدراج جميع الأشخاص المتحفظ على أموالهم على قائمة الإرهاب ومن ثم تأكيد استمرار التحفظ عليهم، ثم إصدار حكم آخر في يونيو/ حزيران الماضي بتعيين لجنة أموال الإخوان كمسؤولة عن إدارة الأموال المتحفظ عليها وفقاً لقانون الكيانات الإرهابية الذي تم إصداره خصيصاً لإضفاء الشرعية على تصرفات الحكومة في هذا الملف.