يشنّ اليمين الفرنسي المتطرّف والجمعيات المسيحية القومية التي تدور في فلكه، هجوماً عنيفاً على البابا فرنسيس، بسبب تصريحات رفض خلالها ربط الإسلام بالإرهاب. وكان البابا قد أدلى يوم الأحد، بتصريحات في الطائرة التي عادت به من بولندا، بعد ختام أيام الشبيبة العالمية، معقّباً على الاعتداء على كنيسة سانت إتيان دو روفري، شمال غرب فرنسا، وذبح الكاهن جاك هامل: "أنا لا أرغب في الحديث عن عنف إسلامي، لأنني أقرأ في الصحف كل يوم عن العنف. في إيطاليا نقرأ عن رجل قتل خطيبته وآخر قتل شريكه في العمل. وهؤلاء مسيحيون معمّدون، إنهم كاثوليكيون عنيفون. وإذا أردت الحديث عن عنف إسلامي، فيجب عليَّ أن أتحدث أيضاً عن عنف كاثوليكي". ثم أضاف أنه "في كل الأديان تقريباً هناك مجموعات أصولية صغيرة، ونحن لدينا نفس المجموعات في ديانتنا".
هكذا أثار البابا فرنسيس زوبعة من الانتقادات الشديدة ضده، بسبب رفضه إسباغ الخاصية الدينية على الإرهاب، تحديداً في صفوف اليمين المتطرف وبعض المجموعات المسيحية القومية، التي لا تتردد في إدانة "الإرهاب الإسلامي"، كلما سنحت لها الفرصة غداة حصول كل اعتداء إرهابي في الأشهر الثمانية الأخيرة.
كما تكثّف الهجوم على البابا في وسائل التواصل الاجتماعي، إلى حدّ تخصيص "هاشتاغ" على موقع "تويتر" لانتقاد تصريحات البابا. وكان النائب اليميني المقرّب من حزب "الجبهة الوطنية" جيلبير كولار، سبّاقاً لتوجيه سهام النقد إلى البابا، حين استغرب "كيف يجرؤ على الحديث عن عنف مسيحي حينما يُذبح كاهن في كنيسته من طرف إرهابيين إسلاميين"؟
من جانبه شنّ المفكّر إيفان ريوفول، صاحب كتاب "الحرب الأهلية القادمة"، هجوماً شديداً على البابا، واعتبر أنه "بحديثه عن أصوليات إسلامية ومسيحية متوازية، فهو يتنصّل من مسؤوليته التاريخية، ويخفف من الرعب الذي ينشره الإرهاب الإسلامي".
وجاء الانتقاد الأعنف من جهة رئيس بلدية مدينة بيزييه، الرئيس السابق لمنظمة "مراسلون بلا حدود" روبير مينار، المقرّب من اليمين المتطرف، الذي دان بشدة تصريحات البابا واتهمه بـ"التقصير تجاه المسيحيين، وتفادي تحميل المسؤولية للإسلام فيما يحصل من إرهاب ودمار بسببه وباسمه".
ودخل الرجل الثاني في حزب "الجبهة الوطنية" فلوريان فيليبو على الخط، معبّراً عن "صدمته" من تصريحات البابا، وقال: "إنه يضع جرائم عادية في نفس مستوى الاعتداءات الإرهابية. نستطيع أن نتفهّم أن المسلمين ليسوا جميعهم عنيفين، لكن من دون أن نرفض الإقرار بوجود أصولية إسلامية قاتلة".
وبادرت النائبة اليمينية المتطرفة ماريون ماريشال لوبان، إلى انتقاد مواقف البابا من دون أن تسمّيه، حين دعت المسيحيين إلى "ضرورة الوعي بالمخاطر التي يشكّلها الإرهاب الإسلامي المتطرف على مستقبل المسيحية". واعتبرت لوبان أن "على الكنيسة الكاثوليكية أن تضع في حسبانها أن الدفاع الشرعي عن النفس مسألة حيوية وواجبة".
والواقع أن العلاقة بين اليمين الفرنسي المتطرف وبابا الكنيسة الكاثوليكية يشوبها توتر شديد منذ أشهر، إذ سبق لحزب "الجبهة الوطنية" أن انتقد دعوة البابا في سبتمبر/أيلول من العام الماضي، المسيحيين الكاثوليك، إلى المساعدة على دماج اللاجئين، ومناشدته الأبرشيات والأديرة والكنائس لاستضافة عائلات اللاجئين السوريين.
ورغم أن حزب "الجبهة الوطنية" يضع الهوية المسيحية في قلب أيديولوجيته القومية، إلا أن المسيحيين الفرنسيين يتعاطفون تاريخياً مع اليمين المحافظ والمعتدل. كما أن قسماً مهماً من الناخبين المسيحيين كان يتعاطف مع اليسار وطروحات الحزب الاشتراكي. وحصل في السابق أن دعا بعض الرهبان علانية عشية الاستحقاقات الانتخابية إلى عدم التصويت لصالح "الجبهة الوطنية". إلا أنه في السنوات الأخيرة بدأ يتضح ميل المسيحيين إلى التصويت لصالح اليمين المتطرف، في سياق تتصاعد فيه شعبية حزب "الجبهة الوطنية" في مختلف شرائح المجتمع الفرنسي، بسبب أزمة اللاجئين وتكرار الاعتداءات الإرهابية ضد فرنسا.