أثناء نظر تجديد حبس الناشط السياسي المصري البارز، علاء عبد الفتاح، أمام نيابة أمن الدولة في 22 يناير/كانون الثاني الماضي، قرر عبد الفتاح أن يستجوب نفسه بنفسه، حسب فريق دفاعه، الذي نشر مرافعته أمام النيابة، وقال "حاولنا قدر الإمكان نقل الجزء الأكبر من كلامه، لكن نظراً لأن نيابة أمن الدولة لا تسمح بالاطلاع أو نسخ التحقيقات، فكلام علاء ينقل باجتهاد المحامين ومساعدة أسرته".
يشار إلى أن موعد نظر تجديد حبس علاء أمام نيابة أمن الدولة يوم الأربعاء القادم، 5 يناير/ كانون الثاني الجاري، ويعتبر هذا آخر تجديد أمام النيابة، بعد ذلك ستنظر كل التجديدات أمام غرفة مشورة كل 45 يوما.
وحسب ما نشره المحامون، جاءت مرافعة عبد الفتاح على النحو التالي "هل عندك أي شكوى"، ليجيب "بداية لم تتغير الأوضاع في السجن كمنع التريض والكتب والجرايد والراديو والمياه الساخنة. الأوضاع كما هي تماماً لم يحدث أي تغيير، ومتمسك بالشكاوى والبلاغات اللي سبق وقدمتها أنا وأسرتي قبل كده".
أما في ما يخص الاتهامات الموجهة إليه فأوضح "طلبت طوال الجلسات الماضية بأن يتم استكمال التحقيق معي، وأنا في حيرة من أمري فهذه ليست أول مرة أمثل فيها أمام نيابة أمن الدولة، ولا أول مرة أتعرض فيها للحبس نتيجة مواقفي السياسية، ولكن أول مرة أبقى مش فاهم طبيعة التهم أو الوقائع المحبوس على أساسها".
وتابع موضحا: "فمثلا، عندما اتهمت في تظاهرة مجلس الشورى لم أنكر ولكني دفعت بعدم دستورية قانون التظاهر. وعلمت أن هناك مئات القضايا في تهم مشابهة لا تتم إحالتها، وأنا مستغرب فأنا لا أفهم الدوافع السياسية وراء احتجازي هذه المرة، فقد سبق وشرحت للنيابة العامة أنه تم الإفراج عني بعد 5 سنوات سجن، وأقضي مراقبة شرطية 12 ساعة يوميا، وطبيعة مسؤولياتي الأسرية والمهنية شغلتني تماما عن أي عمل عام له طبيعة سياسية".
وأضاف عبد الفتاح "في عزلتي عن مواد القراءة وأخبار العالم لا يشغلني إلا محاولة إجابة: ما سبب احتجازي؟ اللي عايز أقوله إن التفسير الوحيد لاحتجازي أن فيه تصور عند الأجهزة الأمنية، تصور مسبق مبني على تاريخ سابق ومحاولات تشويه مستمرة من بعد الثورة. أنا محبوس كإجراء احترازي عشان وضع سياسي مأزوم وفيه خوف من أني أشتبك معاه، بشكل واضح أنا محبوس علشان مواقفي السابقة -والتي لا أنكرها- لكني الآن أرى أن المجتمع المصري منهك من عدة مشاكل ومن سوء إدارة، وحل هذه الأزمة يتخطى الرئيس (عبد الفتاح السيسي) ويحتاج مننا أن نفكر إزاي نرمم هذا الوطن ونحل بعضا من أزماته، أنا مش باطالب برحيل فوري عشان خلق صراعات في هذه اللحظة الهشة أمر شديد الخطورة، بل حاتعاطى مع مبادرات زي مبادرة النائب أحمد طنطاوي، وهاتعاطى مع مبادرات زي مبادرة وزير العدل اللي منها ضبط قانون الإجراءات الجنائية، زي وضع سقف للحبس الاحتياطي".
وتابع عبد الفتاح "الأجهزة الأمنية صارت عاجزة عن فهمي وفهم ما يدور في عقول وقلوب أمثالي، لذا فاليوم أحاول أن أعرض بشكل مختصر طبيعة وماهية فكري السياسي، وما قد أقوم بالتعبير عنه أو الدعوى إليه، عسى أن يساهم هذا في إيضاح الحقيقة وتحديد مجرى التحقيقات. فمنذ خروجي من السجن، في مارس (أذار) العام الماضي، ومتابعة التعديلات الدستورية يتملكني إحساس أن الوطن في أزمة تثيرها شخصية الرئيس ولكن تتخطاها، فإن ما حدث على مدار السنوات الماضية، من صراعات واستقطاب وإرهاب وأزمات اقتصادية طاحنة، أدى إلى وضع مأزوم فقدت فيه الثقة بين مكونات المجتمع السياسي وبينه وبين المجتمع".
واستطرد "تتم إدارة الأزمات بعقلية قمعية في جميع مؤسسات الوطن حتى صارت المنظومة الحالية أمرا صعبا تصوّر استمراره، وصار المستقبل مفتوحاً على سيناريوهات شديدة الخطورة، تستدعي منا جميعاً تنحية خططنا وتعطيل أحلامنا والابتعاد عن أوهام حسم صراعات مزمنة أو حل أزمات معقدة بضربة قاضية، ولذا فطبيعة ما صرت أدعو إليه اختلفت تماما - رغم معارضتي الجذرية لشخص وإدارة الرئيس عبد الفتاح السيسي - إلا أني لم أعد من أنصار السعي لإسقاط حكمه، ولكني أجدني أقرب إلى الأفكار التي عبر عنها السيد النائب أحمد طنطاوي في مبادرة العودة إلى دستور 2014، لترسيخ مبدأ تداول السلطة ومحدودية فترات الرئاسة بصفتهما أولويات أهم من شخص الرئيس وخلفيته وبرنامجه".
وأضاف "بل إني، وبعد إدراكي لهزيمة ثورة يناير، أجد أن من الصعب في هذا التوقيت أن تلحق مصر بالدول التي ترسخت فيها الديمقراطية، فلا يسمح فيها للعسكريين بالترشح أو تولي منصب إلا بعد مرور سنوات من الخدمة، وأتمنى أن يكون تحديد شخص الرئيس القادم ده من خلال انتخابات، يمكن للنظام الحالي والمؤسسة العسكرية التنافس فيها، طالما توفرت فيها ضمانات النزاهة (وربما يكون من الأفضل أن تعبر المؤسسة العسكرية عن مرشحها القادم عن طريق ترشيح نائب للرئيس)، ويسمح للقوى السياسية أن تتباحث حول شخص مرشحها وآليات التوافق عليه من دون خوف، وليس كتحالف الأمل الذي كان يسعى لتحضير مبكر للانتخابات التشريعية وانتهى به الحال في السجن".
وتابع "بعد العودة للسجن مرة ثانية، وبعد أن التقيت بمعتقلين يمثلون كافة ألوان الطيف السياسي المصري، أجد أن السجون صارت في حد ذاتها أزمة تهدد مستقبل هذا الوطن، طالما استمرت إمكانية اعتقال أي معارض مددا مفتوحة - حتى بعد الحكم بعدم دستورية قانون الطوارئ - وطالما استمرت إساءة استغلال أدوات العدالة الجنائية لحل الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فإن أي حاكم مهما كان، وإن كان حتى محاميا خالد علي، سوف يؤدي حكمه لقمع واستبداد".
ومضى قائلا "فلتكن نقطة البداية بإجراءات طبيعية لا استثنائية من قلب المنظومة القضائية نفسها، وتفاعلا مع مبادرات كالتي يرعاها وزير العدل والمبادرة التي قدمها النائب أحمد طنطاوي، كوضع حد لمدد الحبس الاحتياطي قبل الإحالة بمدة قصيرة حتى لا يحتجز أحد مدة طويلة، والتعجيل في نظر طعون عدم دستورية القوانين سيئة السمعة، كالإرهاب والتظاهر والتجمهر والبلطجة. والتفاعل مع أحكام مجلس الدولة الخاصة بعدم حرمان أو استثناء قطاعات من الحق في الإفراج الشرطي. ففي هذه الإجراءات وحدها ما يكفي لإنهاء الغالبية العظمى من المظالم في السجون المصرية. وما يتبقى يمكن دراسته حالة بحالة وقضية بقضية، على أن يتم تطبيق لائحة السجون ومعاملة الكل معاملة كريمة واحتواء من جنحوا إلى العنف من الشباب جراء استقطاب ورثوه ولم يكونوا صانعيه".
وأكمل عبد الفتاح مرافعته "ومن الممكن تحسين العلاقة بين الشعب والمؤسسات بالالتزام فقط بما أقرته مصر من توصيات في آلية المتابعة الدورية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة. عند خروجي من السجن ستكون أكثر مطالبي راديكالية أن تلتزم مصر بما اخترته طواعية عبر ثلاث دورات، مرة أثناء حكم (حسني) مبارك ومرتين أثناء حكم السيسي".
وفيما يخض مسألة الانتقال الديمقراطي، فقال "هي ضرورة لاستقرار الوطن واسترداد عافيته قبل أي تكون مطلبا لفصيل سياسي أو معارض، أجدني لأول مرة متفاعلاً مع التدرج فيها لأن حجم الأزمات والاستقطاب وعدم الثقة المتبادل يستدعي ذلك. ويمكن استغلال الفترة المتبقية من الفترة الثانية للرئيس، وفقاً لدستور 2014، في إطلاق حرية المجتمع المدني والتنظيم النقابي ثم إجراء انتخابات المحليات وفقا لآلية بسيطة، كانتخابات مباشرة بقوائم نسبية في الوحدة المحلية، ويتم التدرج في اللامركزية عن طريق انتخابات تصعيدية للمراكز والمحافظات، بدلا من القفز مباشرة إلى تجارب كانتخاب المحافظين ورؤساء المدن. وفي هذه المستويات القاعدية فرصة لبناء أحزاب قوية وفرصة لمؤسسات الدولة لأن تعتاد على التعاطي مع السياسة والسياسيين والمجتمع بأساليب غير فوقية، من دون استعلاء ومن دون محاكمات واعتقالات".
وأضاف "لكن في النهاية لب الأزمة يتخطى آلية انتقال الحكم، فالأزمات الاجتماعية والاقتصادية، ناهيك عن مشاكل هيكلية في الإدارة والبنية التحتية، تلك الأزمات المزمنة من الطبيعي أن تكون موضوعا لأطروحات وآراء مختلفة، ولكن من الخطر أن تترك تماما للمعترك والتنافس السياسي، مع تشويه فصيل لآخر بسبب أزمة موروثة، أو استسهال المعارك بشعارات أن هذه الأزمات بسيطة وسهلة الحل، واستبدال الخطط بشعارات فضفاضة، لذلك فإن الضرورة تحتم علينا إطلاق آلية للتباحث والتصارح في هذه الأزمات، والتوافق على أن يكون التنافس السياسي منضبطا من خلال سلسلة من المؤتمرات القومية تتناول ملفا من الملفات -أزمة سد النهضة كمثال- بمشاركة كافة الطيف السياسي والخبراء المعنيين، ولتكن البداية بمؤتمر العدالة الذي طالب به نادي القضاة مراراً وتكراراً".
أما الملفات الشائكة فيما يخص العدالة، فقال عنها علاء عبد الفتاح "من منظورنا، نحن ضحايا القمع والمصالحة، أرى ضرورة تأجيل كل ما يثقل على المؤسسات الحالية والتركيز على المستقبل أساسا، إلى أن تتسنى ظروف تسمح بإجراءات عدالة انتقالية وإصلاحات دستورية واسعة. نعم، سأدعو لأن نضحي بأحلامنا حتى يتمكن أبناؤنا من الحلم. وسأدعو أولياء الدم من كل الأطراف لأن يؤجلوا القصاص مقابل ضمانة ألا تتكرر المذابح والتفجيرات".
واختتم عبد الفتاح مرافعته بالقول "هذا ملخص أفكاري، كما اكتشفتها في السجن، وإن كان فيها ما يستدعي المحاسبة القانونية، ورغم أنني لم أتمكن بعد من صياغتها أو طرحها على الرأي العام، إلا أنني مستعد أن أمثل للمحاكمة على كل ما ورد من أقوالي، أو أن أخضع لتحقيق تفصيلي إن كان هناك ما تحتاج النيابة استجلاءه. أو لو كان كلامي وأفكاري غير مؤثمة قانوناً، يكون من الواجب حفظ التحقيقات، والتوقف عن توجيه التهم بتشكيل أو الانضمام لجماعات إرهابية إلى معارضين سلميين ونشطاء حقوقيين ومفكرين وأدباء وسياسيين وطلاب ومشجعي كرة وغيرهم، ممن التقيت بهم في الحبسخانة وسيارة الترحيلات".