في تعاملها مع ضربة قاعدة الشعيرات السورية وتداعياتها المحتملة، تحرّكت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، على ثلاثة خطوط متوازية؛ التصعيد والتطويق والتحذير.
الأول تولاّه البيت الأبيض بلسان الناطق الرسمي شون سبايسر، الذي قال إنّ روسيا متورطة "في التستّر وحجب الحقيقة" لدفع تهمة الكيماوي في خان شيخون عن النظام السوري. وكاد أن يقول إنّها مشاركة فيه، لكنّ "الإجماع غير متوفر لدى المراجع الاستخباراتية في هذا الخصوص"، على حدّ قوله. وردّد ما سبق للسفيرة الأميركية في الأمم المتحدة نيكي هالي، قد أعلنته، بأنّه "لا سلام في سورية مع بشار الأسد في الحكم"، وهو كلام يكمل دائرة الانقلاب في موقف الإدارة، خلال أقل من أسبوع.
الخط الثاني، نهض بمهمته وزير الدفاع الجنرال جيمس ماتيس، حيث تولّى عقد اللقاء الصحافي بدلاً من الناطق باسم البنتاغون، وإلى جانبه قائد المنطقة الوسطى المعنية بالشرق الأوسط الجنرال جوزيف فوتيل، وهي المرة الأولى التي يواجه فيها ماتيس الإعلام، ويدلي بتصريح علني بعد ضربة قاعدة الشعيرات.
في بيانه وردّه على الأسئلة، حرص الوزير على حصر تركيزه في نقطتين؛ عملية الكيماوي التي قال إنّ "النظام مسؤول عنها بلا شك". والنقطة الثانية، أنّ الغاية الرئيسية من الدور العسكري الأميركي هناك "لم تتغيّر وهي تتمثل بهزيمة داعش"، مشدّداً على أنّ ضربة الشعيرات كانت "منفردة" وجاءت على هامش هذا الدور.
تحاشى ماتيس الإشارة إلى الأسد، كما إلى روسيا ودورها في الموضوع. "الأسد هو الذي خطّط ونفّذ ولا نعرف شيئاً عن الروس" في هذا الخصوص، قال وزير الدفاع، في موقف لا يتفق مع ما قاله الناطق في البيت الأبيض. كما رفض استخدام مصطلح "الخط الأحمر"، كإنذار لسورية.
"لا نريد أن تخرج القضية عن سيطرة قنواتنا الدبلوماسية"، قال ماتيس، وهو حديث مع الإعلام لتطويق التوتر، وربما بمثابة رسالة إلى الكرملين لثنيه عن ما يمكن أن يخطط له الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كرد قد يجرّ واشنطن إلى عمل عسكري آخر محفوف بمخاطر الانزلاق، لا سيما أنّ الرئيس الروسي مهندس بارع في تركيب المقالب.
وفي مؤتمره الصحافي الأخير، أشار بوتين إلى شيء من هذا القبيل، عندما قال إنّ لديه "معلومات" حول مؤامرة لدس سلاح كيماوي قرب دمشق واتهام النظام به، وكأنّه يهيّء الأجواء لمواجهة أخرى، على أساس أنّ إدارة ترامب تعهّدت بتكرار الضربة لو جرى استخدام الكيماوي مرة ثانية.
ومن المؤشرات على نية بوتين بالرّد، أنّه ألغى لقاءه المقرّر مع وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون الموجود في موسكو، من دون شطب إمكانية تراجعه غداً الخميس عن قرار إلغاء اللقاء، كما ألمحت لذلك وزارة الخارجية الأميركية، والتي تركت الباب مفتوحاً أمام احتمال عقد اللقاء.
أما الخط الثالث لتعامل إدارة ترامب مع الضربة السورية، فتكفّل به الوزير تيلرسون بزيارته إلى موسكو، والتي تعمّد تصعيد خطابه تجاهها قبل وصوله إليها. فبعد أن صرّح قبل أيام، أنّ مصير الأسد يقرّره الشعب السوري، عاد ليقول إنّ "حكم عائلة الأسد يدنو من نهايته"، كاشفاً أنّ هناك "خطوات جارية" للقيام بجهد دولي "لإزاحة الأسد".
كلام انقلابي من الوزن الثقيل، حتى ولو توسّله الوزير للضغط على موسكو، لا سيما وأنّ كلاماً من هذا الصنف بل أشد، صدر عن الناطق في البيت الأبيض شون سبايسر، والذي قال إنّ كيماوي خان شيخون أفظع مما قام به الزعيم النازي أودلف هتلر "الذي لم يستعمل هذا السلاح"، بحسب قوله.
وكأن سبايسر قال إنّ المواجهة مع الأسد باتت مسألة إلزامية، كما حصل مع هتلر، في تصريح تسبّب بإثارة عاصفة اضطر معها الناطق والبيت الأبيض للتراجع والاعتذار، جراء الاعتراض اليهودي على مساواة الكيماوي بالهولوكست.
الخطوط الثلاثة مع بعضها، تأتي لتفيد بأنّ إدارة ترامب، رسمت من غير أن تعلن "الخط الأحمر في الرمل السوري" ولم يعد بإمكانها التراجع. لكن في ذات الوقت في صفوفها، مثل ماتيس، من يفضّل تخفيف حدة الخطاب، وترك الأمر للدبلوماسية في المرحلة الراهنة، علّها تساعد على عبور الأزمة من خارج الخيار العسكري.
ولعل هذا الرأي، تعزز وسط أزمة أخرى تهدّد بمواجهة أوسع، إذ أنّ رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون، يلّوح بالسلاح النووي، في ردّه على تغريدة الرئيس ترامب التي هدّد فيها ضمناً باستخدام القوة مع بيونغ يانغ، إن لم توقف العمل بمشروعها الصاروخي–النووي.
— Donald J. Trump (@realDonaldTrump) April 11, 2017
" style="color:#fff;" class="twitter-post-link" target="_blank">Twitter Post— Donald J. Trump (@realDonaldTrump) April 11, 2017
|
يضاف إلى ذلك، أنّ ملف التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية، عاد من جديد إلى التداول مع ما يتصّل به من شبهات تحوم حول علاقة مجموعة من فريق ترامب بموسكو. وآخر المعلومات التي تسرّبت إلى "واشنطن بوست" تفيد بأنّ مستشار ترامب للشؤون الخارجية أثناء الحملة، كارتر باج، سبق له أن تعامل مع المخابرات الروسية، وزوّدها بمعلومات تقنية.
رواية ولو أنّها غير مؤكدة حتى اللحظة، من شأنها أن تصبّ الزيت على نار هذا الملف، والذي لا يبدو أنّ غارة صاروخية قادرة على تغييبه وطمس آثاره نهائياً. كما من شأنها لو صحّت، أن تشكّل ممسكاً بيد الروس، وبالتالي قيداً مع باقي مفردات هذا الملف، على حركة ترامب. ومع ارتفاع حرارة هذا الموضوع ثمة من لا يستبعد لجوء الإدارة إلى أوراق الخارج مرة أخرى، ولو لشراء المزيد من الوقت.
يقول الأستاذ الجامعي ستيفن كوهن، إنّ اللحظة الراهنة، بين واشنطن وموسكو "هي الأخطر منذ أزمة الصواريخ الكوبية في أوائل الستينات"، وكثيرون في واشنطن يوافقونه هذه القراءة.