إلغاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب قمة ثلاثية مع "حركة طالبان" كان من المقرّر انعقادها سراً في كامب ديفيد بعد ظهر الأحد، أثار الذهول أكثر من أي قنبلة "ترامبية" أخرى. فلم يكن يخطر ببال أن تدعى الحركة رسمياً إلى واشنطن بهذه الصورة وفي هذه اللحظة، خصوصاً أنه لا يوجد بعد اتفاق جاهز للتوقيع، ولا حتى لوضع اللمسات الأخيرة عليه.
والدليل أن حادثة تفجير، بسيط نسبياً بالمعايير الأفغانية، كانت كافية كذريعة لنسف القمة، مع أنه حصلت تفجيرات أكبر وأفدح أثناء المفاوضات، من دون أن تتوقف إدارة ترامب عن مواصلتها، الأمر الذي حمل على التساؤل عن دواعي قمة من هذا النوع، واستقبال "طالبان" في واشنطن من غير اتفاق على نهاية الحرب، "وقبل ثلاثة أيام من ذكرى هجمات 11 سبتمبر/أيلول؟".
الاعتقاد أن العملية، عشية القمة، لم تكن السبب المباشر لإلغاء القمة، بقدر ما جرى التعامل معها كرسالة بأن "طالبان" ليست في وارد التزحزح عن شروطها، بما قد يؤدي على الأرجح إلى فشل القمة وافتضاح أمرها، مع ما يترتب على ذلك من خسائر سياسية خارجية وداخلية، وبالتحديد انتخابية. هذا الاحتمال، مع الانتقادات والتحذيرات التي تزايدت وتيرتها في المدة الأخيرة، حمل البيت الأبيض على الاستدراك لتقليل الخسائر والنأي في آخر لحظة عن قمة "متسرّعة" لم تنضج شروطها بعد.
لكن الاستدراك حصل متأخراً، ما زاد من الصورة المشوشة التي رسختها تقلبات الرئيس ترامب في تعامله مع الأزمات الخارجية. حتى وزير الخارجية مايك بومبيو وجد صعوبة في تعليل وتسويق فكرة القمة، خلال مقابلاته التي أجراها الأحد مع شبكات التلفزة الخمس الرئيسة في برامجها لحصاد الأسبوع؛ أثنى على شطبها، لكنه لم يقوَ على تقديم تبرير متماسك للدعوة إليها، وكأنه كان يدرك مدى سرعة عطبها.
ويعود ذلك، وفق المراقبين، إلى أن التحرك في الأساس كان مشوباً بأعطاب عدة، "على رأسها التفاوض من دون الرئيس أشرف غني"، والذي أدى إلى "خطأ الدعوة إلى قمة بهذا الشكل"، حسب جين هارمن، النائبة الديمقراطية السابقة ورئيسة مؤسسة "وودرو ويلسون" للدراسات في واشنطن حالياً. وحتى بعض أشد أنصار الرئيس من الجمهوريين في الكونغرس، شارك وبقوة في النقمة على المبادرة، وقد أدانتها النائبة ليز تشيني بلغة لا تخلو من التوبيخ.
الإجماع بين المعترضين، أن الرئيس أقدم كعادته على مجازفة غير محسوبة. دفع المفاوضات نحو التوصل إلى خطوة دراماتيكية عاجلة ترتبط باسمه لعدة حسابات، الانتخابية منها في الأساس، لكن العجلة أوقعته في مأزق، والتراجع عنها تبين أنه مكلف كما كشفت الردود، والمضي بها أكثر كلفة لو فشلت.
اختيار الأقل كلفة لن يشفع بالمفاوضات، التي صارت بحكم المتوقفة حتى إشعار آخر، مع تزايد مرجح في التصعيد الأمني على الساحة الأفغانية، وتجميد الانسحاب الأميركي الجزئي في الأشهر القادمة، كما كانت الإدارة تأمل. وبذلك يتأكد مرة أخرى، بأن معالجة الأزمات، خاصة الصعبة مثل أفغانستان، لا تستقيم بعقلية الصفقة، كما أثبتته "صفقة القرن".
اقــرأ أيضاً
مفاجآت وتقلبات ترامب صارت حالة ملازمة لرئاسته. ألغى أكثر من قمة ولقاء وزيارة. انتقل من موقف إلى نقيضه في أكثر من قضية ومسألة وأزمة. أحياناً جاء التراجع بمثابة تصحيح مرغوب، كما في الحالتين الكورية الشمالية والإيرانية. لكن هذا النهج لم ينتهِ إلى حلول. في أحسن الأحوال أدى إلى تعليق الأزمات.
حرب أفغانستان لم تعد تحتمل التعليق، ناهيك بالمزيد من التأزيم الذي قد يقود إليه إلغاء قمة تحددت قبل موعدها بكثير. نكسة أخرى في مسلسل محكوم بنفس النتائج، طالما بقي ينطلق من نفس المقاربة.
والدليل أن حادثة تفجير، بسيط نسبياً بالمعايير الأفغانية، كانت كافية كذريعة لنسف القمة، مع أنه حصلت تفجيرات أكبر وأفدح أثناء المفاوضات، من دون أن تتوقف إدارة ترامب عن مواصلتها، الأمر الذي حمل على التساؤل عن دواعي قمة من هذا النوع، واستقبال "طالبان" في واشنطن من غير اتفاق على نهاية الحرب، "وقبل ثلاثة أيام من ذكرى هجمات 11 سبتمبر/أيلول؟".
الاعتقاد أن العملية، عشية القمة، لم تكن السبب المباشر لإلغاء القمة، بقدر ما جرى التعامل معها كرسالة بأن "طالبان" ليست في وارد التزحزح عن شروطها، بما قد يؤدي على الأرجح إلى فشل القمة وافتضاح أمرها، مع ما يترتب على ذلك من خسائر سياسية خارجية وداخلية، وبالتحديد انتخابية. هذا الاحتمال، مع الانتقادات والتحذيرات التي تزايدت وتيرتها في المدة الأخيرة، حمل البيت الأبيض على الاستدراك لتقليل الخسائر والنأي في آخر لحظة عن قمة "متسرّعة" لم تنضج شروطها بعد.
لكن الاستدراك حصل متأخراً، ما زاد من الصورة المشوشة التي رسختها تقلبات الرئيس ترامب في تعامله مع الأزمات الخارجية. حتى وزير الخارجية مايك بومبيو وجد صعوبة في تعليل وتسويق فكرة القمة، خلال مقابلاته التي أجراها الأحد مع شبكات التلفزة الخمس الرئيسة في برامجها لحصاد الأسبوع؛ أثنى على شطبها، لكنه لم يقوَ على تقديم تبرير متماسك للدعوة إليها، وكأنه كان يدرك مدى سرعة عطبها.
ويعود ذلك، وفق المراقبين، إلى أن التحرك في الأساس كان مشوباً بأعطاب عدة، "على رأسها التفاوض من دون الرئيس أشرف غني"، والذي أدى إلى "خطأ الدعوة إلى قمة بهذا الشكل"، حسب جين هارمن، النائبة الديمقراطية السابقة ورئيسة مؤسسة "وودرو ويلسون" للدراسات في واشنطن حالياً. وحتى بعض أشد أنصار الرئيس من الجمهوريين في الكونغرس، شارك وبقوة في النقمة على المبادرة، وقد أدانتها النائبة ليز تشيني بلغة لا تخلو من التوبيخ.
الإجماع بين المعترضين، أن الرئيس أقدم كعادته على مجازفة غير محسوبة. دفع المفاوضات نحو التوصل إلى خطوة دراماتيكية عاجلة ترتبط باسمه لعدة حسابات، الانتخابية منها في الأساس، لكن العجلة أوقعته في مأزق، والتراجع عنها تبين أنه مكلف كما كشفت الردود، والمضي بها أكثر كلفة لو فشلت.
اختيار الأقل كلفة لن يشفع بالمفاوضات، التي صارت بحكم المتوقفة حتى إشعار آخر، مع تزايد مرجح في التصعيد الأمني على الساحة الأفغانية، وتجميد الانسحاب الأميركي الجزئي في الأشهر القادمة، كما كانت الإدارة تأمل. وبذلك يتأكد مرة أخرى، بأن معالجة الأزمات، خاصة الصعبة مثل أفغانستان، لا تستقيم بعقلية الصفقة، كما أثبتته "صفقة القرن".
مفاجآت وتقلبات ترامب صارت حالة ملازمة لرئاسته. ألغى أكثر من قمة ولقاء وزيارة. انتقل من موقف إلى نقيضه في أكثر من قضية ومسألة وأزمة. أحياناً جاء التراجع بمثابة تصحيح مرغوب، كما في الحالتين الكورية الشمالية والإيرانية. لكن هذا النهج لم ينتهِ إلى حلول. في أحسن الأحوال أدى إلى تعليق الأزمات.
حرب أفغانستان لم تعد تحتمل التعليق، ناهيك بالمزيد من التأزيم الذي قد يقود إليه إلغاء قمة تحددت قبل موعدها بكثير. نكسة أخرى في مسلسل محكوم بنفس النتائج، طالما بقي ينطلق من نفس المقاربة.