محاولة أخيرة لإنقاذ الحديدة: غريفيث في صنعاء لوقف المعركة

16 يونيو 2018
تقترب قوات الشرعية من المدينة (فرانس برس)
+ الخط -
مع اقتراب القوات اليمنية الموالية للشرعية، المدعومة من قوات إماراتية والتحالف العسكري بقيادة السعودية، من مدينة الحديدة ومينائها، تبدو المدينة أمام فرصة أخيرة لتجنيبها معركة قاسية قد يدفع ثمنها حوالي 600 ألف مواطن يعيشون فيها، إذ يقوم المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث بزيارة إلى العاصمة اليمنية صنعاء، اليوم السبت، بهدف إقناع قادة جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) بالقبول بالشروط الإماراتية لوقف المعركة. لكن المؤشرات على الأرض، من استمرار المعارك وحديث القوات اليمنية والتحالف عن اقتراب اقتحام المطار، إضافة إلى دعوة زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي مقاتليه للتوجّه إلى المدينة والدفاع عنها، كلها معطيات تقلل من فرص نجاح المسعى الأممي، على الرغم من تواصل الدعوات الدولية للسماح باستمرار دخول المساعدات عبر الميناء، وتشديد الولايات المتحدة وفرنسا على عدم مشاركتهما في العمليات في تلك المنطقة.

وفي وقت تواصل فيه القوات المهاجمة، من الموالين للشرعية اليمنية والقوات الإماراتية، تقدّمها نحو المدينة، يبدأ غريفيث، اليوم السبت، زيارة إلى صنعاء للقاء الحوثيين. ونقلت وكالة "الأناضول" عن مصادر مقربة من المبعوث الأممي، أنه سيُجري في صنعاء، اليوم، لقاءات مع قيادات جماعة "أنصار الله"، ليعرض الشروط الإماراتية من أجل وقف معركة الحديدة، وهي إقناع الحوثيين بالانسحاب من الحديدة ومينائها، والتي خرج بها من زيارته إلى أبوظبي، مطلع الأسبوع الحالي. ومن المقرر أن يعرض غريفيث تلك الشروط على زعيم الحوثيين مباشرة، عبدالملك الحوثي، الذي سبق أن التقاه في زيارات سابقة، غير معلنة، وفقاً للمصادر.

لكن هذه الجهود تصطدم مع الواقع الميداني، وتوجّه كل الأطراف لمحاولة الحسم العسكري، وهو ما بدا في دعوة الحوثي مقاتليه للتوجّه إلى المدينة للدفاع عنها، في أول تصريحات يدلي بها منذ بداية الهجوم. وقال "لا ينبغي لأي اختراق أن يُحدِث حالة إرباك، ويجب العمل على تأمين الزخم البشري لمعركة الساحل"، بحسب ما نقلت عنه قناة "المسيرة". وأضاف الحوثي "ممكن استعادة كل الاختراقات داخل الساحل الغربي عبر تأمين الزخم البشري للمعركة"، مشدداً على وجوب "أن يتحرك الناس لإسناد الجبهات".
على الجبهة الأخرى، كان وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، يكتب في حسابه في "تويتر"، أن "تحرير المدينة والميناء سيخلق واقعاً جديداً ويعيد الحوثيين إلى المفاوضات".


مقابل ذلك، كانت القوات الموالية للشرعية تستعد للتقدّم باتجاه مطار الحديدة، في اليوم الثالث من هجومها الهادف للسيطرة على المدينة. وأفادت وكالة "فرانس برس" نقلاً عن مصادر عسكرية وطبية، بأن 12 مقاتلاً موالياً للحكومة الشرعية قُتلوا، أمس الجمعة، في هجوم شنّه الحوثيون على موقع عسكري في منتصف الطريق الرئيسي في مديرية التحيتا، الرابط بين مدينة الحديدة ومراكز عسكرية تنطلق منها قوات الشرعية في غرب اليمن. وذكرت المصادر العسكرية لوكالة "فرانس برس"، أن الهجوم أدى إلى اندلاع اشتباكات، ما تسبّب بقطع الطريق بين مدينة الحديدة ومديريتي الخوخة والمخا اللتين تضمان تجمعات عسكرية للقوات الحكومية. وكانت "فرانس برس" قد نقلت، صباح أمس، عن مسعفين قولهم إن 118 مقاتلاً من الطرفين قُتلوا منذ بداية الهجوم، من دون أن يحددوا أعداد قتلى كل من الجانبين.

وتتواصل المعارك في وقت تتصاعد فيه التحذيرات الدولية من مخاطر كبيرة على المدنيين في المنطقة. وفي مواجهة مخاوف المجتمع الدولي، قال وزير الخارجية اليمني خالد اليماني، في مؤتمر صحافي في نيويورك: "نحن لا نقترب من المرفأ ولا ننوي تدمير البنية التحتية". وأضاف "نحن في منطقة قريبة من المطار وليس من المرفأ. المرفأ خارج العمليات تماماً اليوم".

وكان مجلس الأمن الدولي قد عقد، مساء الخميس، ثاني جلسة له حول اليمن في أسبوع. وقال السفير الروسي في الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، الذي تتولى بلاده الرئاسة الشهرية للمجلس، إن الدول الخمس عشرة الأعضاء "متحدة في قلقها العميق إزاء المخاطر المتعلقة بالوضع الإنساني" في الحديدة. وأضاف أن الدول الأعضاء "كررت المطالبة بإبقاء ميناءي الحديدة والصليف مفتوحين". ويشكل الصليف، الواقع شمال مدينة الحديدة، مع ميناء الحديدة، المعبرين الرئيسيين للإمدادات الغذائية والمساعدات الإنسانية إلى البلد، إذ تدخل عبرهما 70 في المائة من هذه المواد.

كذلك حثّت منظمة "هيومن رايتس ووتش" مجلس الأمن الدولي على تحذير الأطراف المتحاربة في حرب اليمن من أنهم سيواجهون عقوبات إذا رفضوا وصول المساعدات للمدنيين الذين هم في أمسّ الحاجة إليها. وقالت سارة ليا ويتسون، رئيسة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة، إن "قوات التحالف والقوات الحوثية التي تتصارع الآن من أجل الحديدة لديها سجلات مروعة في الالتزام بقوانين الحرب". ودعت جميع أطراف النزاع إلى تخفيف الضرر الذي يلحق بالمدنيين خلال القتال من أجل الحديدة.

في السياق نفسه، قالت وزارة الدفاع الفرنسية، أمس، إن باريس تدرس تنفيذ عملية لإزالة الألغام للسماح بدخول ميناء الحديدة بمجرد اكتمال العملية العسكرية. وقالت الوزارة إن باريس لا تنفذ في هذه المرحلة أي عمليات عسكرية في منطقة الحديدة وليست جزءاً من التحالف الذي تقوده السعودية للسيطرة على المدينة.

وتكتسب مدينة الحديدة وميناؤها أهمية كبيرة، إذ تقع المدينة في منتصف المسافة تقريباً بين المحافظات الشمالية، وعلى مسافة 226 كيلومتراً غرب العاصمة صنعاء. أما ميناؤها، الذي يسيطر عليه الحوثيون منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2014، فيُشكّل المنفذ البحري الأخير للحوثيين، ويُعتبر حلقة وصل بين الحوثيين وإيران. كما أن سيطرة الحوثيين على الميناء أكسبتهم أوراق ضغط على الدول الإقليمية والأطراف الدولية المهتمة بحماية حرية الملاحة البحرية ونقل الطاقة إلى الأسواق العالمية عبر مضيق باب المندب.

ويتهم التحالف العسكري بقيادة السعودية، الحوثيين باستخدام الميناء ممراً لتهريب الصواريخ البالستية التي تطلق على المملكة. ويقول مسؤولون في السعودية والإمارات، إن الميناء لا يمكن أن يبقى تحت سلطة الحوثيين، ويطالبون الأمم المتحدة بإخراج الحوثيين منه.
وتتهم السعودية إيران بدعم الحوثيين بالسلاح، وهو ما تنفيه طهران. وفي هذا الإطار، أفاد تقرير سري للأمم المتحدة كشفت عنه وكالة "فرانس برس"، بأن الحوثيين أطلقوا صواريخ على السعودية صنعت بعض من مكوناتها في إيران، ولكن من دون أن يُعرف متى أرسلت هذه الصواريخ إلى اليمن. وفي التقرير الواقع في 14 صفحة، يحيط الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، مجلس الأمن الدولي علماً بأن شظايا خمسة صواريخ أطلقت منذ يوليو/ تموز 2017 من اليمن على السعودية "لديها الخصائص الأساسية نفسها لنوع من الصواريخ معروف أنه من صنع" إيران.