مجلس الدولة المصري يرفض مشروع "بيع" الجنسية

24 أكتوبر 2016
الدستور يطلب تحديد شروط اكتساب الجنسية (محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -
قرّر قسم التشريع في مجلس الدولة المصري الاعتراض رسمياً على مشروع تعديل قانون الجنسية المصرية، الذي يسمح بمنح الجنسية المصرية للأجنبي مقابل دفعه مبلغاً مالياً في صورة وديعة لمدة 5 سنوات. وجاء الاعتراض تأكيداً لما نشرته "العربي الجديد" في 30 أغسطس/آب الماضي عن وقوع خلافات بين الجهات الحكومية المصرية المعنية بملف التشريع من جهة، وبين قسم التشريع من جهة أخرى، بسبب اعتراض الأخير على بعض الأسس التي يقوم عليها المشروع الجديد من الناحية الدستورية. وكشفت مصادر قضائية، لـ"العربي الجديد"، أن قسم التشريع، الذي يلزم الدستور الحكومة عرض مشاريع القوانين عليه قبل إرسالها إلى مجلس النواب، رفض المشروع الجديد باعتبار أنه يمنح وزير الداخلية سلطة مطلقة في تحديد المبلغ المالي المطلوب إيداعه، ما يعتبر مخالفة دستورية، وتفريطاً في إلزام الدستور للمشرع بتحديد شروط اكتساب الجنسية.

ورفض القسم المادة الجديدة رقم 4 مكرر في القانون، التي تجيز أن يصدر قرار من وزير الداخلية بمنح الجنسية المصرية لكل أجنبي أقام في مصر، ووضع وديعة لمدة خمس سنوات متتالية على الأقل، قبل تقديم طلب التجنس متى بلغ سن الرشد، وتوافرت فيه الشروط المبينة في البند الرابع من المادة 4 من قانون الجنسية، على أن تحدد شروط وقواعد تقديم طلب التجنس بقرار من وزير الداخلية بعد موافقة مجلس الوزراء، وفي حالة قبول طلب التجنس، تؤول قيمة الوديعة للخزانة العامة للدولة.

وأوضحت المصادر أن "القسم اعتبر أن هذه الصيغة مخالفة للمادة 6 من الدستور التي تنص على أن الجنسية حق لمن يولد لأب مصري أو لأم مصرية، والاعتراف القانوني به ومنحه أوراقاً رسمية تثبت بياناته الشخصية حق يكفله القانون وينظمه، ويحدد القانون شروط اكتساب الجنسية". وذكر القسم، في تقريرِ رفضِه للمشروع الذي تلقاه رئيس الوزراء، شريف إسماعيل بشكل سري أول من أمس، أن المشروع يجب أن يتضمن صراحة المبلغ المالي المطلوب من فئة "الأجانب ذوو الإقامة بوديعة" لمدة 5 سنوات، ليكونوا بعد ذلك مؤهلين للمطالبة بالحصول على الجنسية المصرية. وشدد التقرير على أن "الدستور يطلب تحديد شروط اكتساب الجنسية بشكل واضح في القانون، وأن تسن السلطة التشريعية هذه الشروط بنفسها، وليس أن تتركها لتقدير وزير الداخلية المعبر عن السلطة التنفيذية".


وخلال النقاشات داخل القسم، تخوف القضاة من أن تحدد وزارة الداخلية مبالغ مالية ضئيلة ومتواضعة تسمح لأي أجنبي غير جاد المطالبة بالجنسية المصرية. وأوصوا أن يكون المبلغ المطلوب بالعملة الأجنبية لمواجهة الانخفاض الشديد والمستمر في قيمة الجنيه المصري حالياً. كما تحفظ القضاة المعارضون للمشروع على فتح الباب أمام المواطنين من أي جنسية أجنبية لإيداع المبلغ والمطالبة بالجنسية المصرية بما يتعارض مع مقتضيات الأمن القومي المصري، ويسمح بتغلغل جنسيات غير مرحب بها في المجتمع المصري، كالإسرائيلية وغيرها. وكانت الحكومة المصرية قد أعدت هذا المشروع، الذي انفردت "العربي الجديد" بنشره في 30 يوليو/تموز الماضي، بحجة تنشيط الإستثمارات الأجنبية، وتشجيع الأجانب على القدوم لمصر والاستثمار فيها مع التمتع بالضمانات والتسهيلات المقررة للمواطنين المصريين. وتعتبر هذه المرة الأولى التي يتم فيها تعديل قانون الجنسية بهذه الصورة، وذلك بعد نحو عامين من ظهور بعض المطالبات ببيع الجنسية المصرية في مقابل بدل مالي للعرب والأجانب من الجنسيات غير المعادية لمصر، بهدف تنشيط الاستثمارات الأجنبية.

وينص المشروع على استحداث فئة جديدة من الأجانب اسمها "الأجانب ذوو الإقامة بوديعة"، وعرفهم بأنهم "الأجانب الذين يودعون وديعة نقدية، ويصدر قرار من وزير الداخلية، بعد موافقة مجلس الوزراء، بتحديد المرخص لهم بالإقامة ومدتها وقيمة الوديعة ونوع عملتها وتنظيم إيداعها واستردادها والبنوك التي يتم الإيداع بها". وجاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع أنه "جاء انطلاقاً من السياسة التي تنتهجها الدولة لتشجيع استثمار الأموال العربية والأجنبية في المشاريع الاقتصادية، وتيسيراً على الأجانب ذوي الارتباط الطويل والقوي بمصر، والعمل على خلق جو من الثقة والاستقرار ليطمئن المستثمرون على أموالهم ومشاريعهم وتحقيقاً للاستقرار العائلي لهم". وأكدت المذكرة أنه "تقديراً من الدولة المصرية لدور الأجانب والعرب في المساهمة بتنشيط الاستثمار، ودعم الاقتصاد الوطني، فقد اعتبرت أن إقامتهم في مصر لمدة لا تقل عن 5 سنوات نوع من الوفاء والانتماء للدولة المصرية، لذلك يجوز منحهم الحق في طلب التجنس بالجنسية المصرية".