لكن الأمر قد يكون مغايراً لما تتصوره الحكومة، إذ إن إخراج باكستان من القائمة ليس بالأمر الهيّن، لأنه يحتاج إلى خطوات قد لا تكون باكستان مستعدّة لاتخاذها والعمل لأجلها في الوقت الراهن، لا سيما أنها تواجه ضغوطات كبيرة في المنطقة، في ظلّ تقارب بين الدول، خصوصاً الهند وأفغانستان. وقد يكون أخذ تلك الخطوات مناهضاً لسياسات إسلام أباد حالياً، لأنها لن ترضى بأن تخسر جميع بطاقاتها لأجل الآخرين.
وفي الحقيقة، فإنّ المشكلة ناشئة من التوتّر في العلاقات بين باكستان والولايات المتحدة الأميركية. وبسبب هذا التوتّر، باتت إسلام أباد تخسر أهم حلفائها في المنطقة. فقد لا يكون إدراج باكستان في القائمة الرمادية مهما بهذا القدر، إذ إنها أدرجت قبل ذلك من العام 2012 حتى العام 2015 ضمن القائمة نفسها، ولكن الأهم سياسات الولايات المتحدة الأميركية وتحريضها لدول المنطقة ضد باكستان.
وثمّة تقارير تؤكّد أن واشنطن تمكّنت من إقناع الصين والسعودية بألّا تصوتا لصالح باكستان، وقد فعلتا ذلك، بخلاف ما ادعته السلطات الباكستانية في البداية من أنّ السعودية والصين وتركيا وقفت إلى جانبها. وإذا كان الأمر هكذا، فله دلالات خطيرة. إذ إن الرياض وبكين من أهم حلفاء باكستان في المنطقة وهي تراهن عليهما كثيراً. وفي حال تمكّنت واشنطن من إقناعهما في هذه القضية، فإنها تستطيع أن تفعل ذلك لتغيير سياستهما، خصوصاً فيما يتعلّق بالسعودية، وفي ظل تغييراتها الداخلية، في وقت يبدو أن الرياض مستعدة لفعل أي شيء من أجل التقارب مع واشنطن.
وإذا كان ما كتبته بعض وسائل الإعلام الباكستانية صحيحاً، عن أنّ الرياض صوّتت ضد باكستان بضغوط أميركية، فذلك يمثّل فشلاً ذريعاً للسياسة الخارجية الباكستانية. وتساءل كثيرون في هذا الإطار، حول رهان باكستان على السعودية، وإرسال قواتها إلى هناك، ما دامت الرياض تصغي للمطالب الأميركية ضد إسلام آباد.
كذلك، طرحت أسئلة كثيرة حول ما ادعاه مستشار الرئيس الأفغاني، محمد حنيف أتمر، بعد زيارته الأخيرة قبل أيام إلى الرياض، إذ قال إنّ السعودية أعطته تطمينات حول أنّ أفغانستان وباكستان "سيّان لها فيما يتعلّق بالسياسة الخارجية السعودية". وأوضح أتمر في مقابلة مع قناة "شمشاد" الأفغانية، أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، أكد في لقاء معه أن "باكستان عين السعودية الأولى وعينها الثانية أفغانستان"، منوهاً بأن الرياض بصدد تغيير سياساتها نظراً لما تشهده المنطقة من تغيّرات.
وأضاف أتمر أنه "آن الأوان لأن تغيّر باكستان سياساتها، لكي يبقى لها وزنها في المنطقة، فسياسات جميع الدول آخذة في التغيّر، وباكستان ستواجه ضغوطات أكبر وأموراً قد لا تتصورها".
ولم يتضح بماذا توحي كلمات أتمر، وما الذي يعنيه بأمور "قد لا تتصورها"، لكن ما هو أكيد أن سياسات باكستان الخارجية تحتاج إلى إعادة النظر، ذلك لأنها بصدد خسارة حلفائها. فإذا استطاعت أميركا أن تبعد بين الرياض وإسلام أباد، وكانت الأولى قرّرت تغيير سياساتها، فذلك سيمثّل ضربة لسياسات الحكومة الباكستانية الخارجية، خصوصاً أنها انحازت في سياستها الأخيرة إلى السعودية وأرسلت جنوداً باكستانيين إليها، ما أدى إلى استياء إيران.
من هنا، يتعيّن على حكومة باكستان أن تجدّد النظر في سياساتها الخارجية وأن تولي اهتماماً كبيراً بها، بدلاً من الانشغال بالسجال الداخلي. ولكن يبدو أنها لا تزال تتخبط في مشاكلها الداخلية، فهي لم تتمكّن لفترة أن تعيّن وزيراً للخارجية، واكتفى رئيس الوزراء السابق نواز شريف بأن يتولّى مستشار له، وهو السياسي السابق سرتاج عزيز، مهام هذا المنصب. وبعد تزايد الانتقادات، عيّن أحد أبرز القياديين في الحزب الحاكم، خواجه آصف، في هذا المنصب، وهو شخص معروف بحدّته، ولا تتماشى طبيعته أبداً مع سياسة البلاد الخارجية، بل همّه الوحيد هو الرد على الانتقادات الموجهة إلى أسرة شريف الحاكمة في الحزب.
ولا بدّ أيضاً من أن يلقى جزء من اللوم على أحزاب أخرى، لأنها منذ أن تولّت الحكومة زمام البلاد في عام 2013، بدأت باعتصامات واحتجاجات وهي لا تزال مستمرة بصورة أو أخرى. والاعتقاد السائد أنّ السبب من ورائها هو الخلافات بين أسرة شريف والجيش، وللصراع بينهما تاريخ طويل.
وفي نتيجة تلك الصراعات الداخلية، أقيل شريف بحكم قضائي في ديسمبر/كانون الأوّل الماضي، كما سحبت المحكمة منه أهلية رئاسة الحزب، ليخلفه شقيقه الصغير، شهباز شريف، وهو رئيس وزراء حكومة إقليم البنجاب، ويتولّى زعامة الحزب. من أجل ذلك، انصب اهتمام الحكومة على مواجهة قضايا المحكمة والاتهامات الموجهة لقادة الحزب، وعلى الملفات الداخلية، وهي نجحت في بعض تلك الملفات، منها الحصول على الأغلبية في مجلس الشيوخ خلال الانتخابات التي جرت الأسبوع الماضي، ولكن كل ذلك أتى على حساب السياسة الخارجية.
في المحصلة، فإنّ باكستان قد تواجه في الفترة المقبلة تحديات أكبر، خصوصاً أنها بصدد مجابهة السياسات المناهضة لها في المنطقة، وهي تحتاج إلى الاهتمام بهذا الجانب من قبل الحكومة، والتنسيق بين مؤسسات الدولة، الحكومة والجيش والقضاء، وإلاّ فإن تراكم الملفات الداخلية والفشل في السياسة الخارجية قد يفتح باباً للجيش للدخول في السياسة مما قد يدفع البلاد نحو مخاطر أكبر.