تُظهر طريقة تشكيل وفد ما عُرف باسم "معارضة حميميم"، مدى تحكّم روسيا وإيران بكل مفاصل النظام السوري العسكرية والأمنية، كما أن طريقة تشكيل وفد حميميم أظهرت مجدداً صراعاً بين هذين البلدين، ساهم في تشظي هذا النظام إلى كتل وأحلاف تدين بالولاء إلى طهران أو موسكو. فقد فوجئ وفد معارضة حميميم، الذي شارك في مباحثات جنيف 3 باسم معارضة الداخل، وهو سبق أن شُكّل في مطار حميميم العسكري، القاعدة العسكرية للقوات الروسية في الساحل السوري، نهاية الأسبوع الماضي بأن الجهة المسؤولة عنه بشكل مباشر، والتي كانت تزوده بالتعليمات والتوجيهات وتستلم منه تقارير بنشاطه، قد تم تغييرها من مكتب الأمن الوطني الذي يرأسه اللواء علي مملوك، المقرب من الإيرانيين، إلى شعبة الأمن العسكري برئاسة اللواء محمد محلا.
وكان وفد حميميم الذي شارك في مباحثات جنيف الأخيرة، ضم كلاً من إليان مسعد، وهو طبيب وضابط بعثي سابق سُرّح برتبة عميد عام 2013، وشغل مناصب مدير بنك الدم ومدير مستشفى حرستا العسكري. عقب تسريحه أعلن أنه يمثّل ما سماه "حزب المؤتمر الوطني"، كما أنه عضو ومتحدث باسم "هيئة العمل السوري" التابعة لوزير المصالحة الوطنية علي حيدر، المقرّب الأسد. كما ضم الوفد محمود مرعي الأمين العام لـ"هيئة العمل الوطني الديمقراطي"، وأمينة سر الهيئة ميس كريدي، المعروفين بارتباطهما القوي بمكتب الأمن القومي الذي يترأسه مملوك.
كذلك ضم الوفد نواف الملحم، وهو ابن شيخ عشيرة الحسنة، والأمين العام لـ"حزب الشعب"، وهو أحد المقربين من بشار وماهر الأسد، حتى أنه يحتفظ في مكتب حزبه في دمشق بالعديد من صور بشار الأسد وشقيقه باسل الذي توفي في تسعينيات القرن الماضي. ومن أعضاء الوفد أيضاً مازن بلال وهو مهندس وكاتب وإعلامي يمثّل ما يسمى "التيار الديمقراطي العلماني"، وهو عضو في "هيئة العمل السوري" التابعة لعلي حيدر، وجوزيف جريج وهو مهندس يقول إنه يمثّل "جبهة الضغط الديمقراطي" كما أنه عضو في "الحزب الشيوعي الموحّد" الممثل في "الجبهة الوطنية التقدمية"، وإيناس الحمال الأمين العام لـ"حزب التنمية الوطني".
وضم الوفد أيضاً عبد الهادي نصري وهو رئيس جمعية "رواد الفكر التنويري السوري"، ومنسّق "أمانة حلب للثوابت الوطنية" ومن المعروفين بدفاعهم عن حزب "البعث العربي الاشتراكي" والسلطة، وأحمد كوسا الضابط السابق المسرّح الذي يشغل اليوم منصب الأمين العام لـ"الحزب الديمقراطي السوري" وله كتائب مقاتلة إلى جانب قوات النظام في حلب. ومصطفى قلعجي وهو شريك سابق لكوسا وعضو مكتب سياسي في حزبه، انشق عنه وأعلن منذ عدة أسابيع تأسيس حزب باسم "حزب التغيير والنهضة السوري"، وهو عضو في "هيئة العمل السوري"، إضافة إلى مروة الايتوني عضو غرفة صناعة دمشق، ورئيسة حزب "الكتلة الوطنية" وهي أيضاً عضو في "هيئة العمل السوري"، وهاني الخوري وهو ممثل لحزب "السلام السوري" وعضو في "هيئة العمل السوري"، وطارق الأحمد القيادي في الحزب "السوري القومي الاجتماعي"، إضافة إلى عضوية بسام نجيب، في حين كان قد تم استبعاد كل من سهير سرميني ومجد نيازي، كما تم استبعاد بروين ابراهيم قبلهما، بسبب خلافاتهم مع أعضاء وفدهم وعلى رأسهم مسعد.
ولفت المصدر إلى أنه "عقب عودة الوفد من جنيف والذي تشكّل فيه هيئة العمل الوطني الأغلبية الساحقة، وهي برئاسة علي حيدر، دعا الأخير إلى اجتماع للهيئة عدة مرات، إلا أن جماعة مسعد قاطعتها ما حال دون اجتماعها، وهو ما دفع حيدر إلى تقديم استقالته الأسبوع الماضي من رئاسة الهيئة، داعياً إياها للاجتماع وانتخاب رئيس يحل مكانه". وأكدت مصادر من "هيئة العمل الوطني السوري" قيام عدد من أعضائها عقب استقالة حيدر، بإعلان انسحابهم للأسباب نفسها التي دفعت حيدر للاستقالة، وهم المفوّض المركزي للحزب "السوري القومي الاجتماعي" عبد القادر العبيد، والأمين العام لحزب "التغيير والنهضة" السوري مصطفى قلعه جي، وممثل "التيار الثالث من أجل سورية" عقبة الناعم، وتيار "مجد سورية" تمثّله ميساء اللجمي، ورئيس حركة "التجديد الكردستاني" ريزكار قاسم، والأمين العام لحزب "الإصلاح الوحدوي الديمقراطي" محمد صوّان، وممثل حزب "السوريين المردة" سابا قوبا، وممثل "التيار الوطني لإنقاذ سورية" حسان عرنوق، والصحافي مازن بلال.
وذكرت المصادر أنه "على خلفية هذا الانشقاق تم استدعاء الوفد إلى موسكو لبحث سبل المحافظة عليه، صباح يوم الجمعة الماضي، خصوصاً أن الروس يسعون إلى توحيد وفود موسكو والأستانة والقاهرة وحميميم، للدخول في الجولة المقبلة من جنيف".
وتوقعت المصادر أن يقوم اللواء محمد محلا في المرحلة المقبلة بدور مهم في الوضع السوري الداخلي، وشكل التركيبة السياسية التي سيصدرها الروس، للمضي في المسار السياسي، ما قد يتسبب في تشرذم النظام السوري أكثر. ولفتت المصادر إلى أن "الصراع الروسي الإيراني في سورية ظهر منذ زمن في المجال العسكري، إذ عملت إيران على تشكيل العديد من المليشيات التابعة لها، كقوة عسكرية توازي قوات النظام، وهي مستمرة في سياستها هذه، التي تمكّنها من خلق قوى تشابه حزب الله في لبنان، تكون أدواتها في حماية مصالحها وتنفيذ مخططاتها".