وقال المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة المصرية، العقيد أركان حرب تامر الرفاعي، يوم الثلاثاء الماضي، في بيانٍ مقتضب، إنه "في إطار تنفيذ النشاط التدريبي للقوات الجوية، سقطت طائرة مقاتلة في إحدى مناطق التدريب، ما أسفر عن استشهاد قائدها، وجارٍ تحديد سبب سقوطها"، من دون مزيد من التفاصيل. وعلى الرغم من أن المتحدث الرسمي لم يذكر مكان التدريب، غير أن القوات المسلحة المصرية كانت قد أعلنت خلال شهر يناير/كانون الثاني الحالي عن تنفيذ المناورة العسكرية "قادر 2020"، التي شملت تنفيذ القوات الجوية المصرية عدداً من المهام القتالية على كل الاتجاهات الاستراتيجية، كما تضمنت تنفيذ المنطقة الغربية العسكرية مهامها على امتداد الحدود الغربية وساحل البحر المتوسط، فيما شهدت مدن محافظة شمال سيناء خلال الأيام الماضية تحليقاً مكثفاً للطيران الحربي.
ميدانياً، قالت مصادر قبلية وشهودٌ عيان لـ"العربي الجديد"، إن طائرة حربية تابعة للقوات الجوية المصرية سقطت في مناطق جنوب مدينة رفح بين قريتي المهدية ونجع شيبانة، مقابل الحدود المصرية مع الأراضي الفلسطينية المحتلة، ما أدى إلى تدميرها بشكل كامل. وأضافت المصادر أن قوات الجيش والمليشيات العسكرية التابعة لها من قبيلة الترابين سارعت للوصول إلى مكان السقوط، قبل أن تقع اشتباكات متقطعة مع عناصر تابعة لتنظيم "ولاية سيناء" الموالي لتنظيم "داعش"، والذين حاولوا بدورهم الوصول إلى حطام الطائرة وتصويرها. وفي وقت لاحق، وصلت تعزيزات عسكرية كبيرة من معسكر الساحة وسط مدينة رفح ومعسكر الزهور في مدينة الشيخ زويد والكمائن المجاورة لمنطقة سقوط الطائرة، بعد ورود معلومات عن محاولة التنظيم الاقتراب من حطام الطائرة.
وأكدت المصادر نفسها أن الأيام الماضية شهدت نشاطاً مكثفاً للطيران الحربي بكافة أنواعه في سماء سيناء، وعلى مستويات منخفضة غير مسبوقة في تاريخ عمليات الجيش المصري، وهو ما تمّ نشره عبر صفحات التواصل الاجتماعي من قبل نشطاء سيناويين وصفحات الأخبار المهتمة بسيناء. في المقابل، شهدت مدن رفح والشيخ زويد وبئر العبد، نشاطاً عسكرياً ميدانياً لتنظيم "ولاية سيناء" على كافة الاتجاهات، ما أدى إلى وقوع خسائر مادية وبشرية في صفوف الجيش المصري. كما أعلن صحافيون وناشطون مقربون من قوات الأمن عن استهدافٍ بالطيران الحربي لمواقع تابعة لـ"ولاية سيناء" في اليوم نفسه لسقوط الطائرة الحربية، ما يؤكد الحادثة لجهة وقوعها، من دون الوصول للأسباب.
وأوضحت المصادر أن الطيار القتيل في الطائرة الحربية التي سقطت الثلاثاء هو مقدم أركان حرب طيار، هشام حسني متولي، وهو من أشهر الطيارين الحربيين، وشارك في عشرات الهجمات على الإرهابيين في سيناء والحدود الغربية لمصر.
ويأتي سقوط الطائرة بعد أقل من 48 ساعة من مقتل طفلين مصريين بقصفٍ جوي من طائرة مسيّرة على أهداف مدنية في مدينة الشيخ زويد بمحافظة شمال سيناء، وهو ما وثقته مصادر قبلية، وكذلك "ولاية سيناء"، الذي قال إنه سينتقم لهما وفقاً لما نقلته وكالة "أعماق" التابعة للتنظيم.
هذا التهديد يدفع البعض إلى التشكيك في رواية سقوط الطائرة، والميل إلى إمكانية تعرضها لاستهداف ما على يد التنظيم، الذي سارع للإعلان عن سقوط الطائرة عبر "أعماق"، بالتزامن مع إعلان القوات المسلحة المصرية، وإن لم يتبنّ إسقاطها.
ويتضح من رواية القوات المسلحة الاتجاه نحو عدم الإدلاء بأي تفاصيل تتعلق بالحادثة، نظراً إلى حساسية التوقيت بسبب الظروف السياسية التي تحيط بمصر في ملف ليبيا، وكذلك حساسية المكان، في ظلّ أن الطائرة سقطت في محافظةٍ تعتبر معضلة أمنية للنظام المصري منذ سبع سنوات.
وثمّة من رأى أن القوات المسلحة المصرية لم تبدِ اهتماما بالغاً بالقضية، على الأقل على الصعيد الإعلامي، فيما اضطر المتحدث الرسمي للإعلان عن الحادثة في أعقاب كشف "ولاية سيناء" عنها، وتوثيقها عبر وكالة "أعماق".
وعلى الرغم من أنه جرت العادة في الأعراف العسكرية، على وقف كل التدريبات في حال وقوع خطأ بحجم سقوط طائرة حربية ومقتل قائدها، وفي منطقة معقدة أمنياً وعسكرياً، إلا أن القوات المسلحة المصرية واصلت النشاطات التدريبية، وجرى افتتاح قاعدة "برنيس" العسكرية بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي، من دون المرور على ذكر الحادثة أو قائد الطائرة الذي كان جزءاً أساسياً من المناورات "قادر 2020" التي تشهدها مصر منذ أيام. هذا التعتيم شبه المطلق يشير إلى عدم رغبة النظام المصري والقوات المسلحة في التركيز على الحادثة، وعدم إبداء الاهتمام اللازم بمقتل قائد طائرة وتحطمها، ما يدعو إلى التساؤل عن أسباب ذلك. يضاف إلى ذلك، مرور أيام عدة من دون الإعلان عن سبب سقوط الطائرة أو نتائج التحقيق حوله، مقابل الاهتمام الذي حظي به الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي وفي أوساط المجتمع المصري.
يشار إلى أن تنظيم "ولاية سيناء" يمتلك أسلحة مضادة للطيران من قبيل الرشاشات والمقذوفات، والتي استخدمها في وقت سابق في التصدي للحملات العسكرية واستهداف المروحيات المصرية، والتي كان من ضمنها إسقاط طائرة مروحية من نوع "أباتشي" فوق أجواء مدينة الشيخ زويد في يناير/كانون الثاني 2014 وهو ما أكده الجيش المصري، ووثقته كاميرات التنظيم ونشره آنذاك. يضاف إلى ذلك، استهداف طائرة وزيري الدفاع والداخلية (صدقي صبحي ومجدي عبد الغفار) في مطار العريش بواسطة صاروخ "كورنيت" (ديسمبر/كانون الأول 2017)، عدا عن استهداف عدد من الطائرات خلال الحملات العسكرية، من دون الإبلاغ عن وقوع إصابات أو أضرار.
وتعقيباً على ذلك، رأى باحث في شؤون سيناء، طلب عدم ذكر اسمه، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن كل الاحتمالات واردة في أسباب سقوط الطائرة، إلا أن ثمة معطيات تبعث على الريبة في الحادثة، أهمها حالة التكتم التي رافقتها، وعدم تحديد مكان السقوط أو كيفيته، أو حتى الإعلان عن اسم الطيار القتيل، فيما كان لتنظيم "ولاية سيناء" السبق في الإعلان عن مكان السقوط بالتحديد وتوقيته. مع الإشارة إلى أن الطيران الحربي حلّق بشكل منخفض ومكثف في أجواء سيناء خلال الساعات التي سبقت سقوط الطائرة. ومن جملة العوامل التي تثير الريبة، بحسب المصدر، هو أن الطلعات الجوية فوق سيناء غالباً ما تكون هجومية، وليست جزءاً من المناورات والتدريب، نظراً إلى أن ذلك مرتبط بحركة القوات البرية على الأرض، واستمرار التنسيق بين الطرفين على مدار الساعة.
وأوضح الباحث أن امتلاك تنظيم "ولاية سيناء" أسلحة مضادة للطيران وتهديده بالانتقام للقتلى الأطفال الذين قضوا بقصف جوي أخيراً، يزيد من احتمالية الإسقاط وليس السقوط. وبرأيه، فإنه في حين أن التنظيم أعلن في بادئ الأمر عن سقوط الطائرة، إلا أن الأيام المقبلة كفيلة بالكشف عن حقيقة الأمر في حال لم تصدق رواية الجيش المصري بأنها سقطت. وفيما لفت إلى التحقيقات التي لا تزال جارية من قبل القوات المسلحة المصرية للكشف عن أسباب السقوط، توقف عند حقيقة أنه لم يتم ذكر وجود خلل فني، ولم يجر الإعلان عن مصير مساعد الطيار، بالإضافة إلى أن الطائرة تعطي المجال لقائدها بالقفز منها قبل السقوط، وهو ما لم يحصل، على الرغم من الحديث عن مهارة الطيار وعمله في أجواء العمليات منذ سبع سنوات.