تعقد قوى المعارضة السياسية في الجزائر، يوم السبت المقبل، مؤتمراً حاسماً، سيرسم في حال نجاحه أفقاً للحل السياسي للأزمة التي تشهدها البلاد منذ مغادرة عبد العزيز بوتفليقة السلطة في الثاني من إبريل/نيسان الماضي على خلفية تظاهرات الحراك الشعبي. لكن نقاط خلاف ما زالت عالقة بين قوى المعارضة نفسها، تهدد بالإخفاق في التوصل إلى أرضية توافق سياسي.
ويسود الترقب إلى حدّ كبير مخرجات المؤتمر المزمع عقده في 6 يوليو/تموز الحالي، وما إذا كانت قوى المعارضة، السياسية والمدنية والحراك الشعبي، ستتوصل إلى صيغة حل سياسي توافقي يستجيب للمطالب الشعبية المعبّر عنها في التظاهرات المستمرة منذ 22 فبراير/شباط الماضي. وتلقى على عاتق هذا المؤتمر مسؤولية سياسية وتاريخية، تفرض على مجموع القوى المشاركة فيه بذل جهد أكبر لتحقيق التوافقات اللازمة، لإجبار السلطة والجيش على تقديم تنازلات والقبول بحل سياسي للأزمة.
وتجري هيئة التنسيق السياسي، المكلفة من قبل المعارضة برئاسة وزير الاتصالات السابق عبد العزيز رحابي، اتصالات مكثفة في اتجاهين، الأول لضمان مشاركة كبرى القوى السياسية والمدنية والشخصيات المستقلة في المؤتمر، والثاني لتقريب وجهات النظر وتقليص التباينات السياسية البارزة بين أقطاب المعارضة. وما زالت بعض النقاط محل خلاف بين هذه الأقطاب، وتتمحور حول مقترح المرحلة الانتقالية والمجلس التأسيسي وأولوية الانتخابات الرئاسية على النيابية. ففيما تدفع كتلة سياسية، تضم "جبهة القوى الاشتراكية" وحزب "العمال" و"التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" وناشطين مستقلين آخرين، باتجاه تحييد رئيس الدولة عبد القادر بن صالح وحكومة نور الدين بدوي، وتعيين توافقي لمجلس أو رئيس انتقالي يعمد إلى تشكيل حكومة مستقلة، والتحضير لانتخابات مجلس تأسيسي مهمته صياغة دستور جديد، تُدافع كتلة ثانية، تضم "جبهة العدالة والتنمية" وحركة "مجتمع السلم" وأحزابا أخرى، عن مرحلة انتقالية برئيس انتقالي، تؤدي مباشرة إلى تنظيم انتخابات رئاسية في غضون فترة قصيرة، وبإشراف هيئة مستقلة للانتخابات. وتبدي كتلة ثالثة، تضم في الغالب شخصيات ومستقلين، تفهماً لمخاوف الجيش من المرحلة الانتقالية، وتطرح على أساس ذلك فكرة تقديم تنازلات متبادلة بين المعارضة والجيش والسلطة، عبر القبول باستمرار بن صالح في منصبه، واقتراح استبعاد حكومة بدوي، وتشكيل حكومة مستقلة تتولى إدارة الحوار الوطني وتجهيز العدة القانونية واللوجستية لتنظيم انتخابات رئاسية.
وفي هذا السياق، ذهب منسق هيئة تحضير مؤتمر المعارضة، عبد العزيز رحابي، إلى تحميل قوى المعارضة مسؤولية البحث عن حل سياسي، وبدء حوار صادق وجدي لحل الأزمة، حتى وإن استدعى ذلك تقديم التنازلات الضرورية، و"إذا كانت أطراف الحوار غير مسؤولة عن الأزمة، فإنها مسؤولة عن البحث عن حل لها، لا سيما أن الجزائريين لطالما قدّموا تاريخياً، وفي الأوقات الصعبة، التنازلات المتبادلة، ليس جهلاً بالأسباب وإنما كحتمية وطنية". وعلى الرغم من حالة تفاؤل سياسي يبديها رحابي، الذي نشر تقدير موقف على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، بشأن إمكانية "إيجاد، وبشكل توافقي، سبيل يؤدي إلى الحوار والعودة إلى المسار الانتخابي بضمانات يتم التفاوض بشأنها، وآليات سيكون فيها للدولة أو لمؤسساتها دور بسيط كمسهل أو مرافق لإقامة ديمقراطية كاملة وتامة"، إلا أنه يقر، في الوقت نفسه، بصعوبة الموقف السياسي الراهن. وقال "في خضم وضعية التحوّل السياسي الذي نعيش، لا يمكننا تحقيق إجماع في الوقت الراهن، لأن ذلك قد يشكل خطر تأجيج الأزمة عوض حلها، لأنه ليس من السهل إعادة تشكيل ساحة سياسية فُخخت إرادياً من قبل السلطة السياسية بهدف إضعافها".
لكن ما يقلق المراقبين والفاعلين السياسيين ليس احتمالات نجاح أو فشل مؤتمر المعارضة، بقدر ما يبدو السؤال الأهم حول كيفية وضع مخرجاته قيد التنفيذ، وآلية الحوار مع السلطة كمؤسسة سياسية، التي ترفض أغلب المكونات السياسية والمدنية الحوار مع ممثليها، بن صالح وبدوي، ومع الجيش الذي يحاول أن يستبعد نفسه من الحوار السياسي بحجة أن المسألة السياسية ليست ضمن صلاحياته. وفي هذا المنحى، اعتبر القيادي في حركة "مجتمع السلم" نصر الدين حمدادوش، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "هناك احتمالات قوية لنجاح مؤتمر السادس من يوليو، وهناك مشاركة متنوعة لمختلف التيارات والعائلات السياسية، من الأحزاب والمجتمع المدني، والشخصيات الوطنية. وستلتقي كل المبادرات والمقترحات على طاولة واحدة، للخروج برؤية جماعية مشتركة لحل الأزمة في الجزائر، مع بقاء الخطوة الأهم، وهي الحوار مع السلطة. ولكن يبقى الإشكال تحت إشراف من؟".
وعمدت قوى المعارضة السياسية إلى استبعاد الأحزاب والقوى المدنية التي كان لديها التزام سياسي مع بوتفليقة لدعم ترشحه لولاية رئاسية خامسة في الانتخابات التي كانت مقررة في 18 إبريل/نيسان الماضي، قبل أن يتم إلغاؤها تحت ضغط الشارع وتظاهرات الحراك الشعبي، على الرغم من رغبة أبدتها هذه الفعاليات بالمشاركة في حال تلقت الدعوة، على غرار حزب "جبهة التحرير الوطني" الذي أعلن أمينه العام محمد جميعي، السبت الماضي، أنه سيشارك في مؤتمر المعارضة في حال تلقى دعوة لذلك. ويسبق مؤتمر المعارضة تزايد عوامل التوتر السياسي والشعبي بفعل عودة القبضة الأمنية إلى الشارع ومحاولة الشرطة قمع التظاهرات وحملة الاعتقالات التي جرت في الجمعة الأخيرة. وستكون تظاهرات الجمعة المقبل، التي تصادف عيد استقلال الجزائر في الخامس من يوليو، والتي يسعى الناشطون إلى التعبئة لها حتى حدٍّ كبير لتكون الأكبر منذ 22 فبراير/شباط الماضي، حافزاً رئيساً لقوى المعارضة لإنجاح المؤتمر والخروج بورقة طريق لحل الأزمة السياسية.