تباين الرؤى حول الحل السوري... وضغوط متعددة على المعارضة

13 اغسطس 2016
لم يعد أمام المعارضة سوى تغيير الموازين ميدانياً (الأناضول)
+ الخط -

يفتح التقارب التركي الروسي والتطورات العسكرية المتلاحقة في شمال سورية الباب أمام حراك دولي وإقليمي مكثف حول الملف السوري، في الوقت الذي لا تزال فيه رؤى المعارضة تتضارب حول العملية السياسية والسبل الكفيلة بالتوصل إلى حل، في ظل توجه أميركي لتسليم روسيا مفاتيح الصراع.

مشاورات تركية إيرانية
وفي استمرار للتحركات السياسية التي يشهدها الإقليم، زار وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، أمس الجمعة، العاصمة التركية أنقرة، مبدياً ترحيبه في مؤتمر صحافي عقده مع نظيره التركي مولود جاووش أوغلو، بالتعاون مع تركيا من أجل إيجاد حل سياسي في سورية، وتجاوز الخلافات إزاء ذلك.

من جانبه، أكد جاووش أوغلو أن "بلاده ستكثف التعاون مع الجانب الإيراني على هذا الصعيد"، لافتاً إلى أن "أنقرة تنتظر حلاً عادلاً من طهران"، في إقرار بأن اللقاء لم يستطع ردم الهوة في وجهات نظر البلدين إزاء الملف السوري. في المقابل، أعلن الجانبان التركي والإيراني اتفاقهما على "وحدة الأراضي السورية"، رافضين محاولات أكراد سورية تشكيل إقليم في شمال البلاد. الأمر الذي قد يغري الأكراد في إيران وتركيا بالقيام بخطوة مماثلة. وكشف جاووش أوغلو أنه ونظيره الإيراني لم يناما طيلة الليلة التي شهدت محاولة الانقلاب الفاشلة بتركيا (15 يوليو/تموز الماضي)، وأن ظريف اتصل به في تلك الليلة من 4 إلى 5 مرات، ليطمئن على الأوضاع في تركيا، كما اتصل به للسبب ذاته مرات عدة في اليوم التالي.



تراجع أميركي لحساب روسيا
في غضون ذلك، تواصل الولايات المتحدة الضغط على المعارضة السورية في إطار سياستها الهادفة إلى تسليم موسكو مفاتيح الملف السوري. في هذا السياق، كان المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية مايكل راتني، واضحاً خلال اجتماعه، يوم الخميس الماضي، مع أعضاء في الهيئة السياسية للائتلاف الوطني السوري، في التأكيد على أن "الإدارة الأميركية فوّضت الجانب الروسي في إيجاد حلول سياسية للقضية السورية، وأن إدارة باراك أوباما تعطي الحرب على الإرهاب الأولوية". ونصح راتني المعارضة في فتح باب حوار مع الروس "لأنهم يمتلكون قسماً كبيراً من مفاتيح الحل"، وهو أمر لا ترفضه المعارضة، وفقاً لمصادر في الائتلاف الوطني السوري. وتوضح المصادر في حديث مع "العربي الجديد" أن "لا مانع يحول دون الحوار مع الجانب الروسي، في سبيل التوصل لحل سياسي ينهي المأساة السورية، بناء على القرارات الدولية ذات الصلة، رغم أن روسيا تحولت إلى دولة احتلال تقتل السوريين، وتدمّر بلادهم"، وفق المصادر.

وتكشف المصادر أن "المبعوث الأميركي كان صريحاً أثناء الاجتماع، ولم يكن متفائلاً بحدوث اتفاق سياسي في سورية في المدى القريب"، مشيرة إلى أن "المبعوث الدولي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، قال لأحد أعضاء الائتلاف، إنه في حال عدم العودة إلى التفاوض أواخر الشهر الحالي، فربما يطرأ جمود على المشهد السياسي يمتد أشهراً عدة، حتى نضوج إدارة أميركية جديدة، إلا إذا حدثت تطورات دراماتيكية في المسار العسكري تفرض معطيات جديدة". وتُشدّد المصادر على أن "العودة إلى طاولة التفاوض متعلقة بحدوث اختراق مهم على صعيد تشكيل هيئة حكم انتقالي، وهذا غير متوقع في ظل تمسّك بشار الأسد بالسلطة بدعم روسي وإيراني، ورفضه الخوض في تفاوض يفضي إلى خروجه من السلطة عاجلاً أو آجلاً، ما يعني بقاء الحال في سورية على وضعه الراهن حتى مجيء إدارة أميركية تكون مهتمة بتطبيق القرارات الدولية ذات الصلة، والتي تدعو صراحة إلى تشكيل هيئة حكم كاملة الصلاحيات تقود مرحلة انتقالية، تنتهي بانتخابات وفق دستور جديد".

من جانبها، ترى الهيئة العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة السورية أن "إصرار موسكو على بقاء الأسد في السلطة حال دون التفاهم معها". وفي هذا الصدد يقول المتحدث باسم الهيئة، رياض نعسان آغا، في حديثٍ لـ "العربي الجديد": "حاولنا كثيراً التفاهم مع الروس"، لافتاً إلى أن "وفوداً عديدة من المعارضة حاورتهم، لكن إصرارهم على بقاء الأسد أفشل الحوار". ويشير نعسان آغا إلى أنه "منذ نحو عام بات تدخلهم للدفاع عن الأسد مدمّراً لسورية، وتحوّلت روسيا إلى دولة احتلال لسورية"، مردفاً "ربما تحدث بعض التغيرات التي تعدّل الموازين مستقبلاً في المسار السياسي".




في غضون ذلك، اتفق تيار "الغد السوري"، والذي يتزعمه عضو الائتلاف السابق أحمد الجربا مع هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي، برئاسة حسن عبد العظيم، في اجتماع عُقد في العاصمة المصرية القاهرة، يوم الأربعاء، على "ضرورة استئناف العملية السياسية التفاوضية من دون شروط مسبقة، ومن دون توقف حتى إنجاز الحل السياسي، وفق مقررات جنيف 1 والقرارات الدولية ذات الصلة". كما تمّ الاتفاق على أن "محاربة الإرهاب، بالتوازي مع الحل السياسي، ضرورة وطنية ملحة، وعلى توحيد جهود جميع قوى المعارضة الوطنية الديمقراطية"، وفق بيان صدر عن الجانبين.

في المقابل، لا يزال الائتلاف الوطني السوري مصرّاً على أن التفاوض "ليس غاية بحد ذاته"، وإنما وسيلة للتوصل لحلول قادرة على الاستمرار، وإنهاء المأساة السورية، مؤكداً أن لا جدوى من أي حلّ في ظل وجود الأسد. وتتساءل مصادر في الائتلاف الوطني في حديث مع "العربي الجديد"، عن "قيمة العودة إلى التفاوض في ظل عدم حدوث اختراق على صعيد تشكيل هيئة حكم انتقالي، وفي ظل تردي الأوضاع الإنسانية، وعدم إبداء النظام أي مرونة". وتشير إلى أنه "ليس أمام المعارضة في الوقت الراهن إلا تغيير موازين القوى على الأرض، لإقناع القوى الداعمة للنظام بأن الحسم العسكري وفرض حلول على المعارضة غير ممكن".


ميدانياً، لم تحافظ المعارك في حلب على الزخم الذي بدأت به، ما يشير إلى أن تحريك الجبهات في شمال سورية لا ينفصل عن تحولات سياسية لم تتبلور ملامحها بعد، وخصوصاً بعد التقارب بين موسكو وأنقرة وانتظار التفاهمات التي يعكف خبراء من البلدين على مناقشة تفاصيلها.
وفي السياق، نقلت وسائل إعلام روسية عن مصادر برلمانية في موسكو أن "روسيا طلبت من تركيا إغلاق حدودها مع سورية، لوقف تدفق الإرهابيين والأسلحة"، مشيرة إلى أن "تركيا تميل إلى اجتياز المسائل المعلّقة في الشأن السوري، وأنها قد تقبل المقترح الروسي، وقد بدأت بدراسته".

في المقابل، بدأت موسكو خلال الأيام القليلة الماضية بـ "استعراض قوتها"، عبر الإعلان عن خطط لتوسيع وتطوير مطار حميميم في ريف اللاذقية على الساحل السوري، وتحويله إلى "قاعدة جوية متكاملة تابعة للقوات الجوية والفضائية الروسية، وتأهيلها لاستقبال قاذفات استراتيجية وطائرات نقل عملاقة". ويرى مراقبون أن موسكو "وضعت يدها على سورية في سياق تفاهم مع واشنطن، وهذا ما يفسر النصيحة الأميركية للمعارضة السورية بالتفاهم مع الجانب الروسي".